الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجولان وواقع العجز العربي التام

الجولان وواقع العجز العربي التام

31.03.2019
د. ياسر محجوب الحسين


الشرق القطرية
السبت 30/3/2019
بأسلوب استعراضي ودعائي مستفز وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبجانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاثنين الماضي إعلانا رئاسيا خاصا باعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل. وعقب مؤتمر صحفي مشترك بين الرئيسين اللذين تشاركا كذلك ربطتي عنق حمراوين، شكر نتنياهو الرئيس ترامب مؤكدا أنه أفضل صديق عرفته إسرائيل.
هكذا مضى الأمر الجلل وكأننا نشاهد مسرحية أسرف فيها كاتب السيناريو في حشوها بالمشاهد الخيالية حرصا منه على خلق الدهشة وربما الصدمة لدى جمهرة المشاهدين. بيد أن هناك مشاهدين لم يندهشوا ولم يصدموا إما لتبلّد أحاسيسهم أو لأنهم شركاء ومشاركون في هذه المسرحية من موقعهم في كواليس المسرح العبثي وهم من يمثلون الحكومات في النظام العربي الذي فقد بوصلة قضاياه الاستراتيجية.
ترامب ردّ على نتنياهو في اطار تلك المشاهد المدهشة والغزلية أحيانا بأن "التحالف بين واشنطن وتل أبيب غير قابل للتفكيك، ولم يكن قط أقوى مما هو عليه الآن". نتنياهو أيضا أكد أن ترامب، نفذ كل تعهداته، سواء بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أو بفرض عقوبات صارمة على طهران، أو بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والآن بسيادة إسرائيل على الجولان. المستشار السياسي والإعلامي لحزب ترامب - الحزب الجمهوري - برادلي بلايكمان وصف الشعوب العربية المجاورة لإسرائيل بــ "الحيوانات" في لقاء مباشر على قناة الجزيرة ولم تفلح محاولات المذيع لإثنائه عن هذا التعبير وقد تلبسته حالة من الدوغمائية والتعصب والجمود وقد ساءه وصف غريمه من الاردن في ذات الحلقة في كلامه عن حق إسرائيل في الاستحواذ على الجولان لأنها انتصرت على العرب في حرب 1967، بشريعة الغاب.
إنها شريعة الغاب ومنطق القوة الذي تتأبطه إدارة ترامب وهو ذات المنطق الذي اتبعته منذ نحو أكثر من عام من خلال القرار القاضي باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني.
بعد خديعة استمرت نحو 40 عاما يكتشف اليوم أنصار التفاوض مع إسرائيل للتو باعتبار أن واشنطن راع نزيه للمفاوضات وذلك منذ اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978 بين الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحيم بيغن برعاية أمريكية.
وعقب قرار القدس وهناك من على أعتى آليات النظام العالمي الجديد قال عبّاس محمود أبو مازن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في كلمة باكية لم ولن تحرك مثلها الضمير العالمي: "سنواصل مد أيدينا من أجل السلام ولم نرفض يوما المفاوضات مع إسرائيل". عبّاس شدد على التمسك بالمقاومة السلمية وعدم العودة إلى "العنف والإرهاب". إذن وفقا لعبّاس وهو ليس ذلك العبّاس إن احتدم الوغى، إن كل نضالات وبطولات الشعب الفلسطيني وشهدائه لا تعدو أن تكون مجرد "عنف وإرهاب".
هذه المواقف الهزيلة والانهزامية تغري ترامب ونتنياهو لاتحاذ المزيد من القرارات، حتى مجلس الأمن الدولي لا تعيره إدارة ترامب أي اهتمام، فعلى خلفية القرار الأمريكي بشأن الجولان المحتل عقد مجلس الأمن بطلب من سوريا جلسة طارئة لمناقشة الوضع حيث رفض جميع أعضاء المجلس عدا واشنطن قرار ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.
ولعل موقف مثل موقف موسكو وهي الأقوى في مواجهة واشنطن لا يمكن الاعتداد به حتى مع قول نائب مندوبها في مجلس الأمن "إن الولايات المتحدة انتهكت قرارات المنظمة الدولية وحذر من أنها قد تؤجج انعدام الاستقرار بالمنطقة". فمثلما تغاضت واشنطن عن احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم قبل أعوام قليلة، حين قامت موسكو بعمليات عسكرية في الأراضي الأوكرانية ثم ضم القرم تحت سيادتها. وأدان المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية ما فعلته روسيا في أوكرانيا، من خرق للقانون الدولي، وانتهاك السيادة الأوكرانية. لكن اليوم تكرّس واقع الاحتلال الروسي في ظل صمت أمريكي أقرب إلى الموافقة، فما الذي يجعل روسيا تقوم بأكثر من الادانة اللفظية؟.