الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الخطأ البشري ونهاية الكذبة

الخطأ البشري ونهاية الكذبة

14.01.2020
يحيى العريضي



سوريا تي في
الاثنين 13/1/2020
ليس لأن إسرائيل تهوج وتموج احتجاجاً على مشروع إيران النووي؛ وما لنتنياهو تلك المصداقية عندما يسوق الحجج لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي؛ وليس لأن أمريكا انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني، ووضعت شروطاً قاسية على ذلك البرنامج فسرها البعض ابتزازا سياسياً؛ ولا لاعتراضات بعض الدول التي رأت في برنامج إيران النووي جزءاً من مشروعها التوسعي والخبيث، منطلقةً من خلفيات تنافسية وغيرة سخيفة؛ بل لأن إيران ذاتها، والعقلية الخمينية ذاتها غير مؤهلة؛ ولا تؤتمن على هكذا تقانة تحيي وتميت، لا كأي تقانة أخرى.
يأتي الحدث الصارخ على عدم أهلية إيران بإسقاطها الطائرة المدنية الأوكرانية وقتل ركابها الـ 176، واعتذارها بأن ذلك كان "خطأً بشرياً". فإذا سلّمنا بأن إسقاط الطائرة الأوكرانية كان بقصد بشري (كما تسربت بعض الروايات بأن ضباطًا إيرانيين كانوا هاربين خارج إيران على متن تلك الطائرة، وأن السلطات الإيرانية اكتشفت ذلك، وطلبت من الطيار العودة، ولم يستجب، فقامت بقصف الطائرة)، فتلك مصيبة؛ وإن كان إسقاطها نتيجة خطأ بشري غير مقصود، فتلك مصيبة أكبر وأخطر.
الأولى ممكنة؛ لأنه لا قيمة للحياة البشرية في دولة الملالي، والدليل على ذلك مئات آلاف الأرواح البشرية التي تسبب قادة إيران بزهقها داخلاً وخارجاً. أما الاحتمال الآخر فهو الأكثر رجحاناً، والسبب في ذلك أن الحصار الخانق المفروض على إيران قد حال دون أي تطوير لمنظومة الملاحة الجوية، وحرمها من توفر التقانات العلمية الفنية والتدريبية العالية في هذا الميدان، حيث تحتكره ذات الدول التي تفرض المقاطعة عليها.
لن تفيد تبريرات الأركان العامة الإيرانية بأنها ظنت الطائرة هدفاً معادياً على شاشات راداراتها، أو أن إيران كانت تحت تهديدات أمريكية - في محاولة لتحميل أمريكا مسؤولية كارثة الطائرة-. فمَن جلب تلك التوترات أو التهديدات هو السياسات الرعناء العدوانية لجمهورية الملالي تجاه محيطها والعالم. ولن يفيد أيضاً تصريح الرئيس روحاني بأنه سيعوض على الضحايا؛ بل يفيد فعلاً ما قاله حول عدم تكرر هكذا خطأ عبر تأهيل وتدريب تلك الطواقم في الملاحة الجوية وأرصادها وراداراتها وتقاناتها؛ والأهم وقف استعدادية القتل والشر والاستنفار والحرب في نفوس وعقول هؤلاء.
من جانب آخر يبقى ميدان الملاحة الجوية وتقاناته أقل خطراً بألف مرة من التقانات والخبرات العلمية العالية المطلوبة للتعامل مع المشروع النووي. لا يفيد ملالي إيران حديثهم بأن مشروعهم النووي سلمي، ولا نهج "التقية" بتلك الخطورة عند غياب المعرفة العلمية التقانية التي تؤدي إلى كوارث. لا تزال كارثة مفاعل تشرنوبل 1986 تشكل شبحًا مرعباً لعالمنا. ما تسبب بتلك الكارثة النووية كان خطأً في التصميم وغباءً بشرياً في التشغيل. وكان وراء ذلك السلوك العبثي للاتحاد السوفييتي الأمر الذي عرّضه لعزلة وعقوبات ومقاطعة؛ ما أدى إلى انهيار بالتدريب والمعرفة التقانية. وهذا بالضبط ما تعيشه إيران اليوم.
هذا "الخطأ البشري" الإيراني ليس الأول، ولن يكون الأخير؛ وسيكون كارثياً على البشرية؛ وخاصة إذا ما امتلكت إيران النووي. القضية ليست أمريكا أو إسرائيل أو دول الخليج العربي، إنها مسؤولية دول العالم وشعوبها
فإذا كانت تلك المعرفة والتقنية الروسية تتجاوز ما لدى إيران، وحدث ما حدث في مفاعل تشرنوبل، فما الذي نتوقعه من عصابة امتهنت المكابرة والكذب والتقية؟ قد تنفع إيران هذه الأدوات الرخيصة الإجرامية؛ ولكن في عالم العلم والتقانات لا مكان لها. وإذا كان إسقاط طائرة مدنية لخلل بشري؛ فأي كارثة ستحل بمنطقتنا وبالعالم إن وقع ذلك الخطأ أو الخلل البشري على صعيد نووي؟!
المشكلة في مشروع إيران النووي لا تكمن بكونه حربياً أو سلمياً كما ذهب المدافعون عن حق امتلاك إيران للطاقة النووية؛ حيث كانت مرافعتهم بأن إيران تعهدت بأن يكون مشروعها سلمياً؛ واستشهدوا بمقولة الخميني إن القتل حرام بالسلاح النووي؛ ولم تعد حيثيات التباين في الموقف الأوربي والأمريكي تجاه الموضوع ذات قيمة، إذا كان هذا النوع من التقانات- حتى ولو سلمية- مقبول أن يكون بأيدٍ غير خبيرة، وغير مسؤولة، وجاهزة أن تلجأ بكل بساطة واستخفاف إلى حجة أو ذريعة "الخطأ البشري" عند وقوع مكروه. هذا "الخطأ البشري" الإيراني ليس الأول، ولن يكون الأخير؛ وسيكون كارثياً على البشرية؛ وخاصة إذا ما امتلكت إيران النووي. القضية ليست أمريكا أو إسرائيل أو دول الخليج العربي، إنها مسؤولية دول العالم وشعوبها.؛ فهم ليسوا فقط أمام سلطة مارقة بل متخلفة أيضاً. من فشل في إدارة تقانات صاروخ أو تعامل عشوائياً وبجهل مع تقانات بالية؛ وبُرمِج عقائدياً وأيديولوجياً أن يستهين بالحياة البشرية كرمى لعيون الخامنئي والمهدي المنتظر لا يؤتمن على تقانات نووية حربية كانت أم سلمية. سيكون "الخطأ البشري" أساساً في ممارسة التقية. لا بد لهذه الكذبة من نهاية..