الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجيش التركي يحضّر لسحب قواته من أكبر نقطة مراقبة عسكرية في ريف حماة 

الجيش التركي يحضّر لسحب قواته من أكبر نقطة مراقبة عسكرية في ريف حماة 

20.10.2020
هبة محمد


القدس العربي 
الاثنين 19/10/2020 
دمشق – "القدس العربي" : تبرز تغيرات جوهرية على خارطة انتشار وتوزع نقاط المراقبة التركية في محافظة إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، لا سيما مع تردد أنباء تفيد بتحضير الجيش التركي لعملية سحب قوات من أكبر نقطة عسكرية له في ريف حماة الشمالي، المتواجدة ضمن مناطق نفوذ النظام السوري بعد أن فرض هذا الأخير تغييراً على خارطة النفوذ خلال عام 2019، بسيطرته على القطاع الجنوبي لمنطقة خفض التصعيد، حيث دخلت ثلاث نقاط في ريف حماه الشمالي وريف إدلب الشمالي ضمن مناطق سيطرته. 
لكنّ تركيا رفضت حينها إخلاء نقاط المراقبة، مع التأكيد على إجراء تفاهم مع روسيا بخصوص النقاط، وهو ما ترجمه مراقبون وخبراء بمحاولة أنقرة تحيين الفرص بهدف استثمار "أوراقها من أجل مكاسب أخرى" لاسيما في الشمال وخصوصاً في منطقتي تل رفعت ومنبج. 
 
تحرك غير اعتيادي 
مصادر محلية، قالت إن عناصر النقطة التاسعة في مورك بريف حماة الشمالي على أوتوستراد حلب – دمشق الدولي M5 بدأوا بعد ظهر الأحد بتفكيك التجهيزات اللوجيستية. ومن المتوقع أن يبدأ الانسحاب خلال ساعات، على أن يليه انسحاب تدريجي لباقي النقاط الواقعة ضمن مناطق سيطرة الميليشيات الروسية خلال مدة غير معلومة، إلى حدود التماس الحالية مع القوات الروسية والميليشيات الإيرانية. 
 
هل تتصرف أنقرة وفق اتفاق مع الروس أم تعيد التموضع لحماية وجودها شمال غربي سوريا؟ 
وكان اتفاق خفض التصعيد، الذي توصلت إليه تركيا مع روسيا وإيران خلال مباحثات آستانة في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، قد نص على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح، ومحاربة الإرهاب، إضافة إلى فتح الطرق الدولية، وبناء على هذا الاتفاق أنشأت تركيا 68 نقطة مراقبة عسكرية في منطقة خفض التصعيد شمال غربي سوريا، وتوسعت في نشر نقاط المراقبة في إدلب بعد هجوم للنظام على نقاط مراقبة تركية، أسفر عن مقتل 33 جنديًا تركيًا. 
وكالة إعلام روسية، نوهت الأحد إلى حركة "غير اعتيادية" تشهدها نقطة المراقبة التركية "التاسعة" في مدينة مورك، حيث "سجل دخول آليات مكونة من شاحنات وعربات نقل جنود" مشيرة إلى أن "عناصر النقطة التركية المحاصرة بدأوا بتفكيك المعدات اللوجستية داخل النقطة، بالإضافة إلى تفكيك أبراج المراقبة". 
ونقلت الوكالة عن مصادر أمنية قولها "إن القوات التركية اتخذت قراراً بسحب نقطتها المحاصرة في مورك في اتجاه جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، مشيرة إلى إخطار الجانب الروسي والتنسيق معه" إذ أنه من المتوقع أن يتم سحب هذه النقطة خلال 24 ساعة ما لم يطرأ أي مستجد على الأرض. يأتي ذلك في وقت كشفت فيه مصادر محلية في جبل الزاوية لـ"سبوتنيك" أن القوات التركية أدخلت معدات وآليات حفر، وبدأت برفع السواتر الترابية في بلدة قوقفين ذات الموقع الجغرافي الإستراتيجي، والكاشف لعدة مناطق في جبل الزاوية وصولاً إلى سهل الغاب. 
وتقع مدينة مورك على الطريق الدولي (حماة – حلب/ M5) وإلى الشمال من مدينة حماة بنحو 30 كيلومترا ومثلها إلى الجنوب من مدينة معرة النعمان التي حررها الجيش السوري في كانون الثاني من العام الجاري. 
الباحث السياسي منير الفقير رجح لـ"القدس العربي" أن يتم الانسحاب التركي من النقاط الثلاث في ريف حماه الشمالي وريف إدلب الشمالي وفق منحيين الأول عبر تفاهمات روسية – تركية محدودة تنطلق من عدم جدوى بقاء نقاط تركية محاصرة من قبل قوات النظام أو في مناطق النفوذ الروسي، ويأتي في إطار تفاهمات غير مكتملة روسية – تركية على سحب النقاط إلى شمال الطريق M4 مقابل مكاسب لتركيا في الشمال أي في منطقتي تل رفعت ومنبج. 
والمنحى الثاني وفقاً للباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، هو تعزيز الحزام والوجود العسكري لتركيا وحلفائها في شمال الطريقين M5 و M4 غربهما، الذي يجري تعزيزه اعتيادياً من خلال الأرتال التي تواصل دخولها إلى الأراضي السورية باستمرار وأيضاً من حيث التوجه نحو تنظيم القوى العسكرية في منطقة إدلب ضمن إطار مجلس عسكري يتزايد الحديث عنه في الآونة الأخيرة كرديف معزز بنقاط تركية مكثفة. 
ويبدو من حجم الإمدادات المستمرة ونوعها، وفقاً للمتحدث "أن دورها لا يقتصر على المراقبة فحسب، وهو ما يشير إلى عدم نجاح المساعي الروسية لتحقيق تخفيض حقيقي للوجود التركي كماً ونوعاً في المنطقة والاستعاضة عن ذلك بتفاهمات محدودة تقضي بإعادة انتشار القوات التركية شمال طريق حلب – اللاذقية مقابل مكاسب في شمال محافظة حلب". 
التحركات في محيط نقاط المراقبة التركية وصفها المتحدث بالـ"تكتيكية" ولا ترقى إلى مستوى التفاهمات الاستراتيجية المرتبطة بمكاسب أو تنازلات بؤر تنافس أخرى خارج سوريا، حيث قال "إذا كان الانسحاب من النقاط الثلاث هو مقدمة لاستكمال الانسحاب من بقية النقاط التركية المحاصرة فإنه من المبكر الحديث عن حدود جديدة غير التي حددها اتفاق "سوتشي" وهو ما يشير إلى أن الميدان مازال قلقاً ولن يثمر عن حدود جديدة "كما تبقى هذه التحركات تكتيكية ولا ترقى إلى مستوى التفاهمات الاستراتيجية المرتبطة بمكاسب أو تنازلات بؤر تنافس أخرى خارج سوريا". 
 
أهداف ومكاسب 
المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكد بدوره أن القوات التركية المتمركزة في نقطة "مورك" والمحاصرة من قبل قوات النظام في ريف حماة الشمالي، بدأت بتفكيك معداتها، تمهيداً للانسحاب من النقطة التي تتواجد فيها منذ نحو عامين و4 أشهر. 
الباحث السياسي فراس فحام استعرض تحليلاً محتملاً لمستقبل نقاط المراقبة التركية الواقعة داخل مناطق سيطرة النظام السوري، وسط تصاعد الحديث مؤخراً عن وجود نية لانسحاب بعضها. ورجَّح فحام أن تتجه تركيا لسحب نقاط المراقبة من مناطق سيطرة النظام السوري وخاصة النقطة التاسعة الواقعة على أطراف مدينة مورك في ريف حماة الشمالي، والتي شهدت خلال الأسابيع الماضية محاولة عناصر ميليشيات الأسد وحزب البعث الاعتداء عليها والخروج في مظاهرات ضدها. 
وأوضح الباحث في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه عبر موقع "تويتر" أن هذا الإجراء التركي كان متوقعاً منذ مدة بعد رفض روسيا لفكرة انسحاب نظام الأسد إلى حدود اتفاق "سوتشي" الذي توصل إليه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان في أيلول/ سبتمبر من عام 2018. 
وأشار فحام إلى أن الانسحاب في حال إنجازه "فإنه سيكون إلى حدود التماس الحالية مع الميليشيات الروسية والإيرانية" معتبراً أنه بذلك تكون روسيا وتركيا توصلتا لحل وسط، حيث تطالب موسكو بإخلاء جنوب الطريق الدولي M4 وخفض التواجد العسكري التركي في إدلب، في حين تطالب أنقرة بعودة قوات النظام إلى حدود "سوتشي". 
ومن المعروف أن المكتسبات لا تمنح بالمجان، "فكثيراً ما يتم الاحتفاظ بأوراق وسقوف مرتفعة لتحصيل مكتسبات مقصودة" وفق الباحث السياسي الذي اعتبر أن تركيا كانت تدرك صعوبة موافقة روسيا على انسحاب النظام لحدود "سوتشي" لكنها احتفظت بنقاطها العسكرية ضِمن رقعة قوات الأسد لتحصيل مكاسب لاحقاً، وقد يكون المكسب استدامة وقف إطلاق النار. 
جدير بالذكر أن وفداً روسيّاً زار العاصمة التركية أنقرة منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الماضي وتقدم للمسؤولين الأتراك بمقترح ينص على تخفيض الوجود العسكري التركي في محافظة إدلب وسحب الأسلحة الثقيلة من نقاط المراقبة، الأمر الذي رفضته تركيا، وتزامن ذلك الطلب مع تصعيد عسكري لروسيا وميليشياتها على الأرض، حيث شنت الطائرات الحربية غارات جوية عدة على المناطق السكنية في محاولة للضغط على تركيا.