الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجولان كان على بعد خطوتين

الجولان كان على بعد خطوتين

31.03.2019
علي حميدي


سوريا تي في
السبت 30/3/2019
يوم زرنا مدينة خان أرنبة والقنيطرة في الجنوب السوري رفقة وفد طلابي عربي، كنا مثلهم نسمع من دليلنا البعثي كلاما عن بطولات الجيش في حرب تشرين، وعن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، كان متحمسا منطلقا، كمن يمارس الخطابة كحرفة تلهب الحماسة والعزيمة في النفوس، تعلي الروح المعنوية، وتشحذ الهمم، يومها لم نكن على أبواب الحرب، كانت مجرد زيارة من الزيارات الروتينية التي ينظمها اتحاد الطلبة وسواه من النقابات السورية البعثية؛ للتعريف بالجولان المحتل، وبآثار معارك "التحرير".
الدليل استفاض في بث الأمل في النفوس بأن هذه الأرض العربية السورية التي تبعد عن مكاننا مسافة دقائق، ونراها بأم العين، ستعود يوما إلى وطنها الأم سوريا، بالحرب أو بالسلام، لا فرق، وهذا حال الأمم العزيزة لا تترك حقها ولو بعد حين.
الجولان السوري المحتل اليوم لا بواكي له، فأصحابه في تيهٍ، ومن كان لعقود يردد الشعارات باسمه بدا في السنوات الأخيرة غير آبهٍ بمصير الجولان
وقتها في بداية الألفية، كان الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان دون اتفاق قد حرك في الضمير المقاتل شيئا من الدفع إلى التفكير في الجولان المحتل جلّه، والذي ترسم خطوط الأمم المتحدة خريطته المؤقتة -كونها تعتبره أرضا سورية محتلة- وقتها كان الجولان على بعد خطوتين، ونحن نسمع ونرى ونتذكر المشاهد التي كانت تعرض على وسائل الإعلام لأعراس أحد أطرافها من الشطر المحتل، وتأخذنا الحمية لنعود بعدها ونسمع همسا في بعض الدوائر أن الأسد الأب باع الجولان منذ زمن، وكان ثمنها حكم عائلته المستمر لسوريا، ومع ذلك، لم يكن في سوريا التي أعرفها من يرضى بضياع الجولان، كان الشعب السوري جاهزا في كل وقت لتقديم الغالي والنفيس لاستعادتها، لكن إطار التحرير الذي تحول من القوة إلى "السلام العادل الشامل" الذي سوق له الأسد الأب كبديل واقعي للتحرير، جعل خيار الحرب ثانيا على الجبهات، دون أن يغير الدعاية الأسدية بأننا في حالة حرب وتسليح، وتقوية الجيش هي أولويتنا الوطنية وكل ذلك سيتكسر لاحقا عند أول محك حقيقي يختبر في النظام، من خلال مظاهرات شعبية رافقت الربيع العربي، ليكتشف الشعب السوري أن الجولان في عقلية الحُكام نسيا منسيا، وأولويتهم هي جيش يحميهم من الشعب فقط، وهذا ما كان، فزج الجيش بثقله في مواجهة السوريين بطريقة لم يشهد لها مثيلا، فلم يعرف تاريخنا الحديث نظام حكم وجيش يواجه بالمقاتلات الحربية والسلاح الكيماوي والصواريخ البالستية والدبابات وراجمات الصواريخ والبراميل المتفجرة شعبا أعزل وشبه أعزل لاحقا، إذاً يوم كان الجولان على بعد خطوتين كان النظام يراه بعيدا، ويرى في السوريين عدوه، وما كان التسليح والتجييش والتوجيه المعنوي إلا لموقف كالذي حدث في 2011 وما تلاه.
الجولان السوري المحتل اليوم لا بواكي له، فأصحابه في تيهٍ، ومن كان لعقود يردد الشعارات باسمه بدا في السنوات الأخيرة غير آبهٍ بمصير الجولان، حتى وصلنا لحال عشنا فيها في زمن رئيس أميركي مقامر مغامر يفعل ما يريد، يواجه العالم والأمم المتحدة والشرعية الدولية وقوانينها دون أدنى مسؤولية تجاه الكوكب، يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل ويهديها الجولان دعما لرئيس وزرائها في معركته الانتخابية القادمة، وينافح عنها في المحافل الدولية، ونحن جميعا دون حول أو قوة، معارضتنا غارقة في همومها منذ سنوات، ونظام الأسد يرقّص الناس في الميادين "اعتراضا" ويطرب لسماع تنديد العالم بقرار دونالد ترمب، حتى وصل الأمر بمندوبه في الأمم المتحدة للاستشهاد بمواقف الدول التي كان يشتمها في جلسات سابقة، ليقول للمندوب الإسرائيلي "عيب على إسرائيل" انتهى الاقتباس.
في الوقت الذي وقع فيه ترمب قراره بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وكأنها رسالة بأن العالم بعضه أو كله سيحذو ولو بعد حين حذو الولايات المتحدة بموقفها من الجولان
من المصادفات التي تحمل الدلالات الفاقعة أن تعلن رومانيا نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وافتتاح هندوارس ممثلية فيها، في الوقت الذي وقع فيه ترمب قراره بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وكأنها رسالة بأن العالم بعضه أو كله سيحذو ولو بعد حين حذو الولايات المتحدة بموقفها من الجولان، وهذا الخبر السيء، فالتعويل على العالم وعدله تجاه قضايانا سنكتشف كما هو دائما أنه تعويل لا طائل منه، أما المسؤول الحقيقي عن هذه الكارثة، فهو بلا شك نظام الأسد من الأب إلى الابن، هو يوما باعها، ويوما ناور لاستعادتها، من خلال ابتزاز العالم في لبنان، وما تبقى من فلسطين، ومن خلال دعم لحزب الله الذي استخدمه لاحقا في حربه الحقيقية على الشعب السوري، وفي كل الأيام كان الجولان بالنسبة للسوريين على بعد خطوتين