الرئيسة \  برق الشرق  \  الثورة البلشفية : مأساة البداية ومأساة النهاية

الثورة البلشفية : مأساة البداية ومأساة النهاية

20.11.2017
هيثم عياش


كاتب ومفكر سياسي
برلين / ‏19‏/11‏/2017
انطلقت في الخامس والعشرين من شهر تشرين اول /اكتوبر من عام 1917 ثورة البلاشفة . ومعنى البلاشفة باللغة العربية : الاكثرية ، أي ان الثورة كانت ثورة أكثرية الشعب الروسي ضد القيصرية الروسية .
كان حزب العمال الديموقراطي الروسي بالتعاون مع رابطة العمال اليهود اللذين يحملان افكار مؤسسي الفكر الشيوعي الفيلسوفين الالمانيين كارل ماركس / 1818- 1883 / وفريدريش اينجيل / 1820-1895/  وراء انطلاق الثورة الشيوعية المعروفة باسم ثورة البلاشفة ، فالثورة الشيوعية انطلقت من أجل تحقيق  العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر التي تعتبر الراسمالية سببه الرئيسي باستغلال الاغنياء للفقراء ، فقد وصل عدد الذين ماتوا جراء الفقر والمرض في روسيا الى وقت انطلاق ثورة البلاشفة الى حوالي 20 مليون نسمة . أما في اوروبا فقد وصل عدد وفيات الفقر والمرض منذ الثورة الصناعية التي بدأت بالسنين الاولى من القرن الثامن عشر والى وقت اندلاع الثورة الشيوعية في روسيا الى حوالي 65 مليون نسمة وِفقَ دراسات تاريخ اوروبا الحديث .
ومن خلال مؤتمرين لحزب العمل الديموقراطي الروسي ورابطة العمال اليهود عقدا في لندن وبروكسل عام 1903 تم الاتفاق فيه انطلاق الثورة على القيصرية الروسية وقاموا بتكليف الزعيم الروسي فلاديمير لينين / 1870 – 1924 / بقيادة الثورة ، واستطاعوا تحقيق حلمهم بانطلاق الثورة العارمة ضد القيصرية الروسية في الخامس والعشرين من تشرين اول / أكتوبر عام 1917 وتكلل نجاحهم في السابع من تشرين ثان / نوفمبر من العام المذكور بإعلان القيصر الروسي نيكولاوس الثاني / 1868- 1918/ تنازله عن العرش الروسي . كانت نهاية القيصر الروسي نيكولاوس الثاني مأساوية فقد قتله البلاشفة   مع جميع أفراد  أسرته في شهر تموز / يوليو عام 1918 . لقد عانى الشعب الروسي منذ بداية ظهور حزب العمل الديموقراطي الروسي  وانطلاق الثورة البلشفية ضد القيصرية الروسية من بطش جيش القياصرة ، فالاعتقالات التعسفية وعقوبات الإعدام والتهجير لم يعهدها الشعب الروسي منذ وفاة القيصر الروسي بطرس الكيبر / 1672- 1725/ وفي عهد جده ايفان المتوحش / 1530- 1584/ ، كما عانى الشيوعيون منذ بداية ثورتهم ضد القيصرية الروسية عام 1903 الى وقت قضائهم على القيصر الروسي الاضطهاد والقتل والسحق فقد وصل عدد الذين لقوا حتفهم من الثوار الشيوعيين الى حوالي 143 الف شخص .
كانت القيصرية الروسية قد أعلنت إثر فتح السلطان محمد الفاتح / رحمه الله / القسطنطينية  عام 1453 وراثتها الدولة البيزنطية كحامية للمسيحية في اوروبا ولذلك قامت جيوشهم باكتساح مناطق القوقاز واحتلالها وقتل وتهجير شعبها ، كما أعلنت القيصرية الروسية الحرب على دولة الخلافة الاسلامية العثمانية للحيلولة دون وصول العثمانيين الى قلب أوروبا كما أقاموا تحالفات عسكرية مع الدولة الصفوية في ايران  ومع بعض ملوك اوروبا الشرقية لمواجهة دولة الخلافة الاسلامية العثمانية .
وما أن استلم الشيوعيون الحكم في روسيا إلا وأرسلوا جيوشهم لتثبيت وجودهم العسكري بمناطق القوقاز وأقاموا تحالفات سياسية مع قادة دول آسيا الوسطى الذين يحملون الفكر الشيوعي وقاموا بضم تلك الدول الى المحور الروسي . وبعد الحرب العالمية الثانية استطاعوا جراء تحالفاتهم السياسية مع الشيوعيين في اوروبا الشرقية ضم تلك الدول الى المحور الروسي الذي أطلق عليه  الاتحاد السوفييتي .
سبعون عاما حكم الشيوعيون روسيا واوروبا الشرقية ودول وسط آسيا ، وبالرغم من سياسة البطش التي انتهجوها ضد معارضيهم لم يكتب لهم النجاح بالبقاء في حكم الدول التي احتلوها والشعوب التي استعبدوها. وما أن إنهار جدار برلين عام 1989 إنهارت معه الانظمة الشيوعية في اوروبا الشرقية بشكل سهل للغاية وبدون إراقة دماء  واستقالت دول وسط آسيا عن الاتحاد السوفييتي الذي اختفى اسمه عن الخريطة السياسية .
لم يستطع الشيوعيون على مدى سبعين عاما من حكمهم تحقيق أي رخاء اقتصادي لشعوبهم التي حكموها بل ازداد الفقر والتخلف الاجتماعي والاقتصادي والقهر ومصادرة الحريات العامة وانتهاك حقوق الانسان ، بل لم يكسب الشيوعيون الى صفوفهم علماء وفنانين مثل الاحزاب القومية في أوروبا والبلاد العربية ، بينما اكتسبت الاشتراكية فنانين وعلماء من جميع طبقات شعوبها .
ويؤكد علماء السياسة الاجتماعية في اوروبا ان الشيوعية لم تنجح بتحقيق أهدافها ولذلك سقطت .