الرئيسة \  مشاركات  \  الجرأة على  الفتوى .. زعماء عرب ... مثالاً

الجرأة على  الفتوى .. زعماء عرب ... مثالاً

22.08.2017
د. أحمد محمد كنعان


يشهد عصرنا الحاضر ظاهرة جديدة في ميدان الفقه الإسلامي تتمثل بظهور مفكرين ينسبون إلى الإسلام، ويخرجون على الأمة بين الحين والآخر بفتاوى شاذة ما أنزل الله بها من سلطان !
ولا شك بأن هذه النبتة الشاذة لا تسيء فقط إلى أدعياء الفقه هؤلاء؛ وإنما تسيء إلى دين الله تعالى؛ وتثير بين المسلمين الشك بالدين، ويزرع بينهم بذور الخلاف والشقاق .. فقد راح أدعياء العلم هؤلاء يبعثون الأقوال المهجورة، ويتتبعون الرُّخص؛ ويهرفون بما لا يعرفون؛ فرأينا منهم من أحل الفطر في نهار رمضان، ومنهم من حلل الخمر والزنا، ومنهم من أباح الاختلاط بين الجنسين دون ضوابط، ومنهم من نادى بالحرية التامة في كل شيء، وغير ذلك من الفتاوى الغريبة !!
وقد كان الإمام ابن القيم(ت 751 هـ / 1292م ... ) في كتابه ( اعلام الموقعين عن رب العالمين) قد حذر من مثل هؤلاء، وبين ما تقعون فيه من إثم عظيم في حق الدين والأمة، فقال رحمه الله:"وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات؛ فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات!إذا كانت الفتوى بيانٌ لأحكام الله تعالى، والمفتي في ذلك موقِّعٌ عن الله، فإن الجرأة والقول على الله تعالى بغير علم من أعظم المحرمات، لما فيه من افتراء على الله، وإغواء وإضلال للناس، وهو من كبائر الإثم. أما أنه من كبائر الإثم، فلقول الحق تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) سورة الأعراف 33 . فقد قرن الله تعالى القول عليه بغير علم بالفواحش الظاهرة والباطنة، والإثم والبغي والشرك، للدلالة على عظم هذا الذنب، وقبح هذا الفعل"
وليت هذه الظاهرة توقفت عند الذين ينصبون أنفسهم مفكرين إسلاميين (؟!) لكن الظاهرة تجاوزت هؤلاء إلى بعض الزعماء العرب الذين شعروا أن الأضواء بدأت تذهب عنهم إلى اؤلئك المفكرين، فسارع هؤلاء الزعماء لدخول الساحة وراحوا يفتون ويهرفون بما لا يعرفون ظناً منهم أن فتاواهم سوف ترفعهم،جاهلين أنفعلهم هذا قاصفة تُردي !فنشروا الفوضى، وأظهروا كل عوراء وعرجاء من شاذ القول والفتوى، ومن مستنكر الأقوال، ونضرب على هذا بعض فتاويهم للتمثيل لا للحصر:
  • فقد دعا رئيس النظام الليبي الهالك معمر القذافي(1942 - 2011)كلاً من اليهود والمسيحيين إلى الطواف حول الكعبة معللاً هذه الدعوة بأن "محمداً نبي لكل الناس.. ليس للعرب والمسلمين وحدهم .. وإنما للعالمين" متجاهلاً في هذا الهراء جملة النصوص التي وردت في الكتاب والسنة قاطعة بتحريم هذا الأمر؛ منها قول الحق تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة 28 .
·   في عام 1961 دعا الرئيس التونسي الأسبق الحبيبُ بورقيبة(1903 – 2000)العمالَ إلى الفطر في رمضان بدعوى زيادة الإنتاج، وطلب من علماء تونس تأييده في ذلك لكنهم رفضوا، إلا العالم الكبير الشيخ الطاهر بن عاشور (1879 – 1973) الذي أبدى موافقته لكنه اشترط أن يعلن رأيه على الهواء مباشرة  في الإذاعة، وفي اليوم المحدد وعلى الهواء مباشرة قرأ الشيخ آية الصيام، ثم قال بكل جرأة وثبات : "صدق الله .. وكذب بورقيبة" مما أفشل خطة الرئيس، وأنقذ تونس من غضب رباني .. ما هو من الظالمين ببعيد !
·   وفي مطلع العام الحالي 2017 دعا الرئيس المصري"عبد الفتاح السيسي" إلى إصدار قانون يقضي "بأن لا يتم الطلاق إلا أمام مأذون"، أي حظر الطلاق شفويا، مخالفاً بهذا الرأي إجماع الفقهاء، وما جرى عليه العمل طوال التاريخ الإسلامي !
·   وقبل أيام بمناسبة "العيد الوطني للمرأة" الذي يحتفل فيه التونسيون يوم 13 آب/أغسطس من كل عام،دعا الرئيس التونسي الحالي "باجي قايد السبسي" في خطابه الرسمي بمناسبة هذا العيد،دعا إلى المساواة التامة بين المرأة والرجل في جميع المجالات، بما فيها المساواة في النصيب بالميراث، والسماح للمسلمة بالزواج من غير المسلم،زاعماً أن هذه المسائل لا تتعارض مع الدين؛ مما أثار عاصفة حادة من ردود الأفعال الغاضبة والمستنكرة، ليس في تونس وحدها وإنما في سائر البلدان العربية والإسلامية !
وللأسف سارعت دار الإفتاء التونسية إلى تأييد اجتهادات (؟!) الرئيس دون تعقيب، ودون أية إشارة إلى مخالفاتها للكتاب والسنة وإجماع الأمة !
وحرصاً منا على عدم الخوض في مناقشة كل هذه الفتاوى الشاذة فإننا نكتفي بمناقشة ونقد المسألتين الأخيرتين اللتين أفتى فيهما الرئيس التونسي، أولاً لأن المذكور مازال حيا فلعله إذا سمع النقد تاب وأناب، وثانياً لأن ما قاله يعد الأحدث في هذا المجال، ولأن الجدل حوله مازال مستمراً إلى اليوم :
  1. مسألة زواج المسلمة من غير المسلم : لقد أجمع علماء الأمة على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم مهما كانت ديانته، ولم يكن هذا الإجماع مجرد اجتهاد بشري وإنما كان استناداً لقوله تعالى: ( وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) سورة البقرة 221 . ولقوله تعالى: ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) سورة الممتحنة10 .
قال الإمام ابن قدامة (ت 620 هجرية) في "المغني" في شرح قول الخرقي: "ولا يزوج كافر مسلمة بحال. قال: أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم: مالك، والشافعي، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
2 – مسألة ميراث المرأة وميراث الرجل :الشائع لدى معظم من تناولوا هذه المسألة أن قضية المواريث محكومة بقاعدة : "للذكر ضعف نصيب الأنثى" واعتبار هذه هي القاعدة الوحيدة في توزيع أنصبة الميراث؛ والواقع أن هذه الحالة ليست إلا واحدة من الصور العديدة للميراث؛ لأننا بالرجوع إلى أحكام المواريث في الإسلام، نجد أن هناك فقط (4 حالات) ترث فيها المرأة نصف حصة الذكر، مقابل حالات أخرى عديدة، تختلف عن هذه الحالة، نذكر منها:
أ - حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، نذكر منها :
  1. ميراث الأم والأب مع وجود ولد ذكر أو بنتين فأكثر أو بنت أحيانا.لكل منهما السدس.
  2. الإخوة للأم مع أخوات الأم. فلكل واحد منهما السدس على الانفراد وإذا تعددوا اقتسموا الثلث.
ب - حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، نذكر منها :
وهي حالات عديدة تطرق لها علماء الفرائض(= علماء المواريث) وهي حالات كثيرة، نذكر بعضها للتمثيل لا الحصر:
  • منها الحالة التي خلفت فيها امرأة زوجا وأبا وأما وبنتين؛ فإن الثلثين للبنتين يمكنهما أن تأخذا أكثر من الابنين غيما لو وجد ابنان مكان البنتين،
  • ومنها الحالة التي تخلف فيها امرأة زوج وأم وأخت شقيقة فإن الفارق يكون كبيراً جداً إذ تأخذ الأخت الشقيقة أكثر من ضعف نظيرها الأخ الشقيق.
    -
     ومنها حالة كون الزوج مع البنت فان الزوج ذكر يأخذ الربع والبنت أنثى تأخذ النصف .
  • وإذا كان للميت بنت واحدة مع عشرة إخوة، فإن البنت تأخذ النصف وحدها والنصف الآخر يقتسمه الإخوة بينهم.
ج - حالات ترث فيها المرأة، ولا يرث فيها الرجل، نذكر منها :
وهذه الحالات يعرفها علماء الفرائض جيداً، نذكر منها :
  • حالة توفيت فيها امرأة عن زوج وأب وأم وبنت وبنت ابن ترث بنت الابن بالفرض، ولو جعلنا ابن الابن مكان بنت الابن فإنه لا يرث شيئا .
  • حالة ميراث الجدة أم الأم فكثيرا ما ترث ولا يرث نظيرها أب الأم من الأجداد، وقد ترث الجدة ولا يرث معها زوجها الجد.
  • حالة وجود البنت أو بنت الابن ومعها أخت شقيقة أو أكثر ووجود إخوة لأب فللبنت النصف والباقي للأخت أو الأخوات ولا شيء للإخوة للأب حيث حجبتهم الأخت الشقيقة لوجودها مع البنت.
وهكذا يبدو جلياً أن أصحاب تلك الفتاوى الغريبة والشاذة التي أوردناها ينطلقون من قاعدة الجهل؛ هذا إذا أحسنا الظن بهم، إلا أن تتبع طروحاتهم والشواهد التي يستندون لها؛ كل ذلك يدل على أنهم ينطلقون من قناعات علمانية تستهدف إثارة الشبهات حول ديننا العظيم، وتشكيك المسلمين به !