الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التذمر الروسي وحماية الإجرام

التذمر الروسي وحماية الإجرام

29.03.2017
د. يحيى العريضي


 كلنا شركاء
الثلاثاء 28/3/2017
لا نستطيع الإبقاء على طائراتنا في الأجواء السورية على مدار الساعة للحفاظ على كرسي النظام في دمشق”. هذا اقتباس من الصحيفة الروسية /نيزا فيزمايا غازيتا/ نقلته عن مصدر روسي في معرض توصيفه للوجود الروسي في سورية؛ حيث تبعه في اليوم التالي انتقاد شديد اللهجة للأداء الرديء  والتنظيم المعدوم والروح القتالية المتدهورة لـ”جيش الأسد” في معرض التعليق على ما يجري من مواجهات ميدانية في مختلف الأماكن السورية
يصعب الجزم بدقة ومصداقية ما ورد روسياً، إلا أنه يترجم ويعكس حالة غير مستقرة للمقاربة الروسية بشقيها العسكري والسياسي تجاه القضية السورية؛ فأول ما يتبادر إلى الذهن هو احتمال التجاذب الذي ربما يصل إلى حدود التناقض بين قطاعي الدفاع والخارجية؛ وفي النهاية قد لا يشترك “شويغو”- وزير الدفاع- مع “لافروف” -وزير الخارجية- بكره الإسلام، ولا هو ربما جاهز لبناء أمجاد لزميله في الخارجية على حساب أهوال يواجهها عسكرياً على الساحة السورية.
عندما تتسرب معلومات عن ضرورة خروج ميليشات إيران إثر “أستانة” الأخير، لا يعتقدن أحدٌ بان المسألة تتعلق فقط بالعين الحمراء أمريكياً تجاه إيران. للأمر خلفياته الميدانية المتمثلة بوقوف جنود “شويغو” على حقائق تخريبية وانتقامية لميليشات إيران عند احتكاكهم بالقوى الروسية- وخاصة في حلب. عندما كانت شكوى الفصائل الثورية السورية من عدم الإلتزام بوقف إطلاق النار، كان المرافع الأساس عن النظام والميليشيات الإيرانية قطاع وزارة الخارجية لا الدفاع. من هنا جاءهجوم طاقم لافروف و تعليقاته  على ما يجري في غوطة دمشق ومناطق أخرى في سورية، وربطه ذلك بالتأثير على محادثات “جنيف”، وكأنه صدى لـ “مسيلمة الجعفري”.
لا بد ان وزارة الدفاع الروسية متعبة لدرجة لا تُوصف مما يجري في سورية؛ ولا بد أن دورها في خلق محطة أستانة كان فاعلاً عندما حصرتها بتثبيت وقف إطلاق النار. وما محاولة حرفها عن مسارها عبر دحش مسألة الدستور بها إلا سعياً روسياً داخلياً تناقضياً لإجهاضها، وبالمعيّة تقويضاً لجنيف رغم الثقل الدولي وراءه. منذ البداية لم يكن لافروف مغرماً بجنيف، ولا هو سعى لتشويه بيان جنيف الأساسي في الحل بسورية وخرج مع زميله المغيَّب “كيري” بمسخ سمّياه 2254. بالمناسبة، مؤخراً هناك حديث للافروف مع مسؤول غربي من “أصدقاء سورية” يقول فيه: “نحن خلقنا 2254 ونحن نفسره أو نغيّره كما نشاء”. من هنا يأتي إصرار الرجل على “المنصات” وشخوصها الذين لا يمثلون إلا أنفسهم، وعلى “حكم” غير طائفي، وكأن المشكلة الوحيدة في العصابة الحاكمة أنها طائفية؛ ومن هنا يريد أن يكتب “دستوراً” ويجري “انتخابات” على حطام سورية؛ ومن هنا لم يجد طريقةً افضل من دفع “الجعفري” إلى مزيد من التشويه للقرار المسخ سلفاً 2254 بإضافة “سلة” جديدة سموها “مكافحة الإرهاب” رغم علمهم أن في تنفسهم إرهاب؛ ولكن كل هذا التشويه للإجهاز على أي إمكانية لحل سياسي في سورية قوامه عملية انتقال سياسي لفترة انتقالية تتم فيها إعادة سورية إلى سكة الحياة دون العصابة التي فعلت كل ذلك بسورية.
يعرف “لافروف” أن الجرح السوري لا يمكن أن يتماثل إلى الشفاء دون انتقال سياسي حقيقي، ولا يمكن أن يعود من هُجِّر من سورية إلا بذلك، ولا يمكن إعادة الإعمار في سورية إلا بزوال الطغمة التي يحمي. والأهم  من كل ذلك أن داعش لا يمكن أن تُهزم إلا بزوال المغناطيس الدموي الذي جذبها وتبادل معها تنافسياً ممارسة الارهاب في سورية وخارجها.
من هنا كان اللعب الروسي بـ “ديمستورة”، ومن هنا كان تطاول الجعفري عليه. كل ذلك من أجل حل عسكري بالطريقة السياسية. وهذا ربما يفسر التذمر العسكري الروسي تجاه عصابة تحتاج الطائرات الروسية للبقاء في الأجواء على مدار الساعة. من هنا أيضاً التوصيف المهين لـ “جيش بشار”. وقد يكون الحديث عن إخراج إيران وميليشيات “حزب الله” في هذا السياق بالذات. ولكن حتى الآن هذا التناقض التنافسي بين “شويغو” “ولافروف” لم يخرج إلى العلن؛  طوة دكتاتورية بوتين التي يتنافس الاثنان على إرضائها.
متى تنتهي المهمة الروسية في سورية؛ والتي يتحسس المرء أصابع أمرو-إسرائيلية خلفها؛ لا أحد يدري. متى سيغلق الغرب ملفات بوتين الثقيلة، ويريح سورية قليلاً؛ أيضاً، لا أحد يدري. أسئلة تبقى مفتوحة كجراح سورية النازفة. لا بد لليل أن ينجلي. التذمّر من حماية القتلة قد تكون البداية.