الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجامع الأموي بين طهران وموسكو وأنقرة

الجامع الأموي بين طهران وموسكو وأنقرة

14.01.2020
بكر صدقي



سوريا تي في
الاثنين 13/1/2020
من المحتمل أن زيارة بوتين المفاجئة إلى دمشق، يوم الثلاثاء الماضي، لم تكن مدرجة على جدول أعماله، بل تم اقحامها قبيل زيارته المعلنة إلى إسطنبول، في اليوم التالي، بعد التطورات التي شهدها خط التوتر العالي بين واشنطن وطهران منذ اغتيال قاسم سليماني ومهدي المهندس وصحبهما قرب مطار بغداد صباح الثالث من الشهر الجاري.
يمكن فهم الرسالة الموجهة إلى طهران، بواسطة زيارة دمشق الاستعراضية، من خلال ردة الفعل الإيرانية الغاضبة التي جاءت على لسان عضو مجلس الشورى علي مطهري الذي قال: "سلوك الرئيس بوتين في زيارته إلى سوريا كان مهيناً مثل زيارتي ترامب إلى كل من أفغانستان والعراق. فبدلاً من زيارة الأسد في مقر إقامته، جلس بوتين في القاعدة العسكرية الروسية في سوريا كي يلتقيه. قدم الآخرون الشهداء، وروسيا المستفيدة".
أفترض أن مطهري أراد بهذا الكلام أن يغطي على السبب الحقيقي لامتعاض القيادة الإيرانية من الزيارة. فما همّ إيران من الطريقة المهينة التي عامل بها بوتين تابعه الأسد باستدعائه إلى القاعدة الروسية؟ أما استفادة روسيا من "تضحيات" إيران أو "شهدائها" فهي صيغة متفق عليها سلفاً حين ذهب قاسم سليماني شخصياً إلى موسكو، في 2015، طالباً من بوتين التدخل من أجل إنقاذ نظام بشار الكيماوي بعدما فشلت إيران بمفردها في هذه المهمة. فكانت الصيغة المتفق عليها هي مشاركة روسيا جوياً والميليشيات الإيرانية براً. فلا جديد إذن في استفادة روسيا مقابل استشهاد "الآخرين" كما قال مطهري.
أما الجديد الذي أثار الامتعاض فهو إجراء هذه الزيارة غير المسبوقة، بعد أيام قليلة على اغتيال قاسم سليماني، وكأن بوتين مستعجل على وضع اليد على تركة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، مستثمراً في العملية الأميركية لاغتياله أكثر من استثماره في "دماء الشهداء" المزعومين. فقد سبق لبوتين أن زار سوريا مرة واحدة، في العام 2017 وبالطريقة المهينة نفسها لبشار الكيماوي، ولكن في قاعدة حميميم العسكرية الروسية قرب اللاذقية، وليس في العاصمة دمشق. أما هذه فقد كانت حكراً على قاسم سليماني الذي كان يمر بها كلما احتاج الأمر، فيعطي تعليماته السياسية والعسكرية لبشار ويتابع طريقه إلى بيروت أو بغداد أو طهران.
إذن يبدو المشهد بكل عريه أمام الإيرانيين على النحو التالي: لم يكد بوتين يصدق مقتل سليماني حتى قرر زيارة دمشق التي يتوق إليها منذ سنوات! فالعقبة تمت إزالتها من قبل أحمق واشنطن الذي هاجت عليه المؤسسة الحاكمة وحاصرته وكالة الاستخبارات الأميركية، بسبب قرار تصفية سليماني، وسحب منه مجلس النواب صلاحية إعلان الحرب! في حين هبط بوتين بسلاسة في دمشق واستدعى بشاراً ليرافقه في زيارته إلى المسجد الأموي نكايةً بولي الفقيه!
وكانت الرسالة الثانية إلى أنقرة. قدم الصحافي مراد يتكين قراءة لافتة لزيارة بوتين إلى دمشق، حملت هذا العنوان المثير: "لم يتمكن أردوغان من زيارة الجامع الأموي، بوتين فعلها!" في إحالة إلى توعد أردوغان، في العام 2012، وكان رئيساً للوزراء، بالصلاة في المسجد الأموي في دمشق، بعد سقوط نظام بشار طبعاً. واستعاد يتكين كلام أردوغان في اجتماع عقد في مقر قيادة حزب العدالة والتنمية، في 5 أيلول 2012، وضم المجموعة البرلمانية الموسعة لنواب الحزب، حيث قال: "هناك وفد من حزب الشعب الجمهوري سيزور دمشق غداً، سوف ترون أنه لن يلقى الترحيب هناك. أما نحن، فسوف نزور دمشق في أقرب وقت حيث سنتعانق مع إخوتنا هناك. إنه يوم قريب إن شاء الله. سوف نقرأ الفاتحة عند ضريح صلاح الدين الأيوبي، ونؤدي صلاتنا في المسجد الأموي. وسندعو لإخوّتنا بحرية عند أضرحة بلال الحبشي وابن عربي، وفي المدرسة السليمانية ومحطة الحجاز"
يشير يتكين إلى أن وزير الخارجية آنذاك أحمد داوود أوغلو (رئيس حزب المستقبل الآن) كان قد زار دمشق والتقى ببشار الأسد، في تموز 2011، وعرض عليه إدخال عدد من أركان جماعة الإخوان المسلمين وزراء في الحكومة، بهدف إنهاء "الأزمة". وإذ رفض الأسد هذا الاقتراح، توقع داوود أوغلو أن يسقط النظام خلال ستة أشهر كحد أقصى.
"الواقع أن نظام بشار بقي ولم يسقط، على رغم دمار البلد ومقتل مئات آلاف السوريين وفرار الملايين إلى الدول المجاورة" يعلق يتكين ثم يضيف: "علينا الإقرار بأن بوتين – تلميذ حيدر علييف في جهاز الاستخبارات السوفييتي – هو فنان بارع في الحرب النفسية. استعراض القوة الذي قام به في دمشق، عشية زيارته إسطنبول للمشاركة في افتتاح خط نقل الغاز الروسي (التيار التركي) كان للضغط على أردوغان في موضوعات خلافية في سوريا وليبيا والعراق".
الرسالة الثالثة هي إلى الأميركيين، ومن ورائهم المجتمع الدولي: روسيا هي صاحبة اليد الطولى في سوريا، وحدها من غير شراكة حتى مع طهران! ومصير بشار الأسد هو في يد بوتين الذي يقرر وحده متى يمكن ويجب الاستغناء عن خدماته.
بالنسبة للإيرانيين، ليس جديداً عدم اكتراث موسكو بصراعاتهم الخاصة التي تقع خارج إطار الشراكة الروسية – الإيرانية – التركية. فلطالما غضت موسكو النظر عن الهجمات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا. موقف موسكو من اغتيال سليماني منسجم مع هذه السياسة الروسية: حلوا مشكلاتكم مع الأميركيين بأنفسكم.
أما بالنسبة لتركيا، فما زالت السياسة الروسية قائمة على منح الرئيس أردوغان فرصاً إضافية ووقتاً إضافياً بانتظار الحسم في المستقبل. في هذا الإطار يأتي قرار وقف إطلاق النار في كل من إدلب وليبيا. وذلك بسبب مراهنة بوتين على مزيد من إبعاد أنقرة عن حلفائها الأطلسيين.