الرئيسة \  تقارير  \  التشدد في أوكرانيا.. بلا مقومات

التشدد في أوكرانيا.. بلا مقومات

14.06.2022
روس دوثات


روس دوثات
الاتحاد
الاثنين 13-6-2022
بالتأكيد، إنه ينجح من الناحية العملية، لكن هل ينجح من الناحية النظرية؟ على مر السنين، سمعت هذه المحاكاة الساخرة للتفاخر الأكاديمي على شفاه مختلف الأطياف، من المثقفين الفرنسيين إلى الاقتصاديين في جامعة شيكاغو. وفي الآونة الأخيرة بدأت أفكر في الأمر بنفسي، حول الجانب المتشدد في الجدل حول حرب أوكرانيا، والتي حققت سياساتها العملية حتى الآن نتائج إيجابية، لكن نظرياتها الأعمق حول الصراع ما تزال قابلة للتصديق أو غير قابلة للتطبيق أو خطيرة. لم أكن من المتشددين في الرأي بشأن أوكرانيا قبل اندلاع الحرب. شعرت أن الولايات المتحدة قد تحملت التزامات مفرطة ببابها نصف المفتوح لعضوية أوكرانيا في حلف “الناتو”، وأن شرق أوكرانيا، على الأقل، لا يمكن الدفاع عنه ضد العملية العسكرية الروسية دون التزام عسكري أميركي كامل النطاق. ربما كان إرسال الأسلحة إلى كييف أمراً منطقياً، لكن كوسيلة لتعطيل التوغل الروسي في نهاية المطاف، وليس لإيقافه تماماً. وقد بدا الانهيار الأوكراني، من النوع الذي رأيناه من الحكومة الموالية لنا في أفغانستان، ضمن نطاق الاحتمالات المتوقعة. الحربُ نفسُها تحدت تلك التوقعات. ثبت أن المتشددين على حق بشأن قدرة أوكرانيا البسيطة على القتال.
وثبت أنهم على حق في أن الأسلحة الأميركية يمكن أن تساعد بالفعل في تخفيف حدة الاجتياح الروسي، وليس فقط خلق تمرد خلف خطوطه. لذا فقد انضممت إلى المتشددين في مجال السياسة العملية حتى الآن. لقد نجح دعمنا العسكري لأوكرانيا، حيث قمنا بحماية دولة ذات سيادة وأضعفنا خصماً دون إثارة تصعيد خطير من الجانب الروسي. وفي الوقت الحالي، ومع استمرار روسيا في شن هجماتها بينما تتجنب في الغالب طاولةَ الجلوس إلى المفاوضات، لا يوجد أي مخرج واضح نحو السلام يجب أن نجبر كييف على اتخاذه.
ومع ذلك، عندما أقرأ النظريات الأوسع للمعلقين المتشددين، وأفكارَهم حول الرؤية الاستراتيجية لأميركا والكيفية التي يجب أن نسعى بها لإنهاء الحرب، أجد نفسي حائراً بسبب ثقتهم وتحكمهم. على سبيل المثال، ومع كل نجاحاتهم الدفاعية، لم يثبت بعد أن الجيش الأوكراني يمكنه استعادة مساحات كبيرة من الأراضي في جنوب وشرق البلاد. ومع ذلك، نرى إصرار آن أبلباوم من مجلة “ذي أتلانتك” على أن هزيمة روسيا فقط يمكن أن تعيد الاستقرار الأوروبي، بينما يدعو كيسي ميشيل في نفس المجلة إلى تفكيك الاتحاد الروسي، باعتباره السياسة الوحيدة لتحقيق السلام الدائم! ومرة أخرى، خصصت الولايات المتحدة مبلغاً استثنائياً لدعم أوكرانيا، وهو أكثر بثلاثة أضعاف من الدعم الذي قدمه الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، عندما أثار مجلس تحرير هذه الصحيفة أسئلةً حول استدامة هذا الدعم، كان رد العديد من المتشددين بشأن أوكرانيا غاضباً: كيف تجرؤ على الجدال بشأن حق أوكرانيا المطلق في القتال “حتى تحرر كل شبر من أراضيها”، وبشأن دور أميركا “المتواضع” و”الاستشاري” في صنع القرار الأوكراني وأهمية “تحرير شيكات الدعم المطلق لكييف”! يبدو أن كل هذه النظريات تخلط بين ما هو مرغوب فيه وما هو محتمل، وما هو مثالي من الناحية الأخلاقية وما يمكن تحقيقه استراتيجياً. لقد كتبتُ من قبل عن مخاطر التصعيد النووي في حالة انهيار الجيش الروسي، وهي مخاطر تقلل النظريات المتشددة من تقديرها.
لكن بالنظر إلى حالة الحرب في الوقت الحالي، فإن السيناريو الأكثر احتمالية في المستقبل القريب هو أن يظل “الانهيار الروسي” خيالا لطيفاً، ويصبح الصراع مجمداً، وعلينا أن نضع سياستَنا الأوكرانية على أسس مستدامة دون التفكير في تفكيك الاتحاد الروسي. وفي هذا السيناريو، لا يمكن أن تكون خطتنا هي الاستمرار في تحرير عدد لا يحصى من شيكات الدعم، بينما نتحرك بحذر حول الأوكرانيين ونسمح لهم بإملاء الغايات التي تستخدم من أجلها أسلحتنا. إن الولايات المتحدة قوة عالمية مهيمنة تواجه تهديدات غير يسيرة.
ونحن أيضاً دولة منقسمة داخلياً، يقودها رئيس لا يحظى بشعبية كبيرة جداً، وقد تكون أغلبيته على وشك الانهيار السياسي. لذا، إذا كانت كييف وموسكو تتجهان نحو صراع مجمّد يمتد لعدة سنوات أو حتى عقود، فسنحتاج إلى دفع أوكرانيا نحو استراتيجيتها العسكرية الأكثر واقعيةً بدلاً من الاستراتيجية العسكرية الأكثر طموحاً. وبنفس القدر من الاستعجال، سنحتاج إلى تحويل بعض عبء دعم كييف من ميزانيتنا الخاصة إلى حلفائنا الأوروبيين. تتوافق هذه الأهداف مع ما فعلناه حتى الآن، ومن الواضح أنه يمكن تكييفها إذا ظهرت فجأة فرص أفضل. لكن النظرية الاستراتيجية الجيدة تحتاج إلى تحمل الصعوبة واستيعاب التحدي. الخطر الآن هو أن الإنجازات العملية لسياستنا المتشددة تشجع النوع المعاكس من التنظير، أي الغطرسة التي تبدد نجاحنا المؤقت.
روس دوثات*
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “نيويورك تايمز”