الرئيسة \  تقارير  \  الجرس يُقرع لإسرائيل

الجرس يُقرع لإسرائيل

17.11.2021
لورانس ديفيدسون


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
لورانس ديفيدسون* – (كونسورتيوم نيوز) 9/11/2021
الغد الاردنية
الثلاثاء 16/11/2021
كان الخطر المتأصل في أيديولوجية الدولة الصهيونية معروفاً حتى قبل إعلان وعد بلفور في العام 1917، كما كتب لورانس ديفيدسون
واليوم، أصبحت اليهودية على أعتاب الانهيار الأخلاقي. ووسيلة هذا الانهيار هي التحويل الهادف للدين إلى ذراع أيديولوجية للدولة الصهيونية الإسرائيلية.
ببساطة، كان أحاد هعام، وهنري موسكوفيتش، وحنة أرندت، وألبرت أينشتاين، وجوناثان ساكس، ومنظمات “الصوت اليهودي من أجل السلام”، و”يهود من أجل العدالة للفلسطينيين”، محقين في انتقادهم للصهيونية وإسرائيل.
* * *
في 19 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، صنفت وزارة الدفاع الإسرائيلية رسميًا ست جمعيات فلسطينية معروفة جيداً لحقوق الإنسان بأنها “منظمات إرهابية”.
وتستخدم إسرائيل تعريفًا واسعاً بشكل غير معقول للـ”إرهاب”. وبموجب هذا التعريف، يمكن اعتبار أي انتقاد وأي مقاومة غير عنيفة لنظام الفصل العنصري الذي يتطور في إسرائيل -بل وغالبًا ما يُعد- “إرهابًا”.
وكما تظهر هذه الحالة الأخيرة، فإن هذا الترتيب يسمح للسلطات الإسرائيلية نفسها بإرهاب الجماعات التي يدرك معظم العقلاء أنها لا علاقة لها بالإرهاب.
وكانت المنظمات الضحايا الست لهذه الاستراتيجية هي: “الضمير”، “مؤسسة الحق”، “الدفاع عن أطفال فلسطين”، “اتحاد لجان العمل الزراعي”، “مركز بيسان للبحوث والتنمية”، و”اتحاد لجان المرأة الفلسطينية”.
ومن شأن وصم هذه المنظمات بالإرهاب أن “يخول السلطات الإسرائيلية بإغلاق مكاتبها، ومصادرة أصولها، واعتقال وسجن موظفيها، كما يحظر تمويلها -أو حتى التعبير علنًا عن دعم أنشطتها”.
لكن هناك فئتين فقط من الأشخاص الذين يمكن أن يقعوا في شِباك هذا الخداع: (1) أولئك المتأصلون في الفكر الصهيوني الجمعي -عالم إسرائيل “فوق كل شيء “über alles (وسوف أوضح استخدامي لهذا المصطلح المحدد أدناه)؛ و(2) أولئك السياسيون والبيروقراطيون المرتبطون بشدة (مالياً أو غير ذلك) بمختلف اللوبيات الصهيونية.
لدرجة أنهم سيضطرون إلى التخلي عن العقل والمنطق، والموافقة على أي شيء يقوله الصهاينة. ويقع جزء كبير من هيكل السلطة في واشنطن ضمن هذه الفئة.
وبخلاف هاتين الفئتين، أدان أصحاب الفكر المستقل والمواقف الواعية الإجراء الإسرائيلي:
وصفت المجلة الإخبارية الإسرائيلية “972الثلاثاء 16/11/2021” التي حصلت على نسخ من الشهادات السرية التي تُقدم كـ”أدلة” ضد المجموعات الست، هذه الاتهامات بأنها بلا إثبات.
وتصف المجلة الإجراء بأنه “هجوم سياسي تحت ستار الأمن”. وفي تقديرها، فإن القضية بأكملها عبارة عن خليط من التلميحات والافتراضات، بعضها حصل عليه جهاز الأمن الإسرائيلي، “الشاباك”، من خلال تهديد الشهود وعائلاتهم.
كما أدانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” (أمينستي)، وكلتاهما تعاملتا منذ فترة طويلة مع العديد من هذه الجماعات المتهمة، الإجراء الإسرائيلي بعبارات قاسية:
إن هذا القرار المروع وغير العادل هو اعتداء من الحكومة الإسرائيلية على الحركة الدولية لحقوق الإنسان. على مدى عقود، سعت السلطات الإسرائيلية بشكل منهجي إلى تكميم أفواه ناشطي مراقبة حقوق الإنسان ومعاقبة أولئك الذين ينتقدون حكمها القمعي للفلسطينيين. …
ويتحمل المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان دائمًا العبء الأكبر من القمع. … إن فشل المجتمع الدولي على مدى عقود في تحدي الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الإنسان وفرض عواقب وخيمة عليها، شجع السلطات الإسرائيلية على التصرف بهذه الطريقة الوقحة”.
كما اعترضت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الرؤية الواضحة ذاتها على هذه الإجراءات الحكومية. وكتبت:
إن إعلان الحكومة عن تصنيف منظمات المجتمع المدني في الضفة الغربية كمنظمات إرهابية هو حماقة مدمرة تلطخ كل الأحزاب المشاركة في الائتلاف والدولة نفسها.
إن تحريم جماعات حقوق الإنسان واضطهاد الناشطين في المجال الإنساني هما سمتان جوهريتان للأنظمة العسكرية، التي تعد فيها الديمقراطية في أعمق معانيها مجرد حبر على ورق”.
إلى جانب اضطهادها المعتاد والسادي للفلسطينيين، كان لدى إسرائيل أسباب فورية لإسكات هذه المنظمات الست. وقد أشار تحليل قدمته منظمة “الديمقراطية المفتوحة” Open Democracy إلى أنه في 5 شباط (فبراير)، قضت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) بأن المحكمة الجنائية الدولية لها اختصاص البحث في الأحداث التي تقع في الأراضي الإسرائيلية المحتلة.
وبعد ذلك، في 3 آذار (مارس)، فتحت المحكمة تحقيقاً جنائياً في الممارسات والسياسات الإسرائيلية في هذا المجال. ثم أوضح موقع “الديمقراطية المفتوحة”:
كانت جميع المنظمات الست المحظورة منخرطة على مدى عقود وبشكل حاسم في توثيق ورصد الانتهاكات الإسرائيلية المزعومة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان كل هذا العمل أساسًا رئيسيًا للأدلة اللازمة للمطالبة بقيام المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقات جنائية”.
وبعبارة أخرى، فإن الكذب الإسرائيلي بشأن الوصم بـ”الإرهاب” هو، جزئياً على الأقل، سعي من الصهاينة إلى عرقلة العدالة. ومثل معظم المجموعات المنظمة من الخارجين على القانون، فإنهم يعطون الأولوية لمصالحهم الخاصة على مصالح المجتمع -في هذه الحالة المجتمع الدولي.
وبفعلهم ذلك، فإنهم يقوضون معايير الأخلاق والقيم المشتركة بين المجتمعات المكرسة في القانون الدولي.
وفي نهاية المطاف، يرون أن هذا القانون يمثل عقبة أمام تحقيق هدفهم الأيديولوجي المتمثل في التوسع القومي والتفوق اليهودي (أي النسخة الصهيونية من اليهودية).
أيديولوجية الدولة الصهيونية
ولا شيء من هذا جديد. فلطالما كان الصهاينة على هذا النحو. وباعتبارهم مدفوعين بالقومية الاستيطانية المتمركزة حول العرق، تم التعرف مبكراً إلى عدم قدرتهم على التعامل مع الفلسطينيين بعدل حتى قبل إعلان وعد بلفور في العام 1917.
وفيما يلي بعض التحذيرات المبكرة والواضحة بشأن الخطر الذي تتعرض له الديانة اليهودية، والمتأصل في أيديولوجية إقامة دولة صهيونية.
لاحظ آحاد هعام (الاسم المستعار لعالم الأخلاق اليهودي الشهير آشر غينزبرغ) في وقت مبكر هو العام 1891 أن المستوطنين الصهاينة في فلسطين لديهم “ميل إلى الاستبداد.
إنهم يعاملون العرب بعداء ووحشية، ويحرمونهم من حقوقهم، ويسيئون إليهم بلا سبب، بل ويتفاخرون بهذه الأعمال”.
وحذر من أن مثل هذا السلوك نابع من التوجه السياسي للحركة الصهيونية، والذي لن يؤدي إلا إلى “إفساد أخلاقي” للشعب اليهودي.
وعلى عكس الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان، الذي اشتهر برغبته في أن يصبح اليهود أمة مثل جميع الأمم الأخرى، اعتقد هعام أن العودة إلى صهيون لا تستحق العناء إلا إذا لم يصبح اليهود مثل الأمم الأخرى.
وبحلول العام 1913، أدرك هعام أن هذا لن يحدث، ورفض طبيعة الصهيونية أثناء تطورها. وكتب: “إذا كان هذا هو المسيح العائد، فإنني لا أرغب في رؤية مجيئه”.
ومع اقتراب صدور وعد بلفور، أعرب يهود آخرون عن قلقهم. في الولايات المتحدة، أرسل هنري موسكوفيتز خطابًا يمثل المعارضة اليهودية للصهيونية إلى صحيفة “نيويورك تايمز” في 10 حزيران (يونيو) 1917.
وكان موسكوفيتش ناشطًا يهوديًا وأحد مؤسسي “الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين”، وكتب ما يلي:
ما المخاطر الأخلاقية الجسيمة الكامنة في هذه النظرة القومية من وجهة نظر الروح اليهودية؟ أولاً، إنها عرضة لإنجاب وتربية الأنانية العرقية”.
في مقال كتبَته في العام 1945، وصفت حنة أرندت، وهي من أكثر الفلاسفة السياسيين اليهود بصيرة في القرن العشرين، الحركة الصهيونية بأنها “قومية مستوحاة من ألمانيا” (ومن هنا جاء استخدامي لمصطلح “فوق كل شيء” “über alles” أعلاه).
أي، كإيديولوجيا تعتقد بأن “الأمة جسم عضوي أبدي؛ نتاج نمو طبيعي حتمي لصفات متأصلة؛ وهي تفسر الناس، ليس من منظور المنظمات السياسية، ولكن من منظور الشخصيات البيولوجية الخارقة”.
وفي العام 1948، كتبت أرندت و27 يهوديًا بارزًا آخرين يعيشون في الولايات المتحدة -بمن فيهم العالِم ألبرت أينشتاين- رسالة إلى صحيفة “نيويورك تايمز” تدين تنامي التأثيرات السياسية اليمينية في دولة إسرائيل المتأسسة حديثًا.
ومستشهدين بظهور “حزب الحرية” (تنوات حهيروت) بقيادة مناحيم بيغن، حذروا من أنه “حزب سياسي قريب جدًا في تنظيمه وأساليبه وفلسفته السياسية وجاذبيته الاجتماعية من الأحزاب النازية والفاشية”.
وقد أصبح بيغن فيما بعد أحد رؤساء وزراء إسرائيل. وحزب الليكود الإسرائيلي المعاصر هو خليفة لـ”حزب الحرية”.
وكان أينشتاين أيضًا شخصًا ذا حساسية أخلاقية. ولذلك رفض عرضًا بأن يصبح رئيسًا لإسرائيل ونأى بنفسه عن كل من الصهيونية والدولة الإسرائيلية.
وكانت المعاملة الصهيونية للعرب هي التي جعلته ينفر. وفي العام 1938، لاحظ آينشتاين:
أنا أفضل أن أرى اتفاقًا معقولًا مع العرب على أساس العيش معًا في سلام بدلاً من إنشاء دولة يهودية. إنني أخشى من الضرر الداخلي الذي ستتحملة اليهودية -خاصة من تطور قومية ضيقة داخل صفوفنا”.
وفي آب (أغسطس) 2002، ونتيجة للسلوك الإسرائيلي العدواني في الضفة الغربية المحتلة، حذر كبير حاخامات إنجلترا، جوناثان ساكس، من أن سياسات الدولة الصهيونية، كما تظهر في عملية الاستعمار وما يرتبط بها من اضطهاد للفلسطينيين، تفسد “أعمق المثل العليا” لليهودية.
واليوم، تحافظ كل من المنظمة الأميركية، “الصوت اليهودي من أجل السلام”؛ والمنظمة البريطانية، “يهود من أجل العدالة للفلسطينيين”؛ ومنظمة “يهود من أجل السلام العادل”، وهي اتحاد لمجموعات في 10 دول أوروبية، تحافظ جميعًا على هذا التقليد من التحذير والتحليل النقدي مع تعزيز “الحقوق الإنسانية والمدنية والسياسية” للفلسطينيين.
وقرب نهاية حياته أيضاً، حذر آينشتاين من أن “الموقف الذي نتبناه تجاه الأقلية العربية سيشكل الاختبار الحقيقي لمعاييرنا الأخلاقية كشعب”.
لكن الاستنتاجات التي توصلت إليها كل منظمة حقوقية قامت بفحص السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين على مدار الأعوام السبعين الماضية، بما في ذلك “منظمة العفو الدولية” (أمنيستي)، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة “بتسيلم” الإسرائيلية، و”منظمة حقوق الإنسان الفلسطينية”، لا تترك مجالًا للشك في أن الصهاينة فشلوا في اجتياز اختبار آينشتاين.
ومع ذلك، فإن هذا الاستنتاج هو بالضبط ما لم يتمكن الصهاينة أبداً من مواجهته. وبالتالي، فإن أي تذكير بفشل الحركة في شكل انتقادات وتوثيق معاصر لا يتم إنكاره فحسب، بل تتم إدانته أيضاً على أنه معاد للسامية.
ويتم تشويه سمعة اليهود الذين يعبّرون عن مثل هذه الأفكار بشكل منهجي على أنهم “كارهون للذات”.
كما أن وسائل الإعلام الأميركية، التي ما تزال ملتزمة بأسطورة إسرائيل كدولة ديمقراطية حديثة وعلمانية تتقاسم مع أميركا تقاليدها الرائدة، تجاهلت تقليديًا -أو قللت من شأن- منتقدي الصهيونية. وهذا يترك معظم الناس في الغرب جاهلين بسياسات إسرائيل وممارساتها الفعلية.
واليوم، أصبحت اليهودية على أعتاب الانهيار الأخلاقي. ووسيلة هذا الانهيار هي التحويل الهادف للدين إلى ذراع أيديولوجية للدولة الصهيونية الإسرائيلية.ببساطة، كان أحاد هعام، وهنري موسكوفيتش، وحنة أرندت، وألبرت أينشتاين، وجوناثان ساكس، ومنظمات “الصوت اليهودي من أجل السلام”، و”يهود من أجل العدالة للفلسطينيين”، و”يهود من أجل العدالة للفلسطينيين”، محقين في انتقادهم للصهيونية وإسرائيل.
وهكذا فإننا نواجه وضعا ينطوي على مفارقة. إن بقاء الشعب اليهودي كمجموعة حضارية ذات إحساس جماعي بالمعايير الأخلاقية ليس في أيدي دولة إسرائيل، وإنما هو في أيدي أولئك اليهود الذين يعارضون تلك الدولة ويدعمون إنسانية الفلسطينيين وحقوقهم.
*أستاذ التاريخ الفخري بجامعة ويست تشيستر في بنسلفانيا. ينشر تحليلاته لمواضيع في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة والقانون الدولي والإنساني والممارسات والسياسات الإسرائيلية/ الصهيونية منذ العام 2010.