الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحرب على الفساد لا تعطي الصحافة السورية الحق بالحديث عنه 

الحرب على الفساد لا تعطي الصحافة السورية الحق بالحديث عنه 

09.09.2020
العرب اللندنية


العرب اللندنية 
الثلاثاء 8/9/2020 
يتعرّض صحافيون وإعلاميون إلى الاعتقال والتوقيف بسبب تقارير صحافية تتناول قضايا لا تعتبر من المحرّمات أصلا في سوريا، كما حدث مع الصحافي كنان وقاف الذي نشر تقريرا عن قضية فساد في صحيفة حكومية. 
دمشق- أثار تضارب تصريحات المسؤولين السوريين حول أسباب اعتقال الصحافي السوري كنان وقاف، ضجة كبيرة وبدا واضحا محاولة إخفاء السبب وهو تحقيق عن الفساد نشره وقّاف في صحيفة “الوحدة” الحكومية، خصوصا بعد دعوة الرئيس السوري بشار الأسد مؤخرا إلى محاربة الفساد والكشف عن الفاسدين ومحاسبتهم. 
وتداولت وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قضية وقّاف التي انتهت بإطلاق النيابة العامة للسلطة السورية في طرطوس سراحه هذا الأسبوع بعد اعتقاله لثلاثة أيام بتهم تتعلق بنشر تقرير يتحدث عن فساد في شركة كهرباء محافظة طرطوس، لكن القضية فتحت نقاشا أوسع بشأن حماية الصحافيين الذين يقومون بعملهم حتى دون أن يتطرقوا للقضايا السياسية. 
وتعرض العديد من الصحافيين والإعلاميين المعروفين داخل سوريا إلى الاعتقال والتوقيف بسبب تقارير صحافية تتناول قضايا لا تعتبر من المحرمات أصلا في سوريا، كما حدث مع وقّاف وقبله الصحافي رضا باشا الذي رافق الجيش السوري في جبهات القتال لتغطية المعارك، ووسام الطير الذي كان مقرّبا من أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري. 
وتحدث التقرير عن عقود توليد كهرباء محافظة طرطوس من الطاقة الشمسية والتسهيلات الخاصة غير القانونية لهذه العقود، وتضمّن أسماء شخصيات بعينها مثل رجل الأعمال مازن حماد. 
وبدأت سلسلة التصريحات المتباينة مع وزير الإعلام السوري عماد سارة الذي برّر أن اعتقال وقاف يعود إلى “تشابه في الأسماء”، وأن ما حدث “مؤسف وناتج عن الرجوع للقانون العام دون الأخذ بالقانون الخاص، أي قانون الإعلام”. 
وبعد إطلاق سراح وقّاف اعتذر قائد شرطة طرطوس العميد موسى الجاسم عن الخطأ الذي حصل نتيجة التشابه في الأسماء مع شخص آخر اسمه خليل وقاف، بحسب المبرر ذاته الذي تحدّث عنه وزير الإعلام. 
ثم أعلن الجاسم مرة أخرى، أن اعتقال وقاف كان بسبب تخلّفه عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش النظام، ليعلن بعدها أن سبب الاعتقال هو قيام الصحافي بقيادة سيارة لا أوراق نظامية لها، ليتضح لاحقا أن الصحافي معفى من الخدمة العسكرية لأنه “وحيد” وفق القانون السوري. 
وبقيت تلك التهم تتبدل بحق الصحافي المذكور، حتى الجمعة، عندما أقرت الشرطة بأن سبب اعتقاله كان شكوى تقدم بها أحد المذكورين في تحقيقه الصحافي، واتهمه فيها بالفساد. 
وجاء ذلك بعد أن كشفت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أن رجل الأعمال الشهير مازن حماد، هو السبب في اعتقال الصحافي في طرطوس، على خلفية انتقاد هذا الأخير لوضع الكهرباء في المحافظة، في تحقيق صحافي تم نشره في صحيفة “الوحدة” التي تصدر في اللاذقية. 
وأكدت تلك الصفحات أن مازن حماد هو من ادعى على كنان وقّاف ضمن قانون الجرائم الإلكترونية بعد انتقاده لاستثماراته في مجال الطاقة المتجددة لأغراض توليد الكهرباء في محافظة طرطوس، وهو المشروع الذي لم يرَ النور رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على إطلاقه، وحصل من خلاله حماد على الكثير من الامتيازات والقروض والتسهيلات الحكومية، كما أنه بات بفضله من أبرز المرشحين لرئاسة غرفة تجارة وصناعة طرطوس في الانتخابات التي ستجرى الأسبوع القادم. 
ولاحقا، أصدر حماد بيانا أوضح فيه ملابسات اعتقال وقّاف مؤكدا أنه هو من ادعى عليه، لافتا إلى أنه “من حق أي مواطن تعرض للظلم أو للإساءة لكرامته وسمعته أن يلجأ للقضاء استنادا للقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية وبالطبع منها قانون الجرائم الإلكترونية”. 
وادعى حماد في بيانه أن الصحافي وجه إليه رسائل تهديد وابتزاز عبر أشخاص معروفين واتهمه بالفساد والتواطؤ مع شركة كهرباء طرطوس في ما يخص مشروع الطاقة الشمسية. 
وأضاف أن الإدعاء الذي تقدم به ضد كنان لم يكن بسبب المقال الذي نشره في الوحدة، وإنما بسبب نشر المقال على صفحته الشخصية على فيسبوك ونشر تعليقات مسيئة جدا له بما في ذلك ردوده هو كنان على التعليقات بما يسيء له ولسمعته. 
وختم حماد بالقول إنه على الرغم من كل ذلك، فإنه قام بتقديم تنازل أمام القضاء عن حقه الشخصي في القضية “من باب الصفح والتسامح أملا في آلا تتكرر مثل هذه الإساءات والتشهير والظلم من قبل أي شخص بحقي وبحق الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها”. 
ورفض الصحافي السوري ادعاءات حماد، قائلا إن رجل أعمال معروف مثل حماد له علاقات مع أجهزة أمنية متنفذة لا يمكن أن يجرؤ أي صحافي على ابتزازه والتشهير به، وأن ما حدث هو بمثابة تحذير وإنذار لوقّاف وأي صحافي آخر يفكر في الحديث عن فساد رجال أعمال بحجم حماد. 
وأضاف أن ما جاء في التقرير الصحافي معلوم لأبناء المنطقة في طرطوس ولا يمكن إنكاره، ولولا علاقات الصحافي الوثيقة مع مسؤولين في الدولة لكان الآن مصيره 
مجهولا. 
ومن جهتها، نشرت قناة “روسيا اليوم” على موقعها الإلكتروني وثيقة الإفراج عن وقاف متضمنة التهم الموجهة إليه “قدح إدارة عامة والتحقير والنيل من هيبة الدولة باستخدام الشبكة”. وأعلن وزير الإعلام بعد تدخله لإطلاق سراح الصحافي العامل في إحدى مؤسساته، أنه لن يتم اعتقال صحافي “بعد الآن” إلا بعد إخبار وزارته عن سبب التوقيف، أولا. 
ومن جهته، علق نائب رئيس اتحاد الصحافيين السوريين مصطفى مقداد على القضية، قائلا إن “وزارة الإعلام قامت بتهميش الاتحاد في قضية الصحافي كنان وقاف، علما وأن الاتحاد هو من آثار القضية”. 
وأضاف مقداد في تصريحات صحافية “أن وزير الإعلام عماد سارة أوضح في تعميم أنه اعتبارا من السبت 5 سبتمبر لن يتم توقيف أي صحافي قبل أن يتم إطلاع وزارة الإعلام على أسباب التوقيف ومسبباته”. 
الصحافي غير المنتسب لاتحاد الصحافيين السوريين يستثنى من التعميم القاضي بعدم توقيف أي صحافي بموجب قانون الإعلام 
وأوضح أنه “يستثنى الصحافيون غير المنتسبين للاتحاد من التعميم القاضي بعدم توقيف أي صحافي بموجب قانون الإعلام، والذي حصل بالاتفاق مع وزير العدل، على خلفية توقيف الصحافي كنان وقاف”. 
وأشار إلى “وجود نسبة كبيرة من الصحافيين يمارسون عملهم الصحافي دون الانتساب إلى الاتحاد، وبناء على ذلك تم توقيف الصحافي وضاح محي الدين في شهر يوليو الماضي، الذي لم يكن منتسبا أيضا”. 
ونوه إلى “أن المشكلة بالنسبة لغير المنتسبين تعود إلى ثغرة موجودة في قانون الجريمة الإلكترونية، والتي تقضي بتوقيف المدّعي عليه بتهمة القدح والذم للتحقيق معه دون الرجوع إلى قانون الإعلام”. 
وأكد “أن الشرطة عندما أوقفت الصحافي خالفت كل المعايير، حتى لو كان ذلك بناء على قرار القاضي، باعتبار أن القضاة أكثر دراية بالقانون، ولا يوجد قاض لا يعرف قانون 
الإعلام”. وبحسب منظمة “مراسلون بلا حدود” تحتل سوريا المرتبة 174 في قائمة حرية الصحافة من أصل 180 دولة حول العالم.