الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية والكرة بعد الفرة

الثورة السورية والكرة بعد الفرة

20.12.2016
محمد السعيدي


الوطن السعودية
الاثنين 19/12/2016
في هذه الأيام نعيش جميعاً مأساة حلب، وهي مأساة يجب ألا تمثل نهاية الثورة السورية، لأن ذلك إن كان فهو يعني نجاح مرحلة مهمة تم تأجيلها 34 عاما من مراحل المشروع الصهيوني في بلاد الشام، وكان مقرراً لها أن تنتهي عام 1982 إلا أنه تبين للكيان الصهيوني أن كُلفتها ستكون عاليةً جداً، فتم إرجاؤها إلى أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه هذا الكيان من إنجاز هذه المرحلة دون خسائر.
وبالفعل فإن ما يحدث في سورية، وإلى حد كبير ما يحدث في العراق أيضا، من إفراغ كل مساحات غرب الفرات من أهلها، هو المرحلة الممهدة للغاية الأكبر، وهي توسيع دولة إسرائيل باتجاه حدها الشرقي المزعوم وهو نهر الفرات.
وقد كانت محاولة رئيس الوزراء الصهيوني الهالك إيريل شارون اجتياح لبنان عبارة عن تجربة، أو جس نبض أثبت أن العجلة في تنفيذ المشروع لن تؤتي ثمارها المطلوبة، وهم اليوم يَرَوْن أنهم يعيشون في الوقت المناسب، فها هي الهجرة السورية والعراقية تتم على أيدي أطراف أخرى ليس من بينهم رجل واحد من الصهاينة.
المعممون الإيرانيون وأزلامهم ودُمَاهُم، يعلمون جيداً أن الروس ليسوا قادمين من أجلهم، لكنهم لا يمانعون في خدمة المشروع الصهيوني، وهو بناء دولة ملك آل دَاوُدَ، على أمل كبير، وربما على يقين بأن الشراكة الإستراتيجية مع الصهاينة سوف تحقق لهم مكاسب كبيرة في مشروعهم الخاص، وهو بناء دولة المهدي المزعوم، فهناك رابطة قوية بين المشروعين وهي رابطة الخرافة، التي تجمعهم أيضا مع الصهاينة الأميركيين الذين يسعون من خلال دعمهم لكيان إسرائيل إلى إنشاء دولة المسيح المنتظر.
هزيمة السوريين في حلب يجب ألا تكون نهاية الثورة السورية لأمور كثيرة: أحدها هو ما تقدم تفصيله، أما الأسباب الباقية فهي كثيرة: منها الشرعي، ومنها السياسي، ومنها الاجتماعي، ومنها الإنساني والعالمي.
والسؤال كيف لنا ذلك، أي: كيف لنا ألا نجعلها نهاية الثورة، مع أن معظم التوقعات تفيد بأن المجاهدين سوف ينتقلون من حلب إلى إدلب وبالطريقة نفسها سيتم حصارهم، ومن ثَمَّ تصفيتهم، فالمسألة إذًا مسألة وقت لا غير؟ هكذا يقولون.
والجواب: أن الثورة السورية على الرغم من البكاء والآلام التي نستمع إليها في كل مكان، وبالرغم من الحديث الكثير المُحُبِط الذي نجده في الشاشات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، وأيضا بالرغم من الحكمة المُصْطَنعة والتي يُطَلب أصحابها بالتسليم للأمر الواقع واستخدام الأوراق المتبقية للضغط في اتجاه الخروج بشيء من المكاسب بدلاً من الخروج بالخسارة المحضة؛ أقول إن الثورة السورية على الرغم من كل ذلك لا تزال تملك مقومات البقاء، بل ومقومات النصر أيضا، لكنها لا تستطيع الإفادة من هذه المقومات حتى تواجه نفسها، ويواجه أنصارها أنفسهم بأسباب فشلها.
إن هذا التفرق الكبير بين الفصائل السورية يجب أن ينتهي الآن، ويُكَوِّن الجميع وحدةً اندماجية تتخلى فيها كل الفصائل الصغيرة عن قياداتها، وتدفع بعناصرها نحو الجيش السوري الموحد؛ إن هذه الخطوة قد تم عرضها في الملتقى الذي عُقِدَ في الرياض للفصائل السورية، وقَبِله ممثلوها من جميع الفصائل الكبيرة ما عدا النصرة التي لم تعترف بهذا اللقاء أصلاً؛ لكن المشكلة جاءت في الميدان، فبعض الفصائل لم تعترف بما اتجه إليه ممثلوها في ذلك اللقاء، والآخرون لم يُقدِّموا أكثر من التعاون الجزئي، واتخاذ غرفة عمليات موحدة في بعض المواقف الصعبة، ومع ذلك فقد كان للتعاون اليسير أثره الكبير في الانتصارات التي تحققت في حلب قبل أشهر، والتي شَكَّلَت الدافع الرئيسي للنظام وأزلامه، لإعادة الكرة التي انتهت بالهزيمة المنكرة كنتيجة حتمية للتنازع والتفرق بين الفصائل السورية. ويجب أن يُواجه كل فصيل يأبى الاندماج لأسباب فكرية مزعومة كما هو حال فتح الشام [النصرة] وجميع الفصائل المُطَوّعة لها، والتي تأبى الاندماج باعتبارها هي الممثل الوحيد وفق زعمها للجهاد الحقيقي ومقاومة العدو، أو لأسباب تنظيمية ومالية، كما هو حال فصائل أخرى ذات مصادر للدعم تحول بينها وبين الاندماج، هذه الفصائل يجب أن تواجه بالبراءة منها، ومطالبة عناصرها بالانضمام إلى الجيش الموحد.
تكميلاً لهذا الأمر يجب على الدول الداعمة للثورة السورية أن تحصر دعمها في الجيش الموحد، وأن تقف في وجه أي دعم شعبي لفصائل خارجة عن هذا الجيش.
إن وجود جيش واحد ذي حركة متناسقة، وقيادة واحدة خبيرة وغطاء داعم هو السبيل الوحيد لإنقاذ المقاتلين السوريين من التنازع واستغلالهم من قِبَل دول ومؤسسات خارجية للاقتتال بينهم نيابة عنها، أو مجالاً للمنافسة الإعلامية بين دول ومؤسسات أُخَر، كما أنه السبيل الوحيد لإيقاف فوضى إنشاء الفصائل الذي وصل إلى حد أن قُطَّاع الطرق والمهربين وتجار المخدرات أصبحوا ينشئون فصائل تحت زعم الجهاد يغلقون بها الطرق، ويحتلون بها الأحياء كي يتقاضوا الإتاوات من المارين والأهالي؛ وهي ظاهرة سيئة جداً معروفة في طول سورية وعرضها، وإن كان الكثيرون يأبون الاعتراف بها حرصاً على سمعة الجهاد.
وجود جيش بهذا الشكل سوف يزيل أسباب تأخر الدعم من الدول الملتزمة بالقضية السورية، لأن جيشاً موحداً يعني أن له متحدثاً رسمياً واحداً وتوجهاً سياسياً واحدا يتناسب مع حاجاته العسكرية وتطلعاته المستقبلية، ولا يُمكن أن يصدر عنه ما يُقلق الدول الداعمة للثورة من تصريحات معادية لهذه الدول، نجدها اليوم تصدر من أناس محسوبين على قيادة بعض الفصائل في سورية، ولا نسمع من الآخرين براءة منها أو رداً عليها، ومن حق أي دولة داعمة أن تتوجس من أمثال هذه التصريحات، وتُشدد الإجراءات والتحريات في إيصال دعمها للمجاهدين.
كما أن مثل هذا الاندماج في جيش واحد سيُسَهِّل فرصة استعمال الأسلحة التي أوصلتها الدول الداعمة فعلياً لبعض فصائل المجاهدين الكبرى، ولم يتمكنوا من الاستفادة منها لأسباب عديدة، أهمها فوضى العمل المسلح.
ولنكن واقعيين وغير مكابرين ولا مأسورين للأحلام وتفخيم الذات ونقول: إن الثورة السورية بحاجة إلى دول أوروبا والولايات المتحدة، وقد أثبتت التجارب أن أي تعال على هذه الحقيقة هو مكابرة قاتلة، وفشل كبير في التفكير وتقدير الأمور بقدرها، ولا يمكن أن تقف هذه الدول مع ثورة فوضوية، لا يُمكن التفاوض أو التحاور معها، ولا معرفة تطلعاتها، وذلك لكثرة رؤوسها وتشعبها وتباين طرقهم في التفكير. الأهم من كل ذلك ألا نيأس ولا نقنط، وأن نعتبر ما مر من فشل ليس أكثر من دروس نستفيد منها ونتلافى أخطاءها بأقصى سرعة، وألا نجامل أحداً في سعينا الحثيث لإعادة بناء أنفسنا وتدارك أخطائنا.
الإجراء الذي أراه عملياً ويجب أن تبدأ جميع الفصائل به، هو اجتماع ممثليها جميعاً من جديد وفي الرياض أيضا وإعلان الاندماج التام تحت قيادة واحدة وهيكل واحد يختاره الأكثرون، وترتضيه الدول الداعمة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وليلهجوا بصوت واحد: {إياك نعبد وإياك نستعين}. {فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}.