الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الخندق الأخير للثورة

الخندق الأخير للثورة

06.03.2019
زكي الدروبي


حرية برس
الثلاثاء 5/3/2019
يعتقد البعض أن السير في طريق الحل الروسي يشكل بداية الحل السياسي المنشود، لا بل يعتقدون أنها الواقعية المنشودة المنقذة للثورة بدلاً من الشعاراتية وسياسة الرفض التي كانت تمارس قبل هذا.
بالتأكيد لست معجباً بسياسة الرفض التي كان يمارسها المجلس الوطني الذي رفض مقررات جنيف واحد حين كانت كفة الميزان تميل لصالحنا، وبالتأكيد كنت رافضاً لسياسة الرفض التي اتبعها كهنة المجلس الوطني آنذاك ضد مبادرة الجامعة العربية وخلافه، لكني حكماً لست راضٍ عن الواقعية السياسية التي تفضل مصالح الغير على مصلحتي الوطنية.
إن عدم امتلاك الثورة لقوة عسكرية منظمة تحميها، وضعف أداء المعارضة السورية وتفرقها وابتعادها عن الشارع وعدم تنظيمها له، وافتقارها للإرادة في استخدام أوراق القوة الموجودة، سيودي بالناس إلى اليأس رويداً رويداً، والاستسلام ليعودوا تحت البسطار العسكري لنظام أمني فاشي مجرم.
لقد تضخمت الأنا لدى الكثير من قوى المعارضة والثورة، وبالتالي لم تتم الوحدة بينها لتتشارك مع بعضها البعض في قيادة العمل الثوري، وحاول البعض احتكار الشرعية الثورية، ورمى غيره باللاشرعية وبالعمالة للنظام، واستمر التفتت سيد الموقف حتى اليوم، حتى أن البعض اعتبر “الديمقراطية الزائدة” – حسب وصفه – خطأ ولابد من “كبير يعود إليه الناس”، أي أن الأنا المتضخمة لديه تريد إعادة إنتاج الاستبداد بوجوه أخرى، فيكون هو الزعيم بدلاً من بشار الأسد مثلاً، لهذا السبب فشلت كل محاولات توحيد المعارضة، وذهبت كل النداءات والمناشدات التي صدرت من الشعب والثوار للمعارضة وقوى الثورة من أجل الوحدة أدراج الرياح، ومع التعنت ورفض الوحدة وصعود الأنا، طرحت محاولة توحيد عمل القوى الوطنية الديمقراطية، وبالأخص الأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية، ويوجد الكثير منها في الساحة السياسية السورية، منها على سبيل المثال وليس الحصر حزب اليسار الديمقراطي السوري وغيره، واعتبرنا أن وحدة العمل يمكن أن تبني ثقة بين أفرقاء المعارضة، وتؤسس لوحدتها فيما بعد، إلا أن الأنانية وحب الزعامة والرغبة بالعمل الفوقي وانتهازية البعض داخل القوى المهيمنة على تمثيل الثورة، لم يسمح بالعمل الجماعي المؤسساتي المنظم حتى الآن، وعدنا للمربع الأول، التفكك والتناحر واستغلال الحراك الشعبي مرة تلو المرة، لتحقيق مصالح حزبية وتسديد الضربات للمختلفين معهم في الثورة، بدلاً من التركيز على نظام الأسد، مما أعاد الوهن مرة أخرى للنشاط الثوري، وخفتت المظاهرات بعد أن يأس الناس من تبدل هذه المعارضة.
ما نراه اليوم من تراجع نتيجة طبيعية لكل ما سبق من أخطاء “الانقسام والخلاف والأنانية”، لكن الاستحقاقات الماثلة أمامنا لن تفرق بين معارض وآخر، بل ستطيح بالجميع دونما استثناء، فالسعي المحموم من قبل روسيا لإعادة إنتاج نظام الأسد عبر انتخابات ودستور، ورضوخ هيئة التفاوض لهذا الأمر، وتبريره بأنه مدخل للحل السياسي، أمر خطير جداً على ثورتنا ومستقبلنا، ونحن نرى أن بيان جنيف واحد وقرارات مجلس الأمن هي المدخل للحل السياسي، من خلال بناء إجراءات الثقة عبر إطلاق سراح المعتقلين ووقف القصف و.. ومن ثم تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات… الخ، ولا نرى الحل السياسي عبر دستور لم يحترم طوال عهد حكم العسكر في بلادنا، والذي أنتج هذا النظام الأمني المافيوي القاتل، ولا يمكن أن يكون عبر انتخابات ستعيد إنتاج نظام الأسد حكماً، فهو المالك للمال والإعلام والمخابرات والدول الصريحة الدعم له، في مقابل أفرقاء معارضة وقوى ثورية مشتتة مختلفة فيما بينها منقسمة على بعضها البعض، تسعى لتسديد الأهداف في مرماها نكاية ببعضها البعض، متناسية مرمى النظام العدو.
إن التخاذل والرضوخ لمطالب الأصدقاء بالتخلي عن الحل الأممي الواضح والصريح، واعتبار الحل الروسي (دستور وانتخابات) مدخلاً للحل السياسي، هو تنفيذ لمهام وطنية تخص هؤلاء الأصدقاء ولا تخص ثورتنا، فحين خرج الشعب السوري في ثورته لم يستشر أحد في العالم، لا أمريكا ولا روسيا ولا أي أحد دولة في العالم، بل آمن بحقه في التغيير والانتقال من نظام مستبد قاتل إلى نظام ديمقراطي تعددي مبني على المواطنة وحقوق الأنسان، وهو حين قدم الشهداء والمعتقلين والمهجرين الذين يسكنون في ظروف غير آدمية، كان يناضل في سبيل تحقيق أهدافه التي طالبها (الحرية) ولم يكن يطالب بتحقيق أهداف أصدقاءه.
ما زال أمامنا خندق قد يكون الأخير، فبعد تراجعنا عن كل الخنادق الأخرى ورمي التهم على الخارج بأنه سبب البلاء، وجب التخندق في موقف وطني قد يكون الأخير في سلسلة تراجعاتنا، نعم للحل الأممي لا للحل الروسي.
المطلوب الآن إعلان موقف صريح وواضح من كافة القوى الوطنية، يتمسك بالحل الأممي، ويعتبر أنه الحل المستدام الذي يلبي طموحات الشعب السوري، ويرفض المحاولات الروسية لإعادة إنتاج نظام الأسد عبر دستور وانتخابات، وإن فشلنا في إيجاد موقف وطني موحد فلا يلومن أحد العامل الخارجي مدعياً أن دول الخارج لم تساعدنا، فقد شهدنا في جلسة مجلس الأمن الأخيرة كيف أعلن المندوب الأممي عن خطته لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة مبتدئاً بخطوات “بناء الثقة بين النظام والمعارضة” عبر “اتخاذ خطوات ملموسة في قضية المعتقلين والمختطفين والمفقودين” ، وكذلك فعل المندوب الأمريكي الذي أعلن أيضاً تمسكه بقرارات الأمم المتحدة وشدد على ضرورة تنفيذها، ونفس الأمر ينسحب على المندوب الفرنسي الذي تطلع ” لانتقال سياسي في سوريا ” وشدد المندوب الكويتي أيضاً على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة كما وردت، بدءاً من إجراءات “وجوب بناء الثقة بين السوريين لإنجاح مساعي الحل، وبناء الثقة يبدأ بالإفراج عن المعتقلين والأسرى” معلناً رفضه ” للحل العسكري” في سوريا مطالباً مجلس الأمن “تجديد التأكيد على القرار 2254 في سوريا”.
إن التخلي عن الحل الأممي لأي سبب من الأسباب ليس في صالح الثورة بالتأكيد، والتخلي عن إصدار موقف وطني موحد لا عذر له سوى التخاذل، أي أن العلة داخلية وليست خارجية، ولا يلومن أحدهم فيما بعد الخارج لتبرير التخاذل، فـ “يداك أوكتا وفوك نفخ”.