الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الفراغ الأمريكي" لا يملأه الأكراد… فهل يحاول الأتراك؟

"الفراغ الأمريكي" لا يملأه الأكراد… فهل يحاول الأتراك؟

12.02.2019
عصام نعمان


القدس العربي
الاثنين 11/2/2019
دونالد ترامب يتوقع "تحرير" كامل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سوريا خلال أيام . قال إنه حتى بعد سيطرة قواته على مئة في المئة من "أرض الخلافة" فإن الولايات المتحدة ستظلّ حازمة جداً، وهي تشجّع الجهود التي تبذلها دول أخرى، بما في ذلك الجهد المالي.
ايُّ دولٍ يشجعها الرئيس الأمريكي على مواصلة الجهود ضد ما سماه "فلول داعش"؟ ومن تراه يدعم لملء "الفراغ" الذي ستتركه وراءها قواته المنسحبة؟
الأكراد ليسوا دولة، فهل تخلّت عنهم أمريكا لتركيا؟ صحيفة "وول ستريت جورنال" أكدت أن الانسحاب سيتم حتى لو لم يكتمل أي اتفاق مع الأكراد الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية في شمال سوريا. لا يبقى، اذن، إلاّ الأتراك، ذلك أنهم يشكّلون دولةً إقليمية وازنة، فهل يكونون وحدهم شركاء أمريكا في هندسة مصير المناطق التي تنسحب منها؟
مساعدة لترامب قالت، عقب تصريحه عن انسحاب قواته الوشيك: "نُجري محادثات مع نظرائنا الأتراك في شأن ما يمكن القيام به بالنسبة إلى المنطقة العازلة لحماية تركيا التي تشعر بقلق أمني مشروع على حدودها". هذا الكلام سرعان ما كان له صداه لدى رجب طيب أردوغان بقوله، أمام أعضاء غرفة التجارة الأمريكية والمجلس التركي – الأمريكي إنه يجب اتخاذ خطوات في شأن إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا بأسرع ما يمكن. غير أن وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو كان واقعياً بدعوته إلى التنسيق بين الأطراف المعنيين، تمهيداً للانسحاب الأمريكي وذلك "لتفادي أي فراغ يمكن أن يستغله الإرهابيون لتقويض وحدة أراضي سوريا وتهديد أمن الدول المجاورة". الإرهابيون، في مفهوم جاويش أوغلو، هم الأكراد!
مهما يكن من أمر ، فإن أردوغان محكوم عليه بالتشاور مع الرئيسين الروسي والإيراني قبل اتخاذ قرار نهائي بالنسبة إلى مستقبل "الفراغ الأمريكي" في شمال سوريا. وهو ما سيجري بحثه في قمة سوتشي بين الرؤساء الثلاثة هذا الأسبوع.
الى أين ستنتقل القوات الامريكية المنسحبة من شمال سوريا؟
وول ستريت جورنال" أكدت أن الانسحاب سيتم حتى لو لم يكتمل أي اتفاق مع الأكراد الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية في شمال سوريا
الوجهة المعلنة بلسان ترامب: العراق، معظم العراقيين، مسؤولينَ ومواطنين، ساءهم وأحرجهم هذا الإعلان الفظ، خصوصاً أنه جاء مقروناً بإعلان آخر لا يقل فظاظة: استخدام العراق منطلقاً لشن هجمات ضد مَن تعتبرهم واشنطن مساندين للتنظيمات الإرهابية او مهددين للأمن القومي الإسرائيلي في سوريا وربما في ايران ايضاً. هذا التوجّه الامريكي العدواني لا يروق، بطبيعة الحال، لسوريا وإيران وروسيا وحتى لتركيا، وسيكون مطروحاً بالتأكيد على جدول أعمال مؤتمر سوتشي الوشيك.
ماذا عن ردود الفعل؟ بعضها سيكون معلناً، وبعضها الآخر سيكون ضمنياً.
روسيا وإيران سترفضان، من داخل مؤتمر سوتشي، وسوريا من خارجه، توجّهات امريكا العدوانية وستدعوان إلى سحب قواتها من سوريا والعراق. تركيا ستطالب زميلتها في حلف شمال الأطلسي بالتنسيق معها قبل القيام بتحركات عملانية. "إسرائيل" موافقة سلفاً وعلناً على كل تدبير أمريكي، سياسي أو عسكري، من شأنه النيل من إيران، ولاسيما ضد ما تصفه بتمركزها في سوريا. إيران ستدعم القوى السياسية العراقية المعارضة لأمريكا والمطالبة بسحب قواتها من البلاد، كما ستدعم عسكرياً فصائل المقاومة العازمة على التصدي لقواتها ميدانياً.
من المرجّح ان تستأخر واشنطن سحب قواتها من شمال شرق سوريا، كما من جنوب شرقها (قاعدة التنف خصوصاً) في سياق ممارسة ضغوطها السياسية والاقتصادية في كواليس المحادثات الجارية مع مختلف الأطراف الإقليميين والدوليين المعنيين بالبحث عن مخارج او تسويات للنزاعات والخلافات المستعرة.
الى ذلك، ثمة ورقة أمنية ربما ترى فيها واشنطن مخرجاً عملياً وتدعو تالياً إلى اعتمادها، بمباركة أنقرة مباشرةً وموافقة موسكو مداورةً، إنها العودة الى اتفاقية اضنه لعام 1998 بين تركيا وسوريا، بغية إيجاد مخارج وتسويات لنزاع تركيا مع الاكراد السوريين، ولنزاع سوريا مع تركيا التي تحتل بعض اراضيها في الغرب والشمال الشرقي وتهدد باحتلال المزيد بدعوى حماية أمنها القومي من "الإرهابيين" الاكراد، وكذلك إيجاد مخرج من مشكلة الإرهابيين الاجانب المتواجدين والناشطين في محافظة ادلب السورية برضا تركيا ورعايتها، الامر الذي يساعد في استعادة سوريا سيطرتها على المحافظة المحتلة وغير البعيدة عن قاعدتيّ روسيا البحرية في طرطوس والجوية في حميميم بمحافظة اللاذقية.
من المعلوم أن اتفاقية أضنة تتيح لتركيا، بالتنسيق مع سوريا، ملاحقة العناصر المعتدية عليها في حال انطلاقها من الأراضي السورية المحاذية لها بغية القضاء عليها من دون إقامة قواعد او استبقاء قوات عسكرية داخل سوريا.
فوق ذلك، ثمة ورقة اقتصادية رديفة للورقة الأمنية السالفة الذكر وداعمة لها تستطيع دمشق أن تلعبها بالتعاون مع موسكو وطهران، إنها ورقة إشراك تركيا، بمقدار محدد، في عملية إعمار سوريا التي لا تقلّ تكلفتها عن 500 مليار دولار. هذا الخيار الاقتصادي المربح ربما يغري تركيا باعتماده بديلاً من "خيار" اقتطاع مساحات من الاراضي السورية الباهظ التكلفة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
هل يتعقّل اردوغان؟
كاتب لبناني