الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التوتر يتصاعد.. هل تُدق طبول الحرب بعد انتهاء مهلة أردوغان للأسد؟

التوتر يتصاعد.. هل تُدق طبول الحرب بعد انتهاء مهلة أردوغان للأسد؟

02.03.2020
ساسة بوست



الاحد 1/3/2020
تنتهي اليوم المهلة التي قدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للنظام السوري بالانسحاب إلى ما وراء مناطق اتفاق سوتشي في محافظة إدلب السورية، ولكن وحسب ما يجري على الأرض من تصعيد خطير تمثل في سقوط 33 قتيلًا من الجنود الأتراك يوم أمس، ما يرفع عدد قتلاهم خلال هذا الشهر إلى 54 قتيلًا، فمن المرجح ألا ينسحب الأسد بانتهاء اليوم من المنطقة، فماذا سيفعل الأتراك الذين وجدوا أنفسهم ربما وحيدين في مواجهة الدب الروسي الداعم الرئيسي لنظام الأسد؟
تصريحات تصدر من الأتراك وأخرى تخرج من الروس، وتحذيرات تأتي من أوروبا، ودعم كلامي من أمريكا، بينما الأرض هناك في إدلب كأنها على شفا جُرُفٍ هَارٍ تَمُورُ بالناس مَوْرًا، وتهتز من شدة القصف والمعارك. فمن جهة تقوم الطائرات الروسية بصب حممها على المدن والبلدات وتجعلها قاعًا صفصفًا، ومن جهة أخرى تقوم المدفعية التركية باستهداف مواقع النظام السوري بشكل مستمر دون توقف، في مشهد يصفه الكثيرون ممن هم على جبهات القتال بأنها القيامة.
توتر متصاعد ينذر بالسوء
بالعودة إلى تهديد أردوغان الذي أمهل فيه النظام السوري حتى نهاية الشهر الحالي للعودة والانسحاب إلى ما وراء اتفاق سوتشي؛ شاهدنا الأرتال التركية اليومية التي تدخل إدلب وتثبت نقاط جديدة لها في المحافظة. هذه الأرتال التي تضم دبابات وراجمات ومدافع ليست للاستعراض، وآلاف الجنود الأتراك المنتشرين لم يأتوا للنزهة، بل متواجدة لتنفيذ التهديد التركي بحذافيره. وذلك ما شاهدناه عبر استعادة المعارضة السورية السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية التي تعتبر عقدة الوصل لطريقي (إم 5 و إم 4) الدوليين، وهو ما يعني أن رسالة أردوغان قد وصلت للروس أنه يستطيع تنفيذ تهديده متى ما أراد ذلك.
سيطرة المعارضة السورية على مدينة سراقب، كان نقطة على السطر وسهمًا في عين الروس والأسد، اللذين أرادا فتح صفحة جديدة "حمراء" في إدلب خالية من أي تواجد لأي قوى أخرى، بينما أوقف ما قامت به المعارضة بدعم تركي طموحات النظام السوري، وكان لا بد من توجيه رسالة للأتراك أنهم لن يتراجعوا أيضًا عن إعادة السيطرة على الطرق الدولية، هذه الرسالة التي كلفت أنقرة 33 قتيلًا من جنودها المتواجدين في إدلب.
الصدمة التركية بمقتل الجنود كانت قوية، وعلى حجمها اجتمع أردوغان مع كبار الشخصيات السياسية والأمنية إلى جانب المعارضة التركية، وتم الاتفاق على عدم السكوت والانتقام بشكل قوي، وعليها قامت الطائرات بدون طيار وقذائف المدفعية وصواريخ أرض-أرض بإستهداف عشرات المواقع والدبابات والآليات التابعة للنظام، ما خلّف حسب وزارة الدفاع التركية أكثر من 300 قتيلًا من عناصر النظام.
يؤكد الإعلامي السوري أحمد نور الرسلان لـ"ساسة بوست" أن القصف التركي عنيف جدًا يكاد لا يتوقف، ومستمر منذ مقتل جنودهم يوم أمس في بلدة بليون بريف إدلب، ونوه أن القصف التركي يشمل الطائرات المسيرة التي كبدت النظام خسائر كبيرة جدًا، بالإضافة للقصف بصواريخ بعيدة المدى التي تم إطلاقها من داخل الأراضي التركية، وأشار الرسلان أن فرق الرصد والإشارة التابعة للمعارضة؛ رصدت اتصالات بين جنود النظام تتحدث عن سقوط عشرات القتلى ويطالبون بقدوم سيارات الإسعاف فورًا لنقل الجرحى.
ونشرت وسائل إعلامية تركية مقاطع فيديو تظهر ضربات مدفعية مركزة وجوية من طائرات استطلاع تركية، استهدفت آليات من بينها راجمات صواريخ ودبابات تابعة لقوات النظام السوري وقامت بتدميرها بالكامل، حيث تظهر تكبد تلك القوات خسائر كبيرة في العتاد والأرواح.
فك طلاسم الرسائل الروسية
قالت وزارة الدفاع الروسية، أن قصف قوات النظام السوري يوم أمس كان يستهدف تجمعات ما أسمتهم الإرهابيين ولم تكن تعلم أن هناك تجمعًا للقوات التركية في المنطقة، وحملت الوزارة الجانب التركي المسؤولية، لأنه لم يقدم لموسكو معلومات عن تواجد عسكرييه في بليون جنوب إدلب، وأضافت الوزارة أنه وفقًا للمعلومات التي تلقاها مركز المصالحة الروسي في سوريا، لم تتواجد هناك وحدات ولم يكن مفترضًا أن تتواجد أي وحدات تركية في منطقة القصف.
هذا التبرير الروسي يحوي العديد من "الأكاذيب" حسب ما قال الرسلان لـ"ساسة بوست"، فقد أكد "أن القوات التركية انتشرت في بلدة بليون منذ خمسة أيام، وذلك معروف لدى جميع الإعلاميين في المنطقة، فإذا كنا نحن نعلم ذلك، فمن المفروض والمؤكد أن تعلم ذلك روسيا أيضًا"، واعتبر الرسلان أن استهداف الجنود الأتراك تم مع سبق الإصرار والترصد.
كما أن الجانب التركي فند الرواية الروسية أيضًا، إذ صرح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن "الغارات استهدفت جنودنا رغم التنسيق الميداني مع المسؤولين الروس حول إحداثيات مواقع قواتنا، ورغم تحذيراتنا عقب القصف الأول، استمرت الغارات الجوية وطالت حتى سيارات الإسعاف"، وشدد أكار "أنه لم يكن هناك أي مجموعة مسلحة في محيط وحداتنا خلال الهجوم".
وبالعودة إلى تصريح سابق لأردوغان بأن النظام السوري لا يحرك ساكنًا بدون علم روسيا وايران، وتأكيد مسؤول رفيع في الخارجية الأمريكية على ذلك، بالقول إن "النظام السوري ما كان ليشن هجوم إدلب دون موافقة ودعم روسيا"، نصل إلى مربط الفرس كي نفهم طلاسم الرسالة الروسية التي فهمها الأتراك جيدًا، ويبدو أن الأمور تتجه إلى التصعيد، فقد وجه أردوغان وجهه تلقاء أوروبا والناتو وأمريكا، وبدأت الاتصالات والتصريحات تأخذ منحى مختلفًا تمامًا، فهل تعيد موسكو حساباتها؟
"شعرة معاوية" بين الروس وأردوغان
من الواضح أن التصريحات التركية والروسية على المستوى الرسمي تحاول خفض التصعيد وعدم جر الأمور إلى حرب شاملة. فمن جهة تتهم تركيا النظام السوري بقتل جنودها دون الإشارة المباشرة إلى يد الروس الملطخة بهم، وعليه تقوم بقصف مناطق تمركز جيش الأسد فقط مع نفيها المتواصل لاستهداف أي مواقع أو طائرات روسية، وكذلك روسيا التي لا تعارض بفجاجة تواجد القوات التركية في إدلب، ولكنها في الوقت نفسه تستهدف قوات المعارضة المدعومة من أنقرة. ما يجعل الأمر خلطة تفاهمات تدخل فيها المصالح المشتركة بين البلدين التي تتعدى إدلب إلى أكثر من جانب اقتصادي وسياسي وعسكري، و"شعرة معاوية" التي يحرص الطرفان على عدم قطعها.
ولكن في الوقت نفسه وعلى الرغم من محاولات التهدئة، يبقى التوتر بين الروس والأتراك في تصاعد، إذ صرح فريدون أوغلو ممثل تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة: "نحن لا نريد الحرب، لكن لو تعرض أمننا للخطر لن نتردد في استخدام القوة"، أما مسعود حقي مستشار الرئيس التركي، فقد توعد روسيا بانتقام رهيب وباحتمال نشوب صدام قاس بسوريا، وذكّرها بالحروب الماضية بينهما وبأن بلاده مستعدة لمواجهة عسكرية جديدة معها.
فلاديمير زباروف النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية بالمجلس الأعلى في البرلمان الروسي، هدد هو الآخر في حال "شنت تركيا عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب بأن نهايتها ستكون سيئة لأنقرة نفسها، وإذا استمرت بالتهديد وتوجيه الضربات، بما في ذلك على طائراتهم، فقد يبدأ صراع بين قوات الدولتين"، وأرسلت موسكو سفينتين حربيتين مزودتين بصواريخ كروز (موجهة) إلى السواحل السورية، بينما توجهت تركيا إلى الناتو وطالبت باجتماع عاجل.
هل ستُقرع طبول الحرب؟
بعد طلب أنقرة تفعيل المادة الرابعة من ميثاق حلف الناتو، والذي يدعو أعضاء الحلف للاجتماع العاجل فورًا؛ خرج الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرج بتصريح أكد فيه اتفاق الأعضاء على استمرار تقديم الدعم لتركيا من خلال إجراءات من بينها تعزيز دفاعاتها الجوية، وأن أعضاء الحلف يبحثون تقديم مزيد الدعم، وطالب روسيا والنظام باحترام القانون الدولي، والعودة إلى اتفاق سوتشي. في الوقت الذي صرح فيه مسؤول رفيع بالخارجية الأمريكية أن "تركيا لم تطلب من الناتو تفعيل المادة الخامسة المعنية بالدفاع الجماعي، ولم نقرر الالتزام بإرسال وحدات قتالية إلى إدلب، مع دراسة تقديم مساعدة عاجلة لتركيا في إطار تبادل المعلومات والدعم بالعتاد العسكري".
وكانت تركيا قد طلبت قبل أكثر من أسبوع من أمريكا والناتو نشر منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الأمريكي "الباتريوت"، على حدودها الجنوبية إلا أن هذا الطلب لم يلاق آذانًا مصغية، ولكن بعد مقتل الجنود الأتراك، وفشل المفاوضات والاجتماعات التقنية مع الجانب الروسي بخصوص إدلب ومغادرتهم أنقرة، أكدت الخارجية التركية أن الاجتماعات لن تتواصل، فقد تغيرت لهجة واشنطن. إذ صرح وزير الخارجية مايك بومبيو وبيّن أن "بلاده قامت بمراجعة كافة الخيارات من أجل تقديم الدعم الكامل لتركيا"، ودعا السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، كلا من رئيس بلاده دونالد ترامب، والمجتمع الدولي، لفرض حظر جوي على إدلب.
مجلس الأمن عقد جلسة طارئة لمناقشة الوضع المتأزم بإدلب عقب مقتل الجنود الأتراك، ويمكن القول بأن الموقف العام في المجلس كان داعمًا للطرف التركي. إلا أن كل هذا التنديد لا يزال على الورق، وبينما دماء عناصر الجيش التركي لم تجف بعد؛ تبقى تركيا متعلقة بدعم حقيقي دولي لها في سبيل إنشاء منطقة حظر جوي في إدلب، وإجبار روسيا والنظام السوري وإيران على التراجع عن عملياتهم العسكرية في إدلب.
هذا التجاهل الأوروبي والأمريكي لتقديم مساعدة حقيقية وفاعلة لوقف روسيا عند حدها، وتجاهل نشر منظومة "الباتريوت"، واكتفاء الدول بالتصريحات الرنانة دون فعل حقيقي وتقديم وعود كاذبة؛ ربما يكون بسبب تشكيك الدول في ولاء تركيا للناتو، وذلك بعد صفقة "إس 400". هذه الأمور جميعها هي ما جعلت تركيا تقرر فتح حدودها البرية والبحرية أمام توجه اللاجئين إلى أوروبا لشعورها بالخذلان من جهة، وللضغط على أوروبا لتقديم المساعدة الحقيقية من جهة أخرى، خاصة أن أكثر ما يخيف أوروبا الآن هو تدفق مئات الآلاف من السوريين إلى بلدانهم.
وفي خطابه صباح اليوم السبت، قال الرئيس التركي أردوغان "أن أكثر من 3 مليون سوري يعيشون داخل تركيا ولا نستطيع تحمل موجة لجوء أخرى، ولا نستطيع ترك ملايين السوريين في إدلب تحت رحمة النظام السوري" وأضاف "قتلنا أكثر من 2000 فرد من النظام السوري ودمرنا 300 مركبة ومدارج طائرات ومخازن أسلحة كيميائية، والنظام السوري هو من أرغمنا على التعامل بهذا الشكل وعليه أن يدفع الثمن"، مشيرًا إلى أنه طلب من بوتين أن تفسح روسيا المجال لتركيا لتتعامل مع النظام السوري بمفردها.
هذه الشدة والصرامة من أردوغان كانت واضحة يوم أمس في حديثه مع الرئيس الروسي بوتين في اتصال هاتفي بينهم، إذ قال له "تركيا تعتبر جميع عناصر النظام السوري هدفًا مشروعًا، وأن هذه الأهداف ستكون تحت النار"، وحمل روسيا مسؤولية إيقاف اعتداءات النظام وفقًا للمادة الثالثة من اتفاقية سوتشي. واتفق الرئيسان في المكالمة على اللقاء الثنائي أوائل الشهر المقبل لبحث الحلول الممكنة، ويبدو أن الطبول لن تدق إلى حين ذلك اللقاء الذي تأجل أكثر من مرة بسبب تعنت الروس، وبعدها ستحدد أنقرة إلى أين ستولي وجهها.
وعطفًا على ما سبق، يمكن القول إنه إذا ما تواصل القصف التركي الذي تشارك فيه الطائرات المسيرة عن بعد بالوتيرة نفسها، فإن ذلك كفيل بقبول روسيا بشروط الأتراك، لأنه وحسب ناشطين فإن القصف التركي يوم أمس استهدف عشرات المناطق وخلف خسائر كبيرة في صفوف عناصر الأسد والمليشيات الإيرانية وعناصر من "حزب الله" اللبناني، الأمر الذي وصفه أحد الناشطين بقوله إن القصف التركي إذا ما استمر على هذه الوتيرة أسبوعًا آخر فلن يتبقى هناك عناصر يقاتلون إلى جانب الروس والنظام.
وفي الخاتمة، فإن استشراف المستقبل في الحالة السورية معقد للغاية، وفي الحقيقة جميع الخيارات مطروحة بما فيها الحرب، خاصة إذا حصل نوع من التوافق يضمن ذوبان تركيا بالحضن الأوروبي وطلاقها البائن من روسيا، وتقديم أنقرة لضمانات ولائها المطلق للناتو، فعندئذ ستكون موسكو مجبرة على التراجع أو القبول بشروط أردوغان، والجواب عن سؤال هل ستقرع طبول الحرب بين روسيا وتركيا؟ سيحدده بوتين شخصيًا فهو الناهي والآمر في سوريا.