الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الخطأ الأميركي يعود مرتين

الخطأ الأميركي يعود مرتين

26.12.2018
محمد حسن الحربي


الاتحاد
الثلاثاء 25/12/2018
قرار انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وانسحابها جزئياً من أفغانستان. هل هنالك المزيد في الطريق؟ لا أحد بمقدوره الإجابة عن هذا السؤال. فالانسحابات العسكرية الأخيرة من الميادين سبقتها انسحابات لا تقل عنها أهمية، كالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وانسحابها من اتفاقية المناخ، كما انسحبت جزئياً أو كلياً من اتفاقات أخرى ذات طبيعة تجارية واقتصادية. يتوقع محللون سياسيون أن مسلسل الانسحابات الأميركي لن يتوقف عند هذا الحد، بل ستتلوه انسحابات أخرى مفاجئة، ليستمر مسلسل الإرباك والارتباك عند الحلفاء والأصدقاء في العالم، وسيطال الارتباك الداخل الأميركي نفسه، وما استقالة وزير الدفاع الجنرال "جيمس ماتيس" سوى أولى حبات السبحة التي ستكر، فضلاً عن أنها دلالة على خلاف حاد بين أجهزة الدولة العميقة في أميركا. موظفو الصف الأول في إدارة الرئيس ترامب ليس كلهم تفاجؤوا بهذه القرارات، فمنهم من كان يعلم بوقوعها لكنه استمر بحذر في عمله، ومنهم من لم يستطيع تحمّل صدمة المفاجأة فحزم أمره واستقال من نفسه. كثيرون (هربوا) من إدارة ترامب خلال السنوات الأربع الماضية تقريباً، إما لاحتكاكهم معه واختلافهم مع بعض أفكاره، وإما أن الرئيس وجد نفسه مضطراً إلى مطالبتهم بالاستقالة لعدم اقتناعه بأدائهم أو اختلاف طريقة تفكيرهم عن طريقة رؤيته للأمور، ثمة قسم ثالث كان الحدس وراء مغادرتهم لمناصبهم، فرؤية الرئيس ترامب للشأن العام فيها من الهم الاقتصادي أكثر بكثير من السياسة، فذهبوا بصمت ليجنبوا أنفسهم مشاعر المرارة التي غالباً ما تبقى حية في النفس لفترة طويلة، تماماً كالتي يمكن تخيّلها لدى الجنرال "جيمس ماتيس"، الذي جاء في استقالته (سأغادر لأترك للرئيس ترامب فرصة اختيار من يفكر بطريقته).
وعلى الرغم من أن قرار الانسحاب الأميركي الأخير أوجبته انتخابات المرحلة الثانية الوشيكة، والتي غالباً ما يصبح الرئيس المنتخب فيها أكثر قوة وحسماً للأمور، إلاّ أنها ليست جديدة، فقد أطلق سلفه أوباما، جملته الشهيرة لا جندي على الأرض - No boot on the ground. فقرارات كهذه فيها خفض للإنفاق العام، وفيها ما يشبه الغيرة الوطنية، وكثير من العاطفة، كما يفهمها المواطن الأميركي ويشعر بها، ويجيد إطلاقها الرؤساء الأذكياء في وقتها المناسب.
المتضرر من الانسحابات الأميركية الحلفاء الذين عوّلوا على استراتيجية أميركا ضد التمدد الإيراني في الإقليم وبعض الدول العربية، وتضررت بعض القوى الموجودة على الأرض السورية، خصوصاً الكُرد، حيث كشف الانسحاب الغطاء عنهم، وتضررت كثيراً الصدقيّة الأميركية التي تأرجحت في العقود الأخيرة.
أما المستفيدون من الانسحاب الأميركي فهو تنظيم (داعش)، وتركيا، ومليشيات إيران، وموسكو. والفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي في سوريا، هو المشكلة الكبيرة التي سيشهدها العالم في الفترة الُمقبلة، إذ إن المناطق الفارغة التي تُركت سيأتي من يملؤها، وأغلب الظن أن تركيا ستكون مرشحة للقيام بهذا الدور، وثمة من يرى أنه قد جرى التنسيق معها أميركياً قبل الانسحاب. أميركا تسقط مرتين في الخطأ نفسه في أقل من عقدين: مرة بالانسحاب من العراق لتسلّمه لمليشيات إيران و"داعش"، ومرة بالانسحاب من سوريا لتسلّمها أيضاً لمليشيات إيران و"داعش"، فما أشبه اليوم بالبارحة، والسؤال: هل ما يحدث سببه خطأ في الرؤية لدى العرب، أم أن الأطراف الأخرى تخطط بطريقة أفضل؟ كم هي ثمينة الإجابة.