الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الدواعش والسلاح الإسرائيلي

الدواعش والسلاح الإسرائيلي

22.09.2018
عدلي صادق


العرب اللندنية
الخميس 20/9/2018
ربما كان مقصودا أن يُترك لوكالة أنباء روسية، وليس لوكالة سورية، الإعلان عن ضبط أسلحة إسرائيلية في المواقع السورية التي أخلاها الإرهابيون أو فروا منها أو استسلموا أو قُتلوا فيها. فالانطباعات العامة، تعطي بعض الأرجحية للوكالة الروسية، إن كان بديلها الوكالة الرسمية السورية. يُضاف إلى ذلك، أن شهادة الروس ستكون غير مجروحة بالمعنى السياسي والعملياتي، على اعتبار أن إسرائيل التي زوّدت الإرهابيين بالسلاح، تُعدّ شريكة لروسيا في عملية تنسيق الفعاليات العسكرية داخل سوريا، وبالتالي فإن الروس ليسوا في الموقع الذي يتجنّى على إسرائيل.
أيا كان سبب تكفل الوكالة الروسية بنشر خبر العثور على أسلحة إسرائيلية، من بين أسلحة أميركية وغربية أخرى، في مواقع داعش والنُصرة؛ فإن المتتبعين لسلوك هذين الفصيلين على مسرح الصراع، وبقراءاتهم الإستراتيجية للمشهد، كانوا على يقين بأن إسرائيل ضالعة في دعم فصائل الإرهابيين، لأنها إحدى أهم الوسائل لإدامة الصراع في سوريا حتى تدميرها. وعلى سبيل التفصيل، بدا في ذيل خبر العثور على الأسلحة الإسرائيلية، أن تل أبيب، التي لديها الكثير من الأسلحة الروسية غنمتها في الحروب، ركزت على تزويد الإرهابيين بذخائر من إنتاجها، للسلاح الروسي، مع بعض الوسائل القتالية والأسلحة الخفيفة من صناعتها.
مسألة التعاون الإسرائيلي مع جحافل الشر التي تنتحل الإسلام، حسمتها في سوريا مبكرا، تقارير ضباط “أندوف” أي قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان، إذ رفع هؤلاء للأمين العام للأمم المتحدة، العشرات من التقارير عن زيارات متبادلة بين ضباط إسرائيليين و”أمراء” الجماعات، وعن تعاون لوجستي.
ولم يكن ثمة شيء يمنع النظام السوري من الحديث عن هذا التعاون. ويروي السوريون القاطنون في مناطق جنوبي غربي سوريا، أن الجماعات التي احتلت المنطقة، كانت ترسل مرضاها إلى إسرائيل للاستشفاء، وتعطي تصاريح مقابل رسوم، لمواطنين سوريين، عزت عليهم الطبابة فوجدوها متاحة في المستشفيات الإسرائيلية. وكانت تلك الجماعات تعرف أن معظم العائدين من الزيارات ورحلات العلاج، يعودون وقد منحتهم إسرائيل بعض الدراهم، لكي تربح ولاءهم. ولم تكن الجماعات المنتحلة للإسلام، تعترض على ذلك أو تتطير منه، بل كانت ضالعة فيه بشكل ممنهج.
الأمر يختلف في بعض سياقاته بالنسبة لشبه جزيرة سيناء. فمن نافل القول إن صحراء سيناء، لها توصيفها الراسخ على مر التاريخ، باعتبارها منطقة إستراتيجية مهمة، تطل على بحرين، وتفصل بين قارتين، وتمثل فضاء تنافست عليه الجيوش عبر التاريخ. أما جنرالات إسرائيل، فقد وصفوا سيناء عندما احتلوها في العام 1967 بأنها “قبضة الفولاذ” وعندما فاوض أنور السادات لاستعادتها في العام 1978 استمات مناحيم بيغن، رئيس حكومة إسرائيل للاحتفاظ بها، وعندما وازن بين منافع فصل مصر عن معادلة الصراع بإبرام صلح معها من جهة، والمنافع الإستراتيجية لسيناء من جهة أخرى، رجحت عنده المنافع الأخيرة لكنه اشترط حرمان مصر من المزايا الإستراتيجية لسيناء، وكان الاتفاق على إخلاء ثلاثة أرباع مساحتها الشرقية من السلاح، ووضع محطات إنذار مبكر أميركية، لكي لا تتقدم القوات المصرية مترا خارج الخطوط الطولية التي رُسمت، علما بأن ما كان للجانب المصري من قوات في كل شبه جزيرة سيناء لا يعدو وحدات رمزية خفيفة، على شريط ملاصق لقناة السويس.
عندما يكون حال سيناء بعد أن استعادتها مصر، على هذه الشاكلة، بحكم أهميتها بالنسبة لإسرائيل كـ”قبضة فولاذ”، وعندما تكون مصر دولة تلتزم بتعهداتها: كيف نفسر مشهد العرض العسكري الداعشي على بعد أمتار من حدود النقب، قي بدايات النشاط الإرهابي، بنحو ألف سيارة دفع رباعي تحمل رشاشات ثقيلة ومتوسطة ومحملة بملتحين بجلابيب قصيرة في إهاب متطرفين؟ هل كانت إسرائيل ترى أن سيناء لم تعد “قبضة الفولاذ”، ولم تعد ذات أهمية إستراتيجية، لكي تسمح لقوة إرهابية غير نظامية، لا تلزمها أي تعهدات، للانتشار في سيناء؟
إسرائيل في الحقيقة، كانت ولا تزال تعرف على ماذا تسكت وعلى ماذا تصرخ وتتدخل. والإرهابيون الذين يفترض أنهم قوة تنتحل أيديولوجيا معادية لمن يحتلون القدس، لم يتحركوا إلا في هوامشها، وينطلقون من النقب ويحصلون على سلاحهم من إسرائيل. وهم يتعمدون جعل التركيز ينصبُّ على غزة. لذا فإن بعض الإرهابيين الدواعش استخدموا غزة في حركتهم ومناوراتهم تحت الغطاء الجهادي الكاذب. أما مصالح الاستخبارات الإسرائيلية، فقد مضت في عملية معقدة، إذ أظهرت تعاطفها مع المصريين، وهي تطعنهم في الواقع. وفي كل العمليات التي جرت على بعد أقل من 5 كيلومترات من الحدود، كانت القوة المهاجمة للجيش المصري، تظهر فجأة بكثافة، لم تكن قبلها منظورة، ولا المناطق على الحدود جبلية تصلح للاختباء. وفي أثناء كل هجوم تكون إسرائيل معنية بانطلاق العملية، وليست معنية بمن يعود من الإرهابيين سالماً أو يُقتل. فالهدف بالنسبة لها مصر لكي تضطرها إلى تعاون أمني واستراتيجي شامل معها. أما في سوريا، عندما صادقت إسرائيل “جبهة النُصرة” ثم لم تأسف على إبادتها في اليرموك، كانت قد استخدمت الإرهابي وتركته عندما أدى مهمته وأصبح غير ذي فائدة لها.
المتابعون لم يكونوا في حاجة إلى ضبط سلاح إسرائيلي في حوزة الدواعش وأمثالهم، لكي يعلموا أن هؤلاء ليسوا إلا معاول هدم للأوطان، ورموزا للخيانة.