الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التفكير في مرحلة ما بعد حلب

التفكير في مرحلة ما بعد حلب

15.12.2016
سامح المحاريق


الرأي الاردنية
الاربعاء 14/12/2016
باتت معركة حلب في مراحلها الأخيرة، ويعتبرها كثيرون بمثابة المعركة الفاصلة في الحرب الدائرة في سوريا، ستالينجراد أو سايجون جديدة، وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للمدينة إلا أن وصفها بالمعركة الفاصلة مسألة مبكرة للغاية.
بينما تركزت جهود الجيش السوري لإنهاء تواجد المعارضة بمختلف أطيافها وتصنيفاتها في مدينة حلب، فإن تنظيم داعش أخذ يباغت جنوباً ويسيطر على مدينة تدمر من جديد بعد أن اعتبر طرده من المدينة قبل فترة ليست بالبعيدة نقطة تحول مهمة في مجريات الأحداث الميدانية، وهو ما سيجعل من المحطة القادمة، أو المحطة التي يترقبها العالم في الرقة مسألة صعبة وتحدياً جديداً.
الأتراك الذين كان لتحول موقفهم اسهامه في الوصول إلى الحسم في المدينة سيجدون حسابات أخرى في التقدم لمحور الرقة–دير الزور، وكذلك ستتغير الحسابات الكردية، والمتوقع أن يكون الموقف في الرقة مختلفاً، وبحاجة لتحالفات جديدة على الأقل ليتجنب السوريون والروس مواجهات جانبية كثيرة، وطبيعة التصريحات التي ستصدر عن دمشق وموسكو في الأيام المقبلة، مع التفاعلات الميدانية، من شأنها أن تحدد شهية الأطراف الفاعلة في التعامل مع المحطة القادمة من الحرب في سوريا.
الزحف العراقي من الشرق والتقدم السوري غرباً يمكن أن يجعل الخيارات المفتوحة لداعش تتجه للجنوب، وهو الأمر الذي سيدفع الأردن إلى إعادة النظر في مواقفه السياسية والعسكرية في المرحلة المقبلة أيضاً، ومع أنه لا يوجد ما يدعو للقلق عملياً على الحدود الأردنية لأسباب تتعلق أصلاً بالجاهزية الأردنية والانفتاح على جميع الاحتمالات بخصوص تطورات الإقليم، بجانب أصلاً عدم ملاءمة الأراضي الحدودية بين الأردن والعراق لأسلوب المباغتة الذي تمارسه داعش، إلا أن ذلك لا ينفي أن الأردن عليه التحضير لتكبد تكلفة إضافية للمحافظة على مجاله الأمني في الأراضي السورية والعراقية، ولكن من سيتحمل التكلفة بجانب الأردن، ولماذا يتوجب على الأردن أن يبقى في موقع الترقب على المدى الطويل.
السياسة الأردنية تجاه دمشق تشهد حالات من الجزر والمد، ولكن الأمر نفسه لا ينطبق على التنظيم الإرهابي الذي يعتبره الأردنيون عدواً يجب الوقوف أمامه في جميع الظروف، وهو ما لا يجب أن يتغيب على الصف الداخلي ممن يدفع بالتركيز على حلول مبكرة لفوضى العلاقة الأردنية – السورية، والأردن في النهاية قدم خدمات أمنية للجميع من خلال صموده وتماسكه أمام محاولات التنظيمات الارهابية تصدير أزمتها وراء الحدود السورية والعراقية، ولذلك فإن لا دمشق ولا غيرها يستطيع أن يدفع بالأردن إلى خانة تبادل الاتهامات، ومشكلة الجميع مع الأردن في الشأن السوري أن عمان تصرفت بواقعية وبرغماتية لم تعتدها الدول الحليفة على امتداد السنوات الماضية.
الصوت المرتفع لما يجري في حلب يمكن أن يتسبب في حالة من الصمم المؤقت، وأن يخطف الأبصار على أرضية تقييم الأداء السياسي الأردني تجاه أزمة عالمية معقدة شهدت تبدلات وتنقلات كثيرة بين اللاعبين الرئيسيين فيها، ولكن يتوجب الانتباه بأن الحرب لن تنتهي في حلب، وأن مرحلة ما بعد حلب تتطلب كثيراً من اليقظة والتنبه، فحلب معركة فاصلة، لا بمعنى أنها ستحسم الحرب، ولكن ستوجه زخمها وايقاعها في اتجاه مختلف.