الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التصريف الدبلوماسي للثورة السورية

التصريف الدبلوماسي للثورة السورية

19.03.2017
علي طيبا



العربي الجديد
السبت 18/3/2017
مع نهاية الحرب الباردة والتحولات الاستراتيجية وبروز النظام الدولي الجديد الذي ساهم في تغذية مظاهر العنف وتشجيع التفكك الداخلي للدول، تطلّب الأمر تطوير الوسائل الدبلوماسية لمعالجة الأخطار الأمنية المستجدّة، وتطوير أدبيات الدبلوماسية وإدارة النزاعات الدولية، فظهرت مفاهيم جديدة، مثل الدبلوماسية الوقائية، ومفهوم صنع السلام وحفظ السلام وبناء السلم.
تبيّن بعد الحرب الباردة أنّ النزاعات الداخلية والأحداث داخل أيّ دولة تؤثر على الأحداث في الدول الأخرى، وهو ما أثار مسألة التدخل الإنساني لمواجهة انتهاكات كثيرة جسيمة لحقوق الإنسان، وإلى ظهور تكاتف بين عمل الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية في إطار الدبلوماسية المتعدّدة المسارات.
انتقلت تعريفات كثيرة للدبلوماسية من اليونانية إلى اللاتينية إلى اللغات الأوربية إلى اللغة العربية، علماً أنّ المعنى الشائع شعبياً لها النفاق، وهو المفهوم الذي ترسّخ مع العمل الدائم التعثّر للدبلوماسية الدولية في حلّ قضايا الشرق الأوسط. ومع الثورات الشعبية التي اجتاحت المنطقة العربية وسورية بشكل خاص، صارت مراوغات الدبلوماسية واقعاً يطيح آمال الشعوب بالحرية والكرامة الإنسانية .
على الرغم من وصف معاناة الشعب السوري "بأنّها أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية"، يستمر نزيف الجرح السوري الدامي في أعلى جبين ضمير الإنسانية. مع عجز الدبلوماسية الدولية عن وقفه، على الرغم من رعاية قطبي الشرق والغرب لها، والتي حوّلت المفاوضات من وسيلة لحلّ المشكلة إلى مشكلة بحد ذاتها.
مع دخول الثورة السورية في آلية "التصريف" الدبلوماسية الدولية التي يتم تركيبها حديثاً وفق توازن القوى ووفق مصالح هذه القوى، هبطت بورصة المطالب الشعبية في المحافل الدولية، وتعرّضت لتصريف تدريجي انتكاسي، وفق مصالح داخلية سلطوية ضيقة، أو وفق المصالح الدولية والإقليمية، الأمر الذي ساير الانحرافات الميدانية للثورة عن هدفها الأساسي، بما يماثلها من توصيفاتٍ للدبلوماسية الدولية والإقليمية والسورية حول ما يحدث في سورية، والتي تُظهر المفاوضين كأنّهم يختبئون خلف أقنعة في حفلة تنكرية، تتلوّن، مع الوقت، عناوينها من حرب أهلية إلى إرهابٍ إلى أزمةٍ إلى قضية إلى مسألة إلى مؤامرة إلى حكومة ائتلاف إلى حصص إلى سلال إلى كف عدس.
تتميز الوفود السورية، نظاماً ومعارضة، بمرجعيتها الفكرية والسيكولوجية والماهيوية ذاتها، ما حوّل مفاوضاتها إلى صراع على السلطة وادّعاء شرعية مفقودة، وهو أمر لا يحتاج إلى كبير جهد لاكتشافه، حتى صار عامة السوريين غير مكترثين بكلّ الأطراف، وما يصدر عنهم في الإعلام عبر مزاميرهم التي لم تعد تطرب أحدا.
وممثلو الدبلوماسية الروسية والأميركية، وحتى دبلوماسيي الأمم المتحدة، وقف على رؤوسهم طير الحكمة، فيدخلون ويخرجون من المفاوضات بوجوه حيادية، وبلا ملامح وبلا خجل يلقون بياناتهم مبرّرين قتل الوقت، مع عجزهم عن وقف القتل.
يأتي الجميع إلى جنيف على سكة واحدة، يقيس تقدّمه وخطواته بالأمتار والسنتيمترات، في لعبة السياسة التي ليست لعبة كالألعاب التي لها قواعد واضحة، ونحن بسذاجة عديم الحيلة الذي يميل إلى طرف أكثر من طرف، نتابعها كأنّها رياضة أخلاقية، ونغضب لتجاوزاتهم الأخلاق، فنقيس حجم الوطن بمدى ارتفاعه، والذين في قاعة المفاوضات يتمسكون بالطول أو العرض، وهم يفتقدون لهما في الجوهر، لتحديد المساحة التي يريدون امتلاكها.
دخول الثورة سنتها السابعة وتتالي التقارير الحقوقية والقانونية الدولية دليل على عجز المجتمع الدولي عن فرض حل لوقف العنف. وفي حال استمرار آليات التصريف الدبلوماسي التي يتحكّم بها "البنك الدولي الدبلوماسي"، بقيادة مجلس الأمن، ربما يتم تفصيل طاولة موّسعة، بحسب سعر صرف "الجنيهات" أو الجنيفات المقبلة في حال تقديم منصات جديدة، بما يتناسب ورغبات العواصم الراعية، مثل منصتي حميميم ومنصة بيروت وغيرها من المنصات التي ربما تَعِد بها سيرة المفاوضات بالشكل التي تعالج به.