الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجعفري والنرجسية الخبيثة

الجعفري والنرجسية الخبيثة

14.03.2019
محمود وهب


سوريا تي في
الاربعاء 13/3/2019
إذا كان "وضاح مراد" عضو مجلس الشعب السوري، يرى أنَّ سوريا صغيرة على حاكم "ملهم" مثل بشار الأسد، وأنَّه “يستحق حكم العالم كلّه”، فإنَّ "بشار الجعفري" لم ير سوريا كلها إلا من خلال بشار الأسد...! فقد عرَّف نفسه حين سئل في مقابلة له على قناة الميادين الجمعة 1 آذار 2019 بأنه سفير "السيد الرئيس بشار الأسد" في الأمم المتحدة، وهو الدبلوماسي الذي لا تنقصه الخبرة، ويتقن انتقاء مفردات لغته، وتمحيصها إلى درجة تحسبه "روبوتاً" مبرمجاً بدقة متناهية...!
صحيح أن الجعفري بعد أن عرَّف بوظيفته تذكَّر أن ذلك لا يليق به بالذات إذ هو ممثل لدولة لها مكانتها، ودورها، ولها علمها، ودستورها، ولها أيضاً قوانينها وآدابها، والأهم أنَّ لها سيادتها التي كثيراً ما تحدّث بها أمام العالم.. ولذلك استدرك فقال:
"طبعاً سوريا متضمَّنة في العبارة"، ما يعني: أن سوريا جزء من بشار الأسد.. ولعلَّه رأى عبارته أكثر بلاغة من شعارين رفعهما زملاؤه المعروفون بـ "المنحبكجية" ومفردها، "منحبك" أولهما: (سوريا الأسد) وثانيهما (الأسد أو نحرق البلد) ولكن لو أنَّ الأمر وقف عند هذه الهفوة، لأمكن عدَّها فورة عاطفية بين محب وحبيبه، كما فعلت ذات يوم، "وصال فرحة" زوجة خالد بكداش في مجلس الشعب، قبل أن ترث الحزب، وتورِّثه لفلذة كبدها "عمار" إذ جاء دورها في مدح حافظ الأسد بعد أن سبقها إلى مدحه "نجم الدين الصالح"، (يزعم أنه شاعر) فبدأت خطابها بالقول:
"إنه لمن سوء الطالع أن أخاطب رب السيف، بعد أن خاطبه رب القلم"، واستدركت: "لعلَّ عاطفتي الصادقة تغفر لي..!" وطبعاً
ولدى متابعة حوار الجعفري يتبين أن البرمجة لا تنفع على الهواء، فقد جرى خلل في عدة مواضع من إجاباته، وبخاصة إشارته، لدى حديثه عن الاستراتيجية والتكتيك، إلى صحة الدبلوماسية السورية
تابعت على المنوال نفسه متجاهلة أن "ربَّ السيف" الذي أسبغت عليه هذه الصفة كان قد خسر معاركه الوطنية كلِّها، إلا تلك التي تخصه شخصياً أعني: (معارك السلطة في سوريا ولبنان، وضد الشعب الفلسطيني).
ولدى متابعة حوار الجعفري يتبين أن البرمجة لا تنفع على الهواء، فقد جرى خلل في عدة مواضع من إجاباته، وبخاصة إشارته، لدى حديثه عن الاستراتيجية والتكتيك، إلى صحة الدبلوماسية السورية، ودقتها، فهي لم تخطئ في رؤيتها الوطنية على مدى تاريخها! واستثنى أخطاء التكتيك التي لا يعتد بها عادة.. لكنه، حين أراد الاستشهاد، لم يأت بمثال واحد من تاريخ حكم البعث و"أسديه"، ولو فعل لكان لديه الكثير من الشواهد.. لكنه تجاوزها حذراً مما قد تحدثه من بلبلة في ذهن المتلقي، فقفز إلى مرحلة الخمسينيات ليستشهد بهذه الاستراتيجية التي لم تخطئ فقال:
تعرَّضت سوريا خلال مرحلة الخمسينيات إلى ضغوطات دولية جمَّة لقبول مشاريع استعمارية كمشاريع: الهلال الخصيب، والنقطة الرابعة، ومبدأ آيزنهاور، والحشود التركية، وغير ذلك.. ونسي السيد الجعفري (البعثي الأسدي) أنَّ تلك المرحلة التي يمتدحها مصنفة لدى حزب البعث بـ "البرجوازية العفنة، والرجعية العميلة، والإقطاعية الظالمة". رغم أنها، بشهادته، وطنية بامتياز، كما أنها لم تطلق النار على العمال المتظاهرين، ولم تتهمهم بالعمالة للأجنبي.. وتغافل "سفير الأسد" عن أنَّ، حزب البعث هو الذي سلَّم الدولة السورية، أواخر الخمسينيات، إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر تحت زعم: أنَّ الوحدة كفيلة بالرد على تلك المؤامرات الاستعمارية، لكنًّ الذاكرة والجهل بالتاريخ قد خاناه هذه المرة، إذ إن أحلام قادة حزب البعث لم تتحقق فاختلفوا مع جمال عبد الناصر بعد عدة أشهر من تسلُّمه حكم الوحدة. (كان البعثيون يتصورون بأنَّ عبد الناصر سيكافئهم بتسليمهم حكم سوريا) وهكذا.. بارك البعث الانقلاب على الوحدة، وكان قادته أول من وقَّع وثيقة الانفصال بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من إعلان الوحدة، ثم ليقوم ضباط البعث متعاونين مع ضباط وحدويين بانقلاب آخر، وليعمل البعثيون على تصفية زملائهم الوحدويين الذين سعوا بحق، وصدق لاستعادة الوحدة دون قيد أو شرط، بينما راوغ الضباط البعثيون حول هذا الأمر وأخذوا يطرحون "الوحدة المدروسة" منفردين في الحكم كحزب وحيد، وليعيدوا إغلاق منافذ الحرية بألوانها كافة السياسية والاقتصادية والثقافية.. فلا صحافة حرة، ولا حرية تشكيل أحزاب سياسية، وحالة الطوارئ لم تفارق حكمهم..! وقد اعتمدوا في فلسفتهم البعثية (المنطلقات النظرية) على القيادة الجماعية التي لم تكن، في الحقيقة، إلا مرحلة لتصفية "الرفاق البعثيين" بعضهم لبعض، ثمَّ ليأتي حافظ الأسد بعد تمهيد سرى في الأوساط البعثية مفاده أنَّ "الوطن بحاجة إلى قائد" وهكذا امتطى حافظ الأسد حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي استطابت اللعبة ذاتها! وقبلت بصوت الأسد وحيداً في سوريا، مقابل فتات لقادتها.. ولتغيَّب مرحلة الخمسينيات التي شهدت أوسع ديمقراطية وأسرع تنمية اقتصادية وأمتن بنية تحتية خالية من الفساد..!
ومما يدهش في جواب الجعفري على سؤال حول دول الخليج وما أشيع عن "عودتها" إلى الحضن السوري قوله:
إن سوريا لم تخرج أحداً، بل هم الذين خرجوا، وإذا ما أرادوا العودة، فعليهم الاعتذار أولاً، ثمَّ عليهم أن يدفعوا
 "النرجسية الخبيثة" هي مرض عقلي حاد يمثل جوهر الشر، وهو من الأمراض الأشدّ حدة، فهو جذر الحالات الشريرة الأكثر وحشية ضد الإنسانية.
أموالاً لإعادة الإعمار، فهم الذين تسببوا بخراب سوريا، وهم الذين جلبوا الإرهاب إليها.. مؤكداً بالطبع فلسفة المؤامرة الكونية، ونافياً، على نحو غير مباشر، رعونة قيادته السياسة وتمركزها حول سلطة فردية قاتلة.. أطلق عليها عالم النفس "إيريك فروم" اسم: "النرجسية الخبيثة" وهي: (مرض عقلي حاد يمثل جوهر الشر، وهو من الأمراض الأشدّ حدة، فهو جذر الحالات الشريرة الأكثر وحشية ضد الإنسانية). فيما وصف الحال علماء نفس آخرون بأنها: "متلازمة من اضطراب الشخصية النرجسية، وصفات من الشخصية المضادة للمجتمع، وسمات من "البرانويا" (جنون العظمة) إضافة إلى "غياب الضمير" والحاجة النفسية للقوة والشعور بأهمية فخامة الذات.
ويزداد المشاهد دهشة، وهو يتابع ابتعاد الجعفري عن العقل والضمير معاً تأثراً بسيِّده إذ يراه ينتقد كلاً من الغرب وأميركا في ربطه بين عودة المهجرين السوريين إلى وطنهم، ورفع العقوبات المفروضة على الحكام السوريين، وكأنَّما الغرب هو من هجر السوريين، لا الجعفري وقادته "العظام" سواء بالقتل الجماعي المباشر، تعذيباً في السجون، أم قنصاً في الشوارع، أم عبر البراميل المتفجرة، أم باستخدام الكيماوي، وسوى ذلك من الجرائم الوحشية التي أدت إلى تدمير البلد وتهجير أهلها..!
وتبقى الإشارة اللازمة إلى أنَّ ما تشهده معظم البلاد العربية من ردود أفعال غير مسبوقة ضدَّ الشارع ما هو إلا نفخة الاستبداد الأخيرة للخلاص من هذه النرجسية الخبيثة بعد أن عرَّاها ولازال يعرِّيها الربيع العربي المستمر في نفوس الشباب وعلى أرض الواقع..!