الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحرية والعدالة والكرامة.. إلى أين وصلت مؤشرات قطار الربيع العربي؟ 

الحرية والعدالة والكرامة.. إلى أين وصلت مؤشرات قطار الربيع العربي؟ 

20.01.2021
ساسة بوست


ساسة بوست 
الثلاثاء 19/1/2021 
مرَّ عقدٌ منذ أنّ انطفأت نيران محمد بوعزيزي في مدينة بن عروس التونسية، وأشعل معه نارًا عمّت المنطقة العربية كُلّها؛ الربيع العربي، ثوراتٌ بعثت شعارات الأمل للشعوب، وأعادت التاريخ العربي إلى مساره الصحيح. 
منذ اندلاع الثورات اختلف الناس في تقييم هذه التجربة التاريخية، فمنهم من يرى أنّ التغيير قادم لا محالة، وأن الشعوب في حاجة إلى مزيد من الوقت والكفاح والنضال للحرية، وآخرون قيموه بالفشل، بعدما شهدوا عودة قوى الاستبداد والثورة المضادة وسيطرتها على المشهد، مع استثناء صغير في تونس. 
يعرض لك هذا التقرير مؤشرات الربيع العربي لعام 2020، في المحاور التالية: العيش (الاقتصاد)، والحرية، والفساد، والتطبيع. ويعرض بلغة الأرقام عدة قضايا وآراء الشارع العربي تجاهها. 
مؤشرات الحرية والديمقراطية في العالم العربي 
حلَّ عام 2019 على المنطقة العربية حاملًا معه مفاجآته الخاصة؛ "الموجة الثانية" من الربيع العربي، وانطلق قطار الموجة هذه المرة من مدينة عطبرة السودانية، وامتلأت ساحة الاعتصام بالخرطوم وسط هتافات "شرقت شرقت.. عطبرة مرقت"، وانتفضت المدن السودانية، واستطاعت الثورة بفضل نفسها الطويل الإطاحة بعمر البشير، العسكري الذي حكم السودان 30 عامًا. 
ولم يمض وقت طويل حتى اندلعت الثورة في الجزائر مطالبةً بوتفليقة بعدم الترشح للمرة الخامسة لرئاسة الجزائر، وتميز الجزائريون في ثورتهم الأخير أيضًا بنفسهم الطويل وانتظامهم بالحراك. ولم ينته عام 2019 حتى شهدت الشوارع انتفاضاتٌ متزامنة أخرى بالعراق ولبنان، وكأنّ الأنظمة الطائفية فيهما تتشاركان نفس الجينات التاريخية. 
وينشر موقع "فريدوم هاوس" خريطة تقيم "حالة الحرية" في كل دول العالم، وتقسم الخريطة الدول إلى ثلاثة أقسام ملونة: دول غير حرة (بنفسجي)، ودول حرة جزئيًا (أصفر)، ودول حرة (أخضر). وتظهر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غالبًا عليها اللون البنفسجي باستثناء تونس، بسبب تجربتها الديمقراطية. 
وينشر الموقع خريطة أخرى تعكس "التغيرات الطارئة" على العالم، فالمؤشر يبين إذا ما زاد أو نقص معدل الحرية في دول العالم، وتبين الخريطة أنّه من عام 2019 إلى 2020، شهدت المنطقة تراجعًا في كلٍ من المغرب، ولبنان، ومصر، وتقدمًا في كلٍ من تونس، والسودان. 
وتعيش السودان تقدمًا نسبيًا بسبب ثورتها التي أدت لصعود حكومة انتقالية بالتناصف بين قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري الانتقالي. وستبين السنوات القليلة القادمة انعكاسات كل ذلك على الشارع السوداني، خاصةً بعد اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، وإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. 
ويلاحظ أن مطلب الديمقراطية شائع في الشوارع العربية، ويربط البعض بين الحرية والأنظمة الديمقراطية التي تكفل للأفراد حرية التعبير والمعتقد وفق صيغة المواطنة. ونشرت مجلة "الإيكونوميست" مؤخرًا مؤشر الديمقراطية في العالم العربي بعد مرور عقدٍ على الربيع العربي، والذي يشير إلى انحدارٍ عام تعيشه دول المنطقة، باستثناء تونس. 
واستمر العمل على الاستطلاع ثمانية شهور في 13 دولة عربية، وشارك في الاستطلاع 28 ألف شخص موزعين بحسب التقسيمات الإدارية لكل دولة، مثل التقسيمات الريفية والمدنية. وسنعتمد في هذا التقرير على بعض المؤشرات التي أرفقت في الدراسة.وفي هذا الصدد، أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات "المؤشر العربي 2019/2020"، وهو استطلاع رأي دوري ينشره المركز منذ 2011، في مجالات متعددة اقتصادية وسياسية وحقوقية وفكرية. 
وفيما يخص الديمقراطية طرح الاستطلاع بعض المقولات على المستجيبين، وأخذ آرائهم فيها، ونسبه موافقتهم أو معارضتهم لها، مقولات مثل: "مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي"، وتشير الرسمة البيانية المرفقة أدناه إلى أنّ غالبية المشاركين لديهم مواقف إيجابية من الديمقراطية. 
وبحسب الاستطلاع، فإنّ نسبة 76% من المشاركين يفضلون النظام الديمقراطي على غيره، مقابل 17% معارضين للديمقراطية. 
وفي استطلاع رأيٍ أجرته مجلة "الجارديان" البريطانية يشير إلى أنّ غالبية الناس في خمس دول عربية لا ندمَ لديهم على حدوث ثورات الربيع العربي، وتظهر الرسمة أن غالبيتهم من السودان والجزائر، مع شعورٍ بالندم من قبل السوريين، واليمنيين، والليبيين، الذين تشهد دولهم حربًا قائمة منذ سنوات. 
حتى خطاب التنمية لم يفلح به المستبدون.. ماذا تقول لغة الأموال؟ 
لا شكَّ أنّ العالم العربي يعيش تفاوتًا اقتصاديًا كبيرًا إقليميًا وداخليًا في كل بلد، بعضها مثل الخليج، يعتمد اقتصاده على النفط والغاز، وأخرى تعتمد على المساعدات الدولية. 
وقد تفاقمت الأزمات الاقتصادية مع أحداث الربيع العربي، بالتوازي مع الأزمات العالمية، وأزمات سوق النفط المتتالية، وفاقمت جائحة كورونا سوء الأوضاع الاقتصادية. وستكون تبعات ذلك المزيد من الفقر واللامساواة، خاصةً في الدول التي تستمر فيها حروب حتى اليوم مثل سوريا، واليمن، والعراق. 
في السنوات الأخيرة تتحدث الأنظمة العربية عن التنمية الاقتصادية، وفرص العمل والتعليم، وفقط دون ذكرَ الديمقراطية، وقد بلغ النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2019 نسبة 0.5%، التي تعتبر نسبة ضئيلة إذا ما قسمنا نصيب المواطن من الدخل، ويعمل معظم العرب في القطاعات الخاصة غير المستقرة، والتي تعاني اليوم من دواعي وتبعات جائحة كورونا. 
ويشير استطلاع المركز العربي إلى أنّ غالبية المستجيبين، 52% يرون أن اقتصاد دولهم سيئ، مقابل 46% يظنون أنّه جيد. 
ونشر معهد العلاقات الخارجية، مركز أبحاث أمريكي، لمؤشرات "مستوى المعيشة"، ومعدل "البطالة بين الشباب"، الذي يعتمد على مؤشرات برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة. وتشير الرسمتان لانحدار الأوضاع المعيشية في كلٍ من ليبيا، وسوريا، واليمن، مع ارتفاع نسبة البطالة على مستوى الشباب في كلٍ من مصر، وتونس، وليبيا. 
تُظهر مؤشرات المركز العربي أن الغالبية القصوى من العرب يعتقدون بوجود فساد مالي وإداري في حكوماتهم، ويشير الرسم البياني إلى ثبات نسبة الذين يعتقدون بوجود الفساد منذ عام 2011، ويظن معظم الذين أجابوا على الاستطلاع بأنّ السياسيين وكبار الاقتصاديين، وكبار موظفي الدولة، هم أكثر فئة ينتشر فيها الفساد المالي والإداري. 
وتؤكد مؤشرات معهد العلاقات الخارجية، وجود الفساد الحكومي في ست دول مع ملاحظة ارتفاع نسبة الفساد في دول مثل: البحرين، وتونس. 
وبالرغم من محاولات الدول المُطبعة لإظهار اتفاقيات التطبيع على أنّها تعكس رأي الشارع العربي، تظهر استطلاعات الرأي عكس ذلك. 
فمع صعود موجة التطبيع التي حلّت على العالم العربي خاصةً في 2020، اعتبرت الأغلبية الساحقة أنّ القضية الفلسطينية قضية جميع العرب، مع نسبة معارضة للتطبيع في كلِّ الدول التي أجري الاستبيان فيها.