الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "التعفيش" وفوضى الحروب

"التعفيش" وفوضى الحروب

02.06.2018
يونس السيد


الخليج
الخميس 31/5/2018
عمليات السلب والنهب التي تتم تحت مسمى "التعفيش"، والتي تفاقمت مؤخراً على نطاق واسع في سوريا، خصوصاً في المناطق التي استعادت قوات النظام السيطرة عليها، تحولت إلى ظاهرة خطيرة تقض أركان المجتمع السوري، بعدما أصبحت ظاهرة منظمة لها من يديرها ويشرف عليها، ولها أسواقها الخاصة المفتوحة لبيع المسروقات والأشياء المنهوبة.
"التعفيش" هو مصطلح سوري بامتياز، وقد لا يكون له امتدادات في دول أخرى، ذلك أنه أحد إفرازات الحروب ووجوهها الكثيرة، القبيحة والمدمرة للمجتمع ومنظومة القيم والأخلاق السائدة فيه، بقدر ما هو مؤشر على انهيار سلطة الدولة والمؤسسات، وبالمقابل على حالة الفوضى وانعدام الأمن في المناطق التي خضعت أو تخضع لسيطرة المعارضة، إذ إن ظاهرة "التعفيش" لا تقتصر على قوات النظام، وإن كانت أبرز مظاهرها تجلت خلال معركة السيطرة على شرقي حلب، وانتقلت إلى الغوطة الشرقية وأحياء جنوبي دمشق ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وإنما شملت أيضاً معظم المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة، وخصوصاً في مناطق شمال وشمال غربي سوريا، وكان أحدث فصول ظاهرة عمليات النهب والسلب و"التعفيش" ما جرى في عفرين بعد اجتياحها من قبل الفصائل الموالية لأنقرة، وما تناقلته وسائل إعلام معارضة ومواقع التواصل الاجتماعي من عمليات سطو على الأملاك العامة ونهب المؤسسات الخدمية في إدلب، ووصل الأمر إلى حد سرقة الأسلاك الكهربائية النحاسية، والسكك الحديدية في سهل الروج غربي إدلب، وذلك بفك الأسلاك وصهرها وبيعها في السوق التركية.
ومع ذلك، سنتوقف أمام حالة "التعفيش" في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حيث يفترض أن تخضع قوات النظام لقوانين وأنظمة عسكرية، وأن تكون أكثر انضباطاً من غيرها، وأن يخضع جنودها للمحاسبة والعقاب كما في كل الجيوش في العالم، لا أن يتم درء الفضائح بتبرؤ المؤسسة العسكرية من جنودها المتورطين في عمليات السرقة والنهب، أو إلقاء اللوم على الشرطة العسكرية الروسية التي قبضت على هؤلاء الجنود متلبسين ومارست الإهانة والإذلال بحقهم، وقد تكون محقة في ذلك طالما أن هؤلاء الجنود لم يجدوا من يردعهم، بل وجدوا أسواقاً "للتعفيش" لبيع مسروقاتهم تحت أنظار المؤسسة الرسمية كما في سوق ضاحية الأسد، وطالما أن ذلك يدخل في صميم عمل القوات الروسية التي استدعيت في إطار اتفاقات الإجلاء لتسيير دوريات لمنع حدوث أي تعديات على المدنيين والأملاك الخاصة والعامة.
في هذا المقام ينبغي التوقف أيضاً عند مخيم اليرموك، إذ لماذا يتم تهويل ما حدث فيه مع أنه تعرض منذ عام 2012 لموجات من السلب والنهب، بدأها تنظيما "داعش" و"النصرة" مروراً بفصائل مسلحة أخرى، وأخيراً قوات النظام التي اكتسحت ما تبقى. صحيح أن مثل هذه الظواهر غالباً ما ترافق الحروب، ولكن الصحيح أيضاً أنه يمكن ضبطها أو الحد منها قدر الإمكان.