الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الدوافع الحقيقية وراء التقارب التركي السعودي

الدوافع الحقيقية وراء التقارب التركي السعودي

30.05.2016
محمد زاهد جول


الخليج اونلاين
الاحد 29/5/2016
من عادة الكتاب الغربيين عندما يكتبون عن العلاقات التركية العربية عموماً أو العلاقات التركية السعودية أن يتذاكروا مرحلة الخلاف والصراع والاقتتال القصيرة الزمن، والتي وقعت إبان العقود والسنوات الأخيرة من أيام الدولة العثمانية، فيجعلون من تلك الأحداث أساساً لقراءتهم وتحليلاتهم للعلاقات التركية والعربية والخليجية والسعودية، ويتجاهلون مدتها الزمنية القصيرة نسبياً، ويتجاهلون أنهم أبناء أمة واحدة، ودين واحد، وعقيدة واحدة، وعبادات واحدة، وتاريخ واحد لثلاثة عشر قرناً سابقة على أقل تقدير، وربما يجعلون بناء الدول الحديثة مثل الجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية فواصل قاطعة تحول بين كل تلاق أو تعاون ممكن بينهما، وكأن الكيانات السياسية الحديثة هي جبهات حرب وقتال وصراع فقط، ويأخذون في تعداد أسباب الاختلاف غير القابل للحل من وجهة نظرهم الغربية والصهيونية، سواء في الحديث عن الأطماع العثمانية الصوفية ضد الحملات السعودية الوهابية، أو بين الجمهورية العلمانية الأتاتوركية والدولة الدينية للملك عبدالعزيز آل سعود في القرن العشرين، أو بين الوهابية السلفية السعودية والإخوانية التركية المعاصرة بحسب ظنونهم وتكهناتهم الفكرية، أو بسبب التهديد الإيراني الطائفي على كلا الدولتين في المنطقة في العقد الأخير، وأخيراً وليس آخراً بسبب تجاهل الاستراتيجية الأمريكية مصالح كلتا الدولتين في سوريا على حساب تأييد نزعات انفصالية طائفية للعلويين في الساحل السوري، أو تأييد أمريكي لنزعات قومية انفصالية للأكراد شمال سوريا، وغيرها، وهي في الغالب تهدف إلى الوقيعة بين العرب والأتراك في هذه المرحلة.
وبالرغم من نسبية صحة الصورة الشكلية العامة للمشهد التاريخي والحديث والمعاصر، إلا أنها تبقى مجرد أوهام إذا تم اقتصار التحليل السياسي والفكري عليها، فهي لا تأخذ في حيز التحليل السياسي أو الفكري إلا المظاهر والقشور، مع التأكيد على تجاهلها لكل القواسم المشتركة بين الدولتين والشعبين في الماضي والحاضر والمستقبل، وعلى فرض صحة بعض تلك التحليلات في بعض الجزئيات فإن العقليات السياسية والفكرية والخبرة السياسية التي اكتسبها الشعبان العربي والسعودي والتركي في القرن الماضي كانت كفيلة أن تمحو كل لحظات الصراع والاختلاف، فعمر كلتا الدولتين السياسي الحديث متقارب وهو نحو مئة عام، وقد اكتسب كلا الشعبين الكثير من الخبرات العلمية العالمية، والسياسية والفكرية والدبلوماسية، وتقبل الرأي الآخر والعلاقات السياسية المتبادلة والمصالح الاقتصادية المتعاونة بين الدولتين، فضلاً عن أن رؤية كلا الشعبين لبعضهما بعضاً لم يشبها شيء من الخراب الذي لحق العلاقات السياسية في بعض المراحل، فمشاعر الأخوة الإسلامية حية، وموسم الحج والعمرة نحو الأراضي المقدسة لم تتوقف، والسياحة العربية السعودية نحو تركيا لم تتوقف أيضاً، مما يؤكد أن كل ما يقال عن تباعد بين الدولتين أو الشعبين لدرجة القطيعة المطلقة، أو سوء النية الثابتة نحو الآخر، أو استقرار الشكوك من الآخر أو أطماعه، غير صحيح ولا واقعي، ومن باب أولى أن لا يقال إن كلتا الدولتين قد خططت في يوم من الأيام للعدوان على الدولة الأخرى أو التآمر عليها مع غيرها.
فالاختلافات الفكرية بين مدارس الفقه الإسلامي ليست خاصة بين الدولتين أولاً، وليست جديدة ثانية، وليست من تأسيس إحدى الدولتين ثالثاً، فسواء كانت المدارس السعودية أو التركية أكثر محافظة وسلفية أو إصلاحاً ومعاصرة، فإن ذلك مما يحتمله الاختلاف الفكري بين المسلمين، وسواء كانت أغلبية المناهج الفكرية الإسلامية محافظة أو إصلاحاً في السعودية أو في تركيا فليس ذلك سبباً مقبولاً لنشوء الاختلاف والصراع بين الدولتين، أو تكريسها كأسباب أبدية في الحاضر أو المستقبل، ولذلك لا ينبغي حمل هذه التحليلات على أنها تحمل شيئاً من الحقيقة العلمية أو التحليل السياسي الحكيم.
وقد يكون عذر المحللين غير المسلمين للعلاقات التركية السعودية على النحو السابق عدم امتلاكهم الروح الأخوية بين الشعبين، ولكن المستهجن والمستغرب أن تصدر مثل هذه التحليلات من المحللين والصحفيين العرب أو الأتراك، فهؤلاء لا عذر لهم في الحديث عن عداء مستحكم بين العرب والأتراك، أو السعودية وتركيا، أو الحديث عن احتلال أو استعمار تركي للبلاد العربية لأربعة قرون أو غيرها من المصطلحات الأجنبية الغريبة الخبيثة، فمتى كان انتقال الحكم في التاريخ الإسلامي بين عربي أو كردي أو تركي أو شركسي أو غيرها احتلالاً أو استعماراً، فهل كان حكم صلاح الدين الأيوبي والأيوبيين احتلالاً أو استعماراً للدول العربية، وهل كان حكم المماليك الشركس لبعض البلاد العربية احتلالاً أو استعماراً، وهل كان حكم العثمانيين لبعض البلاد العربية احتلالاً او استعماراً؟ إذا كان ذلك كذلك فإن حكم الأمويين لغير العرب من المسلمين هو احتلال واستعمار أيضاً، وكذلك حكم الخلفاء العباسيين لغير العرب من المسلمين هو احتلال واستعمار أيضاً، فهل يقول بذلك عاقل، فضلاً عن أن يكون مسلماً مؤمناً بوحدة أمته الإسلامية؟
أما الصراعات السياسية والعسكرية الدولية على أراضي العرب والأتراك وعلى أراضي المسلمين في كل العالم، فإن تعاون المسلمين على صدها ومقاومتها هو واجب على كل المسلمين، وليس واجباً على العرب أو السعوديين والأتراك فقط، فالواجبات المشتركة على كل الدول الإسلامية توجب تأكيد وحدتهم أولاً، وتوجب تنسيق جهودهم ثانياً، ولكن ما يؤسف له أن بعض الحروب التي شنها الغرب الصليبي أو الإسرائيلي الصهيوني تشارك فيها بعض القوى المحسوبة على الأمة الإسلامية، بل وبعض الدول في البلاد العربية والإسلامية، فإيران شاركت أمريكا في احتلال أفغانستان عام 2001، وشاركتها في احتلال العراق عام 2003، وهذا باعتراف السفير الأمريكي في العراق خليل زاده في مذكراته السياسية، وإن هذا التعاون بين أمريكا وإيران أشرف عليه من الجانب الإيراني وزير الخارجية الإيراني الحالي محمد جواد ظريف، ولم يتوقف هذا التحالف الإيراني الأمريكي على أفغانستان والعراق بل امتد إلى سوريا واليمن ولبنان وغيرها، والخشية قائمة على التعاون بينهما داخل السعودية وداخل تركيا أيضاً، دون نسيان الحليف الثالث الأساسي بينهما وهو الكيان الصهيوني الذي يمثل فزاعة المقاومة والتحرير التي يحرك خامنئي بها جيوشه وحرسه الثوري إلى البلاد العربية بحجة محاربته؛ أي الكيان الصهيوني إلا تمويهاً وكذباً وخداعاً.
فإذا تعاونت تركيا والسعودية لكشف هذا التعاون الخبيث بين إيران وأمريكا في العراق أو في سوريا أو في اليمن أو الخليج أو في تركيا، فهل يتم اتهامه بأنه حلف سني أو حلف آني بعد استحكام عداء كما يدعون ويتوهمون، أم هو ضرورة وواجب في الدفاع المشترك عن شعبيهما وعن الأمة الإسلامية، التي تتعرض لأشرس أنواع العدوان في تاريخها الطويل، فالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تستغل كل أنواع الاختلاف الطائفي أو القومي بين أبناء الأمة الإسلامية ودولها المتعددة، لجعلها أدوات في اشتعال الحروب بينها أولاً، وإضعافها وتدميرها وقتل أبنائها ثانياً، واحتلالها وتخريبها وليس استعمارها ثالثاً، فبعد ذلك لا ينبغي أن يستغربن أحد من التقارب التركي السعودي؛ لأنه هو الأصل وليس التحديات القائمة فقط، سواء كانت بسبب أخطاء السياسة الإيرانية التوسعية، أو بسبب الأخطاء السياسة الأمريكية التي تستغل الواقع العربي والتركي والإسلامي لتدمير المنطقة وحرقها.
إن تركيا والسعودية والدول العربية والأمة الإسلامية عموماً تواجه محاور عدوانية عديدة، وأخطر ما فيها ما تشارك فيها بعض الدول العربية أو بعض الدول الإسلامية ضد الأمة الاسلامية، فالدول العربية أو الإسلامية التي تحالف إسرائيل في حصار قطاع غزة لا يمكن تبرئتها من الاشتراك في العدوان على الأمة الإسلامية، وكذلك الدول التي تحالف أمريكا في قتل العراقيين والسوريين وغيرهم هو تحالف إجرامي، ولا يقل عنه إجراماً كل تحالف مع الجيش الروسي في قتل المسلمين في سوريا أو غيرها، ولا يبرر ذلك وجود مصالح لهذه الدول في التعاون مع المحتلين الأجانب، سواء كان الاحتلال صهيونياً إسرائلياً أو صليبياً أمريكياً، أو حرباً مقدسة تخوضها الكنيسة الأرذوكسية الروسية ضد العرب والأتراك وغيرهم، فهذه التحالفات واضحة العدوان على الأمة الإسلامية، ومن الخطأ والإجرام والجنون أن تقبل دولة مثل إيران أن تكون أداة رخيصة بيد الاحتلال الأمريكي أو الروسي لبلاد المسلمين، لأن ذلك لن ينعكس على الشعب الإيراني بالمصالح والفائدة، وإنما بالخسارة المباشرة على الشعب الإيراني أولاً، وإلى زوال دولتها غير مأسوف عليها ولو بعد حين، فأي احتلال أجنبي يبحث عمن يخدمه من القوات المحلية، ولكنه يستغني عنها ويقتلها بعد نفاد الحاجة إليها، ولكن الخسارة الأكبر لأي جيش من المسلمين أن يأخذ دور العميل والخائن لدينه وأمته ولشعبه في الدنيا والآخرة.
لذا فإن التحالف الإسلامي الذي تم تشكيله في الرياض بين ستة وثلاثين دولة إسلامية قبل أشهر، والمناورات والتدريبات العسكرية التي تقوم في السعودية أو في تركيا هي طبيعية أولاً ، وضرورية ثانياً، لاستخدامها في مرحلة الدفاع الأقوى على الأقل، وإلا فإن المخاطر والخطر سوف تدخل الأراضي السعودية والتركية وباقي البلاد العربية والاسلامية، إن لم تكن قد دخلتها فعلاً، ومن مسؤوليات هذا التحالف والتعاون الإسلامي أن يمنع مشاريع التقسيم التي يخطط له الأمريكيون في العراق وسوريا، سواء على أيدي الأحزاب الطائفية الإيرانية الارهابية، أو على أيدي الأحزاب القومجية الكردية الإرهابية، فهذه الكيانات ستخدم الطامعين المحليين مرحلياً، ولكنها ستكون ظلماً وفساداً واستبداداً على شعوبها في المستقبل القريب قبل البعيد، فضلاً عمّا يحدثه من ضعف في الأمن القومي العربي والتركي معاً، أي ان التحالف التركي السعودي والعربي مع الوطنيين والإسلاميين من أبناء القوميات الأخرى الشرفاء من الأكراد أو الشركس أو الإيرانيين الشرفاء أيضاً فهو حق طبيعي لأبناء الأمة الإسلامية، فهم يتحالفون في الدفاع عن أنفسهم، وهم أبناء أمة واحدة تتعرض لنفس المخاطر ولنفس الاعتداءات، وهذه هي الدوافع الحقيقية التي تجمع أبناء الأمة الواحدة عند المخاطر والتهديدات الإجرامية، بغض النظر عن مصدرها.