الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحذائية العربية

الحذائية العربية

02.02.2019
ياسر الأطرش


سوريا تي في
الخميس 31/1/2019
من مأثور قصص العرب أن ملكة مصر، بداية عصر المماليك؛ "شجرة الدر"، قضت ضرباً بالقباقيب على رأسها بأيدي جواري ضرّتها، الزوجة الأولى لعز الدين أيبك، الذي دبرت شجرة الدر مقتله بعدما استغنى عنها وتزوج عليها
ومن قصص الأحذية الشهيرة في "ثقافتنا" المعاصرة، قذف الصحفي العراقي "منتظر الزيدي" فردتي حذائه صوب الرئيس الأميركي حينها جورج بوش الابن، ليصبح الزيدي "صاحب أشهر حذاء في التاريخ"، وتُدبّج في مدحه القصائد وتُنثر الخطب، وليتضح فيما بعد أن صاحب "الحذاء الأشهر"، يناصر أنظمة الحكم "بالحذاء" وعلى رأسهم نظام بشار الكيماوي، كما تجرع الزيدي ردة فعل من جنس عمله، فقذفه الصحفي العراقي "سيف الخياط" بحذائه في مؤتمر بباريس!.
ودخل الحذاء على خط السياسة في الوطن العربي، من طريق عبيد الأنظمة القمعية، للتعبير عن قمة الدونية والسقوط النهائي في مستنقع ذل لا قرار له، ليسمح هذا اللاقرار بالتسابق بينهم أيضاً، فالمكانة العليا في العلاقة بين الحكام وعبيدهم تتناسب طرداً والإبداع في الانسحاق الحذائي!.
"علي شمص"، المواطن اللبناني الذي شتم حسن نصر الله أمام الكاميرات عام 2017، بسبب تدخله
"فدا صرماية السيد" جملة سرت بين عبيد "نصر الله"، حتى سمعناها على لسان أمهات فقدن أبناءهن!.. في مشهد يعكس واحداً من أبشع عصور العبودية عبر التاريخ البشري
في سوريا وما ترتب عليه من كوارث حاقت باللبنانيين قبل السوريين، عاد واعتذر عبر الإعلام، ولكن ليس من "السيد" بل من "كعب صباطه (حذائه)"، قائلاً: "أنا بعتذر من كعب صباطك يا سماحة السيد"!.
وعلى هذا درج مؤيدو "حزب الله" وزعيمه الذي يقصر المديح عن "شرفه وعقله وحكمته"، ليكتفي الرعية بمدح حذائه وافتدائه، "فدا صرماية السيد" جملة سرت بين عبيد "نصر الله"، حتى سمعناها على لسان أمهات فقدن أبناءهن!.. في مشهد يعكس واحداً من أبشع عصور العبودية عبر التاريخ البشري.
أما في "سوريا الأسد"، فقد تم تجسيد الفكرة على شكل تماثيل زُينت بها الساحات العامة، وصار "البوط العسكري" يُحمل على رؤوس المؤيدين، وتُوضع فيه الزهور، حتى غدا رمزاً "ثقافياً" للمنسحقين ذاتياً في بوتقة "الأسد" الذي فرض على مؤيديه معادلة "البقاء بالحذاء"، فكان منهم ما لا يُتوقع، بأن رفعوا الحذاء مكاناً علياً وجعلوه تاج رؤوسهم منتعلين أشلاء كراماتهم الممزقة البالية!.
ومؤخراً، حضر الحذاء أيضاً على المربع الأخضر، ليشوه اللون واللعبة، ويثبت علينا نحن العرب تهمة "الحذائية"، فالمباراة انتهت وغادر اللاعبون، فريق ينطّ
لم أعثر في شعر العرب وآثارهم على ما يمكن تسميته "المتلازمة الحذائية"، فالمُتداول في هذا الباب لا يتعدى السخرية والممازحة، ولعل "حذاء الطنبوري" هو الأشهر في هذا المقام
فرحاً وآخر يجرجر خيبته، إلا أن أرضية الملعب بدت مجروحة مُهانة بأحذية الجماهير، أولئك الذين قصرت يدهم عن إحراز النصر فما وجدوا غير أحذيتهم للتعبير عن انكسارهم، فانتقموا من أنفسهم إذ جعلوا "الحذاء" وسيلتهم الأوضح للتعبير، متهاوين في فخ "الحذائية" إلى قاع سحيق.
وللإنصاف، فإنني لم أعثر في شعر العرب وآثارهم على ما يمكن تسميته "المتلازمة الحذائية"، فالمُتداول في هذا الباب لا يتعدى السخرية والممازحة، ولعل "حذاء الطنبوري" هو الأشهر في هذا المقام، وبالتالي لم يكن النعل قد انزاح سياسياً قبل ظهور "الدول التقدمية" التي فرضت الانزياح على القبلة أيضاً، فبدل تقبيل الخدود والشفاه أصبحت القبلة للحذاء، حذاء الجلاد، فصار مألوفاً أن نسمع "أبوس صرمايتك" في الشام، و"أبوس جزمتك" في مصر...
في تلك الدول "التقدمية"، أرضعونا سرديات "الحذاء" مبكراً، فشربناها على أنها بطولات وخوارق، فكنا نقف مشدوهين أمام راوي حكاية حذاء خروتشوف، الذي ضرب به منصة الأمم المتحدة عام 1960 متحدياً الولايات المتحدة وقتها، وانقضى التحدي، وبقي الحذاء، حذاء خروتشوف الذي استُنسخ في صور "وطنية تقدمية" تناسب خصوصياتنا الثقافية!.