الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجولان في الجدل الأمريكي الإيراني

الجولان في الجدل الأمريكي الإيراني

26.03.2019
حسن فحص


القدس العربي
الاثنين 25/3/2019
على الرغم من اعتراف إيران على لسان المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي، بأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السيادة على مرتفعات الجولان المحتلة إلى السيادة الاسرائيلية، قرار "سيجر منطقة الشرق الأوسط التي تعيش ظروفا حساسة، إلى أزمات متتالية وجديدة"، كان لافتا الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية محمد جواد ظريف في التغريدة التي رد فيها على تصريحات نظيره الأمريكي، التي أدلى بها قبل مغادرته الأراضي المحتلة، والتي قال فيها "قد يكون الله هو الذي أرسل ترامب في هذا الزمن لإنقاذ إسرائيل كما فعلت الملكة أستر ـ التي لعبت دورا في معركة بوريم ضد الفرس ـ من أجل نجاة اليهود من التهديد الإيراني"، عندما أعاد التأكيد على حقيقة تاريخية تعود إلى مرحلة الحكم الساساني وحكم كوروش الكبير، الذي خاص حربا مدمرة مع الدولة البابلية، انتهت بتدمير هذه الدولة وإنهاء ما يعرف "السبي البابلي" الذي فرضه الملك البابلي نبوخذ نصر على اليهود.
ظريف ذكر في تغريدته، أن مايك بومبيو عمد إلى تحريف التوراة بهدف تعزيز "الإيرانوفوبيا". فالملكة استر اليهودية كانت زوج الشاه الساساني كورش الكبير، وهي التي أقنعته بخوض المعركة ضد البابليين وإنهاء السبي البابلي لابناء جلدتها. وأكد أن الملك الإيراني هو الذي أنهى هذا السبي وأوقف عملية الإبادة، التي كان يقوم بها نبوخذ نصر، وهذا الملك هو الوحيد الذي اطلق اليهود عليه صفة "مسيحا" المنقذ. قد يكون الوزير الإيراني مسكونا بتثبيت الحقائق التاريخية، وإعادة تصويب ما يحاول الوزير الأمريكي ترويجه لصالح رئيسه، والخطوات التي يقوم بها من أجل إسرائيل ودولتها، وبالتالي قد يكون الهدف الذي يسعى وراءه ظريف هو توجيه رسائل مستقبلية حول الدور الذي يمكن أن تلعبه إيران في الحفاظ على اليهود، ومنع أي إبادة لهم في المستقبل، وأن هذا الدور لا بد أن يمر من خلال الاعتراف الأمريكي والاسرائيلي على حد سواء بالدور الإيراني في المنطقة، وأيضا يستدعي حالة العداء الأمريكي لطهران، التي يمكنها لعب دور بناء في أزمات المنطقة والعالم.
الوجود الإيراني في سوريا تحول إلى أمر واقع، عززته التطورات السياسية على الساحة العراقية
هاجس تثبيت الحقائق التاريخية المتعلقة بإيران وعلاقتها باليهود، ليس بعيدا في الذهنية الايرانية عن تثبيت الحقائق الميدانية التي حققتها إيران على الساحة الاقليمية، وتحديدا على الساحتين العراقية والسورية. وبالتالي فإن اللهجة المحايدة ومحاولة إلقاء المسؤولية على مسار التسوية، الذي انتهجته بعض الدول في المنطقة مع إسرائيل، شكّل مخرجا للجانب الإيراني في ردة فعله على هذا القرار الامريكي، عندما أكد قاسمي بان القرار "يكشف جليا إخفاق سياسات المساومة" ليعيد التأكيد على أن التعاطي الإيراني ومحورها في المنطقة هو الصحيح بقوله "القرار يكشف صحة نهج المقاومة والصمود بوجه الطبيعة المتغطرسة لأمريكا والكيان الصهيوني". القرار الأمريكي ورد الفعل الإيراني عليه، يقودان إلى إعادة قراءة التطورات التي دفعت الإدارة الامريكية لاعتماد هذا الخيار. فمن الناحية الأمريكية قد يكون اللجوء إلى خيار التعجيل وحسم السياسات التي لا تعارضها الإدارة الامريكية تاريخيا، والتي ترددت في إعلانها على مدى سنوات طويلة، في ما يتعلق بمنح القدس عاصمة للكيان والسيادة الإسرائيلية على كل الأراضي التي تحتلها، وعدم قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، مرده إلى تسليم أمريكي اسرائيلي بعدم إمكانية إخراج إيران من سوريا، أو أن عليهما الاعتراف بالحقائق التي انتجها الدخول الإيراني إلى سوريا، والقتال إلى جانب النظام وتثبيته وإفشال عملية تغييره. وأن هذا الوجود الإيراني في سوريا تحول إلى أمر واقع، عززته التطورات السياسية على الساحة العراقية، وما انتهت إليه الأمور من دخول هذا البلد في الفلك الإيراني على حساب العلاقة مع الولايات المتحدة، ولعل القمة العسكرية الثلاثية التي استضافتها دمشق لقادة أركان الجيوش السورية والعراقية والإيرانية، التي سبقت زيارة الوزير الأمريكي إلى المنطقة، خاصة لبنان وقرار الرئيس الأمريكي تشكل مؤشرا على التسليم الأمريكي بالمستجدات الاقليمية، وصعوبة مواجهة التمدد الإيراني ومنعه من تنفيذ مخططه بالربط البري بين العواصم الثلاث وصولا إلى العاصمة اللبنانية، وما يعني أن واشنطن تقف على مشارف الاعتراف بالهيمنة الإيرانية على هذا المحور، وأن نقل السيادة على مرتفعات الجولان إلى السيادة الاسرائيلية تشكل خطوة لتثبيت الحصة الاسرائيلية من الساحة السورية، مقابل التسليم ببقاء النظام والرعاية الايرانية له، وهي حصة قد تمهد الارضية لامكانية الخروج الأمريكي من مناطق شرق الفرات السوري وحتى من العراق مستقبلا.
أما الجانب الايراني، فالمتوقع أن يحاول العمل للخروج من الإحراج الذي قد يسببه هذا القرار، من خلال تعزيز وجود فصائل "مقاومة" سورية على الجهة المقابلة للمناطق المحتلة من الجولان، أي إنشاء فصائل مقاومة سورية مدعومة من النظام ومن الإيرانيين وحلفائهم، وهي موجودة بشكل ما حاليا، تكون مؤهلة للعب الدور نفسه الذي لعبه حزب الله اللبناني في إبقاء طهران لاعبا اساسيا في المعادلات الاقليمية وفي الصراع العربي الاسرائيلي، أو الاسلامي الاسرائيلي، وعقد عملية فرض عملية سلام إقليمية من دون الأخذ بدوره ومطالبه ونفوذه. سكوت ظريف عن الرد على قرار الرئيس الامريكي، والاكتفاء بما صدر عن الناطق الرسمي باسم الخارجية، وهو الموقف الذي يتم تنسيقه مع المجلس الاعلى للامن القومي، قد يكون من باب توزيع الادوار، أو من باب معرفة ظريف أن الموقف من هذا التطور لا يقع في اختصاص وزارته صرفا، بل هو مرتبط بمنظومة أوسع تلعب فيها المؤسسة العسكرية لحرس الثورة الدور الأساس، ما دفعه للتصدي دفعا عن الحقائق التاريخية، بانتظار ما حذر منه الموقف الرسمي بان القرار ستكون له تداعيات على الاستقرار في المنطقة.