الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية تنتظر من يساندها لا من ينتقم لها

الثورة السورية تنتظر من يساندها لا من ينتقم لها

24.12.2016
أوّاب المصري


الشرق القطرية
22/12/2016
مشكلات كثيرة تعصف بأبناء عالمنا العربي والإسلامي. إحدى هذه المشاكل هو التباين الكبير والتفاوت في تقييم الأمور والنظر إليها. فما يعتبره البعض انتصاراً يعتبره آخرون هزيمة، وما يقيّمه البعض على أنه إيجابي يقيّمه البعض الآخر سلبي، ومن يجد في شيء مصلحة ما، يجد فيه آخرون مفسدة وهكذا.. مشكلة قديمة من الواضح أنها لن تجد حلاً لها في المستقبل القريب. ولعلّ الهوّة في النظر للأمور تزداد اتساعاً وتبايناً، وهي مشكلة رغم بساطتها من حيث الشكل، إلا أن لها انعكاسات خطيرة، خاصة أن البعض يصرّ على عدم التفكير بمآلات الأمور وما يمكن أن تؤدي إليه، ويكتفي بالنتائج المباشرة. وقد شكّل اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة مناسبة كشفت حجم التباعد والتناقض في النظر للأمور، وفضحت عجز البعض عن تقييم الأمور والتفريق بين المصلحة والمفسدة.
فاغتيال السفير الروسي في أنقرة والصور المروّعة التي تناقلها العالم للحادث اعتبرها انتصاراً مظفّراً يستحق الاحتفال والتهليل والترحيب، وأن ما حصل يصبّ في رصيد الثورة السورية، خاصة أنه تزامن مع الضربة الموجعة التي تلقتها المعارضة بانسحابها من حلب، وخضوعها لشروط النظام وحلفائه، وبالتالي كان طبيعياً –بالنسبة للبعض- أن يشكل اغتيال السفير الروسي في أنقرة مناسبة للاحتفال والاحتفاء، خاصة أن الشخص الذي قتل السفير الروسي أعلن بلغته التركية أن ما قام به هو انتقام لأبناء حلب، وقال بشكل واضح "نحن نموت في حلب وأنت تموت هنا". هي النتيجة المنطقية والمباشرة للحادث، وقد تبنّى كثيرون هذه النظرة القاصرة بإشادتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ببطولة مطلق النار على السفير الروسي ومنحوه أرقى ألقاب البطولة والشجاعة. لكن نظرة من زاوية أخرى تكشف أن اغتيال السفير الروسي إنما هي ضربة موجعة للثورة السورية، وأن آثاره على الثورة وأبنائها لن تكون إلا سلبية، وتبعاً لسياسة الانتقام، فإذا كان اغتيال السفير الروسي انتقاما لحلب، فبإمكان الطائرات الروسية الانتقام لسفيرها بارتكاب المزيد من جرائم القتل والتدمير والتشريد بحق السوريين، والكفّة لن تكون لصالحهم بالتأكيد.
الثورة السورية ليست بحاجة للانتقام لها، وأبناء حلب الذين قُتلوا وشُرّدوا لا تكون مساندتهم ودعمهم بقتل وتشريد غيرهم، هم يريدون من يقف إلى جانبهم ويساهم في إنهاء معاناتهم وتثبيتهم في أرضهم، يريدون من يؤمّن لهم سقفاً يعيشون تحته يقيهم برد الشتاء، لا لمن يقتل باسمهم. فقتل السفير الروسي في أنقرة لن يعيد إحياء شهيد، ولن يخفف من وجع جريح، ولن يرحم معتقل من سياط جلاديه، ولن يعيد بناء منزل مهدم، أثره الوحيد هو إطالة أمد معاناة السوريين، واستمرار سياسة القتل والتشريد والتدمير التي ينتهجها النظام وأعوانه، الذين سيجدون في مقتل السفير الروسي مبرراً للمزيد من الإيغال بدماء السوريين وارتكاب المزيد من الجرائم بحقهم.
الثورة السورية متضررة كذلك من تأثير مقتل السفير الروسي على العلاقات التركية الروسية التي عادت للحرارة بعدما نجحت في تجاوز قطوع إسقاط تركيا للطائرة الروسية نهاية العام الماضي. فتركيا هي بوابة الثورة إلى الخارج، وما يضر تركيا سينعكس حكماً على قدرتها في تقديم الدعم والمساندة للثورة السورية.
لا تنتصر الثورة بالانتقام، بل بالعقل والحكمة، والسعي لتأمين مصلحتها ومصلحة أبنائها.