الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية وتغير الموقف الأميركي

الثورة السورية وتغير الموقف الأميركي

24.08.2016
حميد المنصوري


الاتحاد
الثلاثاء 23/8/2016
تعد الثورة السورية ثورة شعبية ومعضلة أمنية وسياسية وإنسانية داخلية وإقليمية ودولية، وعلى المستوى الدولي بين "موسكو وواشنطن" تبدو الثورة السورية أكثر تعقيداً، وتعود مرة أخرى بأن نتائجها سوف تتحدد من خلال المشهد العسكري داخل سوريا والأطراف المتصارعة إلى جانب موقف الدول المجاورة لسوريا مع أطراف إقليمية أخرى، وكل تلك المحددات الداخلية والإقليمية تصب في المستوى الدولي حيث روسيا. ويستقى ذلك من خلال ما دعا إليه المبعوث الأميركي إلى سوريا "مايكل راتني" المعارضة السورية إلى التفاهم مع موسكو وفتح حوار مع حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي "الذي ترعاه واشنطن"، معللاً ذلك بأن بلاده لا تستطيع تجاهل أو مواجهة الروس في سوريا، وكون أولوياتها تندرج في محاربة "داعش" في العراق وليبيا.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة تراجعت عن مواقف عديدة في الثورة السورية، فقد كانت منذ بداية الثورة السورية في مايو 2011 مع ضرورة رحيل الأسد، وأضاعت فرصة التدخل الإنساني في سبتمبر 2013 عندما استخدم نظام بشار الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري، وكان التدخل الإنساني حجة قوية في عدم التصادم مع موسكو، حيث أكد آنذاك وزير خارجية روسيا بأن الوضع السوري لا يرقى للتصادم مع واشنطن، كل ذلك ذهب لكي تبدأ واشنطن بقيادة أوباما التفاوض مع إيران في الملف النووي.. وعندما تركز "واشنطن" اليوم على محاربة "داعش" فإنها تقف أمام الخلافات بين حكومة أربيل وبغداد في حربهما لتحرير الموصل من "داعش"، حيث الخلاف يكمن تحت نار الصراع على ما هي المناطق والقرى التي سوف تنضوي تحت حكومة بغداد وحكومة أربيل.
وهناك من يقول إن ما يحدث هو تقاسم نفوذ بين واشنطن وموسكو حول العراق وسوريا، ولكن يبدو هذا الأمر غير دقيق، فالعراق يخضع لنفوذ إيراني، وطهران لها علاقات قوية مع موسكو، إذن فإن الرابح الأكبر في سوريا والعراق هو روسيا، ورغم ذلك فإن الولايات المتحدة لها علاقاتها الخاصة مع الأكراد في كردستان العراق، كما أنها لن تضيع القدرة من الاستفادة من نفط العراق وهو أحد الأسباب الرئيسية لغزو العراق 2003.
واللافت للنظر، عندما تضع واشنطن الملف السوري بيد موسكو فهي تعيد القوة لبروز الدول الإقليمية في الملف مع روسيا، فالمعارضة السورية وأذرعها العسكرية سوف تتوقف قوتها ومطالبها على الأطراف الإقليمية الداعمة للشعب السوري، فعلى سبيل المثال، فإن عودة العلاقات بين موسكو وأنقرة مؤخراً لسابق عهدها قبل إسقاط الطائرة الروسية سوخوي في نوفمبر الماضي، سوف يسهل على موسكو إيجاد طريق لإنهاء الثورة السورية في الوضع السوري. ويبقى الطرف الكردي في سوريا محدداً لهذه العلاقة، فأنقرة تعتبر الاتحاد الديمقراطي الكردي (تأسس 2003) جزءاً من منظومة حزب العمال الكردستادني (PKK) المُدرَج على قائمة الإرهاب الدولية، وربما عودة العلاقات التركية الروسية وفرضية قبول تركيا لسياسات موسكو في مستقبل سوريا تتوقف على موقف موسكو من "الاتحاد الديمقراطي" الكردي ومستقبلهُ السياسي، خاصة أن حادثة إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر الماضي قادت إلى دعم موسكو لـ"الاتحاد الديمقراطي" الكردي ووضعتهُ في جانب النظام السوري.
ويمكن لدول خليجية "كالإمارات والسعودية" أن تضطلع بدور أكثر تحركاً نحو موسكو لإنهاء الثورة بنتائج يقبلها الشعب السوري لأنهما تمتلكان علاقات ومصالح قوية مع روسيا، خاصةً بعد تراجع الدور الأميركي. والذي بدورهِ يقابل أطرافاً إقليمية مثل إيران وحكومة بغداد و"حزب الله" ونظام بشار، وأي نجاح لهذا المحور سوف تترتب عليه قضايا إقليمية كبيرة في مستقبل التمدد الشيعي في المنطقة العربية.
ستضع الثورة السورية أوزارها وخاصة بعد خروج واشنطن، التي احتلت العراق بدعاوي الإرهاب التي تنطوي على مصالح نفطية، وسلمت العراق للنفوذ الإيراني الشيعي، واعتقدت "واشنطن" بأنها (بريطانيا العظمى) في منطقة الشرق الأوسط في بداية القرن العشرين، وحان لها فرصة مهووسة بقدراتها على إعادة رسم خريطة المنطقة. أجل ستضع الثورة نتائجها من خلال قوة وحضور المعارضة السورية السياسية والعسكرية داخل سوريا، وقدرة وإرادة الدول والأطراف الإقليمية في دعم طرف المعارضة، مقابل دعم آخر لنظام بشار. وهناك أطراف مهمة دولياً مثل دول أوروبا الغربية، ولكن الحكم سوف يكون لروسيا بقوتها العسكرية والسياسية، التي لن تستطيع أن ترسم مستقبل وجودها في سوريا ضد إرادة الشعب السوري، لذا ستكون أكثر تقبلاً لرحيل بشار من السلطة، ولكن الموقف الروسي والتدخل العسكري لدعم نظام بشار مع المليشيات الشيعية المتعددة وقوات طهران وقم وحكومة بغداد لن تترك للعلاقة بين البلدين أن تكون علاقة قوية في المستقبل، بل ما قامت به موسكو خفف من ذاكرة الشعب السوري عن ويلات الاستعمار وانهيار الدولة العثمانية بداية القرن العشرين، وعلق فيها دمار سوريا، ودماء أهلها المراق، وتشريد شعبها، بسبب التدخل الروسي والإيراني والمذهبية الشيعية في بداية القرن الواحد والعشرين.