الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التهجير البعثي والأسدي لآباء سوريا المؤسسين 

التهجير البعثي والأسدي لآباء سوريا المؤسسين 

04.01.2021
محمد ياسين نجار


 
سوريا تي في 
الاحد3/1/2021  
تميزت سوريا منذ مرحلة الخلافة العثمانية بتوفر الكفاءات البشرية من كل الاختصاصات العلمية وكانت حلب ودمشق إحدى أهم مراكز الإعلام في العالم العربي بالإضافة إلى القاهرة وبيروت؛ حتى الدعوة إلى الإصلاح الديني فإنّ التاريخ خلد المصلح الحلبي عبد الرحمن الكواكبي والذي اعتبر كتابه طبائع الاستبداد من أهم المراجع في الدعوة إلى تطوير النظام السياسي في البلدان العربية، أما على صعيد الجامعات فإنّ جامعة دمشق التي بدأت عام 1903 بكلية الطب والصيدلة، وكلية الهندسة في حلب عام 1946 وبذلك تكون الجامعات السوريا في القطاع الطبي والتقني من أوائل الجامعات العربية في العصر الحديث. 
رغم مرارة الاستعمار الفرنسي ونضال السوريين في سبيل تحرر بلادهم إلا أن قسوة النظام الفرنسي لم تصل إلى المستوى الذي وصلت له سوريا ما بعد عام 1963. 
كان انقلاب حزب البعث عام 1963 بداية لعصر الديكتاتورية والإقصاء الذي عاشته سوريا ولم تخرج منه حتى الآن؛ إلا أن قضية التهجير القسري والنفي التي خضع لها السوريون عامة والطبقة السياسية والمثقفة خاصة كانت أشد وضوحا. 
بدا واضحا منذ وصول البعث إلى الحكم أنَّه مختلف عن الانقلابات العسكرية السابقة من ناحية أنها غير مدعومة من الأحزاب السياسية، أما انقلاب 1963 فهو عبارة عن تحالف معقد بين العسكر والسياسيين، وحزب البعث تحول لاحقا إلى مجرد واجهة استغلها العسكريون ومن ثم عائلة الأسد للاستيلاء على الحكم. 
كانت سياسة التهجير القسري أساسية في نظام حكم البعث لتأسيس نظام ديكتاتوري شمولي؛ فالسوريون لم يقبلوا الديكتاتورية فترة الوحدة رغم إيجابيات كانوا يمنون النفس بها ولطالما حلموا بتحقيقها 
اتبع تحالف البعث مع القيادة العسكرية سياسة التهجير ضد النخبة السياسية؛ فقد شعر الانقلابيون أن هؤلاء يشكلون خطرًا واضحًا على استقرار حكمه فضيق عليهم مما جعل تلك النخبة تضطر إلى الهجرة المؤقتة وفقا لتصورها؛ لذا فضلوا لبنان النظام الأكثر انفتاحًا وقربًا من وطنهم لمراقبة الأوضاع إلا أن هجرتها طالت كثيرًا ولم تعد غالبيتها إلى سوريا. 
كانت سياسة التهجير القسري أساسية في نظام حكم البعث لتأسيس نظام ديكتاتوري شمولي؛ فالسوريون لم يقبلوا الديكتاتورية فترة الوحدة رغم إيجابيات كانوا يمنون النفس بها ولطالما حلموا بتحقيقها. 
نفذ الانقلابيون تلك السياسة من دون أدنى شفقة أو رحمة؛ فلم يكن يخلد في ذهن أي سوري أن تتم مكافأة الآباء المؤسسين ومن ساهم في بناء سوريا الحديثة واستقلالها بالتهجير والإبعاد عن الوطن وحتى منع دفن رفاتهم فيها؛ ومن دفن كان بتدخل دولي كما حصل مع الرئيس شكري القوتلي الذي مات في بيروت عام 1967حزنًا وكمدًا على ضياع الجولان على يد حافظ الأسد ولولا ضغط الملك فيصل رحمه الله لما دفن في دمشق مع امتناع السلطة الحاكمة عن المشاركة الرسمية بجنازته، أما الزعيم رشدي الكيخيا فدفن في قبرص عام 1987 ولم تتكحل مدينته حلب حتى برؤية رفاته ووداعه بالشكل اللائق لزعيم قدم كل ما يملك في سبيل رفعة وطنه وكذلك الرئيس ناظم القدسي الذي دفن في عمان 1998ورئيس الحكومة خالد العظم الذي خلد التاريخ بناءه لميناء اللاذقية مات فقيرًا في بيروت عام 1965 بعد الاستيلاء على أملاكه. 
وإذا ما تم استعراض تلك الأسماء نرى أنها شملت شخصيات وطنية بامتياز امتلكت رؤية واضحة لتطوير سوريا والنهوض بها فلا يمكن لعاقلٍ أن يقوم بتخوينها فما بالك أن يخسر إمكانياتها وخبراتها أمثال معروف الدواليبي ومصطفى الزرقا ومأمون الكزبري وعصام العطار وعلي الطنطاوي ومحمد المبارك. 
تابعت المنظومة العسكرية سياسة التصفية فيما بينها فحتى قادتهم قاموا بتهجيرهم أمثال أمين الحافظ وصلاح البيطار، أما ميشيل عفلق المؤسس للبعث وزعيمه التاريخي فقد ذاق من نفس الكأس الذي أذاقه لشركائه في الحكم فترة الديموقراطية فهرب إلى بغداد عام 1965 ودفن فيها عام 1989 ونفس الشيء حصل مع أكرم حوراني الذي دفن في عمان 1996وصلاح البيطار فقد اغتاله الأسد الأب في باريس 1980 ودفن في بغداد. 
لعبت حرب 1967 دورا رئيسًا في الإفراج عن المعتقلين من كل الأطراف من الرئيس أمين حافظ واللواء محمد عمران إلى قيادات في الإخوان المسلمين من أمثال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وفوزي حمد وعادل كنعان؛ كل الأسماء المذكورة غادرت لاحقا سوريا وتوفيت خارجها أما اللواء عمران فقد اغتيل في طرابلس عام 1972. 
بعد هزيمة 1967 أجمع البعثيون والمعارضون على تحميل حافظ الأسد وزير الدفاع في تلك الفترة أسباب الهزيمة بل إنَّ المحللين السياسيين أجمعوا لاحقا على أنها كانت خيانة وصفقة لاعتماده لاحقًا رئيسا للجمهورية، هنا بدأ الأسد يشعر أن اللجنة العسكرية في البعث والتي يقودها الرائد صلاح جديد أصبحت تشكل خطرا حقيقيا عليه؛ فلقد أصبحت الساحة السياسية السورية خالية ولم يبق أمامه من منافسين إلا صلاح جديد والمقربين منه مثل عبد الكريم الجندي الذي انتحر عام 1969 في مكتبه محذرًا من حافظ الأسد ومطامعه وإبراهيم ماخوس الذي هرب إلى الجزائر وتوفي فيها عام 2013 ويوسف زعين الذي اعتقله حافظ الأسد ولم يفرج عنه إلا بعد إصابته بالسرطان فأفرج عنه عام 1981 للعلاج فهاجر إلى السويد وتوفي فيها عام 2016. 
كرر حافظ الأسد عملية النفي والتهجير في الثمانينات لمن لم يستطيع تغيبهم في السجون فهاجرت الكثير من الكفاءات السورية من كفاءات علمية أطباء ومهندسين وحقوقيين وأساتذة جامعات وحتى علماء دين أمثال الشيخ طاهر خير الله والشيخ محمد عوض الذين دفنوا في المدينة المنورة خوفًا من التنكيل بهم؛ فسجون البعث والأسد لا ترحم ولا يمكن لإنسان استيعاب ما يحصل فيها من تعذيب. 
حاول الأسد الأب في أواخر حكمه التخفيف والسماح بالعودة لبعضهم مع عدم السماح لهم بممارسة السياسة بعد توقيعهم على تعهد بذلك من خلال وزيرة شؤون المغتربين بثينة شعبان والأجهزة الأمنية أو المشايخ أمثال البوطي تمهيدًا لتوريث الحكم لابنه. 
إن سياسة عائلة الأسد في التهجير الممنهج ساهمت في إفراغ سوريا من الشخصيات الكاريزمية المؤثرة في المجتمع 
مع بداية الثورة السورية طبق بشار الأسد نفس طريقة والده بتهجير الشخصيات المؤثرة مجتمعيًا من سياسيين ومثقفين وفنانين والتي عارضت خياره الأمني في معالجة مطالب الثوار فمارس عمليات تضييق أمني ممنهج ضدهم فاضطرت لاحقا للهجرة. 
إن سياسة عائلة الأسد في التهجير الممنهج ساهمت في إفراغ سوريا من الشخصيات الكاريزمية المؤثرة في المجتمع السوري وشملت عمليات التهجير أيضا رجال الأعمال الذين شعروا أن استثماراتهم أصبحت مهددة بعد أن شملها التأميم مرتين الأولى في مرحلة الوحدة والثانية في مرحلة ما بعد 1963 وتعميم الشعارات الشعبوية التي تهاجم البرجوازية وملاك الأراضي لدق إسفين عميق داخل المجتمع السوري تسمح لهم لاحقًا بالسيطرة على حكم سوريا من دون أدنى مقاومة مما نتج عنه ضعف شديد للدولة السوريا على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية ومنع ارتقائها إلى مستوى كانت سوريا تنافس خلالها دولًا صاعدة أمثال كوريا الجنوبية وتايلند وماليزيا. 
إن حديث روسيا ونظام الأسد عن عودة المهجرين ما هو إلا ذر للرماد في العيون هدفها الرئيس تعويم نظام الأسد، فالكفاءات السورية لن تقبل بالعودة ما دامت عائلة الأسد في الحكم والبقية شاهدت بأم عينها ما كان غائبا عنها في بلاد الغربة من حيث أساليب الحكم وإن الحاكم مجرد مواطن يعود بعد انتهاء ولايته إلى حياته الطبيعية وليس إلهً غير قابل للنقاش؛ فهل تكون التغريبة التاريخية السوريا درسا للسوريين مستقبلًا تمنع تكرارها من خلال حل سياسي متكامل ودستور فاعل يكون الشعب عماده؟ أم تعاد كرَّة انقلاب 1963ولا يُتعظ من دروس التاريخ!!!؟ 
 جدول بنخب سوريا التي هجرت ووارت الثرى خارج وطنها 
(حسب تاريخ الوفاة) 
الاسم المحافظة مواليد الحزب المنصب والدراسة عام الوفاة 
1 خالد العظم دمشق 1903 مستقل رئيس حكومة  حقوق لبنان - 1965 
2 شكري القوتلي دمشق 1891 الوطني رئيس جمهورية سياسة وإدارة بيروت-دمشق -1967 
3 حسني البرازي حماة 1895 الكتلة الوطنية رئيس حكومة  حقوق تركيا - 1975 
4 صلاح البيطار دمشق 1912 البعث رئيس حكومة فيزياء باريس-بغداد-1980 
5 محمد المبارك دمشق 1912 إخوان مسلمين وزير حقوق الرياض 1981 
6 رشدي كيخيا حلب 1899 الشعب رئيس برلمان الكلية الإسلامية نيقوسيا- 1987 
7 ميشيل عفلق  دمشق 1910 البعث وزير تاريخ بغداد 1989  
8 طاهر خير الله حلب 1922 مستقل شريعة المدينة المنورة-1989 
9 عبد القادر عيسى حلب 1920 مستقل شيخ طريقة صوفية إسطنبول-1991 
10 عمر بهاء الدين الأميري حلب 1916 إخوان مسلمين سفير حقوق الرياض-1992 
11 أكرم حوراني حماة  1911 البعث نائب رئيس الجمهورية حقوق عمان- 199 
12  فوزي حمد حلب 1927 إخوان مسلمين نائب رئيس حزب دكتوراة في الهندسة/  الرياض - 1996 
13 ناظم القدسي حلب 1906 الشعب رئيس جمهورية دكتوراة في القانون عمان -1998 
14 مصطفى الزرقا حلب 1925 مستقل وزير حقوق وشريعة الرياض -1999 
15 علي الطنطاوي دمشق 1909 مستقل قاض وأديب مكة المكرمة-1999 
16عمر عودة الخطيب دمشق 1926إخوان مسلمين وزير حقوق وشريعةالرياض-2003 
17 معروف الدواليبي حلب 1909الشعب رئيس حكومة دكتوراة في القانون الرياض-2004 
18حسن هويدي دير الزور1925 إخوان مسلمين رئيس حزب طبيب عمان-2009 
19 محمود بابللي حلب 1922 إخوان مسلمين دكتوراة في الحقوق الرياض-2009  
20 محمد عوض دمشق1931مستقل دكتوراة في الشريعة المدينة المنورة-2009 
21لاإبراهيم ماخوسلااللاذقيةلا1925البعث وزير طبيب الجزائر-2013 
22 يوسف زعين دير الزور1931البعث رئيس حكومة طبيب السويد- 2016 
23عادل كنعان حلب 1925إخوان مسلمين حقوق الدوحة - 2018  
إعداد : محمد ياسين نجار