الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التدخل الإقليمي والدولي في الشأن السوري

التدخل الإقليمي والدولي في الشأن السوري

05.07.2015
حسين العودات



السفير
السبت 4/7/2015
بدأ التدخل في الشأن السوري خجولاً وجزئياً، وقد عبّر عن نفسه في المراحل الأولى من الانتفاضة بدعمها السياسي والإعلامي والاعتراف بها والتشكيك في شرعية السلطة السياسية السورية بل في شرعية النظام برمّته. ثم تطوّر هذا التدخل على النطاق الإقليمي بقرارات أصدرتها جامعة الدول العربية، كانت تشير بوضوح إلى رغبتها بالتدخل في الشأن السوري كشريك فيه. ثم أرسلت بعثة تقصي حقائق، ولكن لأن جامعة الدول العربية ليست لديها الخبرة ولا القدرة الكافيتان لحسم الموقف السوري، وبسبب الرفض السوري لدور الجامعة العربية من حيث المبدأ، خرجت بعثات الجامعة صفر اليدين، فلا هي أقنعت أو أجبرت السلطة على إقرار حلّ متوازن، ولا هي فرضت مثل هذا الحل، وكانت الأزمة خلال هذه الفترة تكبر مثل كرة الثلج، وبدأت السلطة باستخدام العنف بل ولغت فيه وذهبت بعيداً، ورفضت أيّ حل بديل تفاوضي غير عنيف، منطلقة من نظرة غير موضوعية للشروط القائمة، ومفترضة أنها سوف تحقق انتصاراً عسكرياً باهراً وسريعاً. وفي الوقت نفسه، بدأت منذ اللحظة الأولى تتهم المعارضة والحراك الشعبي الهائل والمنتفضين بأنهم عملاء للخارج ومندسّون وبأنهم قبضوا أموالاً وتسلّموا أسلحة وكدّسوها في المساجد، وأخذوا يأتمرون بأمر الطرف الإقليمي والدولي الذي يتدخّل في الشأن السوري.
وذهب إصرار الجماهير الشعبية على سلمية الانتفاضة ورفض استخدام العنف أدراج الرياح، حيث كانت السلطة تقابل كل إجراء من هذه الإجراءات بمزيد من القمع والعنف والاعتقال والتعذيب ورفض أي إصلاح جدّي. إذ إن الإصلاحات التي قامت بها السلطة في الأشهر الستة الأولى بعد تفاقم الحراك الشعبي، لم تتجاوز إصلاحات شكلية لبعض مواد الدستور (إلغاء المادة الثامنة التي تقرّ بقيادة حزب "البعث" للدولة والمجتمع وتغيير قانون الأحكام العرفية لما هو أسوأ، وتكليف الجهات الأمنية بموجب التعديل بمهمات المدعين العامين وتأسيس محاكم الإرهاب التي لا تستند أحكامها على قوانين محددة...)، وبالتالي كان التعديل خطوات إلى الوراء زاد الأمور سوءاً، وأيقن الشعب السوري عندها أن السلطة السياسية لا تريد أي تعديل أو تغيير أو إصلاح للنظام السياسي القائم أو لهيكلية الدولة، كما أنها ترفض أي حوار مع قوى المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقد أفشلت بالفعل محاولات المعارضة اقتراح مثل هذا الحوار بل أفشلت مؤتمر حوار عقدته السلطة نفسها برئاسة نائب رئيس الجمهورية، اتخذ سبعة عشر قراراً لم ينفذ منها قرار واحد، وكان مسؤولو السلطة يكررون صباح مساء أن الانتفاضة انتهت، وأن الحراك القائم هو بقايا لهذه الانتفاضة وبالتالي فالمؤامرة فشلت، وعقد أهل السلطة العزم على العودة للتحكم برقاب الناس بأقوى مما كانوا.
لقد بدأت المعارضة السورية انتفاضتها بداية صحية من خلال شعاراتها وأساليب عملها، فقد كانت الشعارات تدعو لوحدة الشعب السوري وتطالب بالحرية والكرامة ومحاربة الفساد، ولم تتجاوز أساليب عملها التظاهرات الشعبية والمسيرات السلمية التي عمت المدن السورية كلها، ولم يكن بإمكان أحد أن يتهم هذه الانتفاضات الشعبية لا بالعنف ولا بسوء الرؤية. وبرغم مزيد العنف الذي استخدمته السلطة والدماء التي بدأت تسيل وإنزال الجيش من ثكناته إلى الساحات والشوارع العامة، وفتح باب المعتقلات والتشديد بتطبيق الأحكام العرفية، لم تغير الجماهير الشعبية أساليب عملها ووقفت في الواقع بوجه أي تدخل أجنبي عسكري إقليمي أو غير إقليمي. وكان واضحاً بذلك الوقت أن القسم الأكبر من المنتفضين يرفضون التدخل العسكري الأجنبي في الشأن السوري، ويفترضون أن السلطة لابد أن تصل إلى قناعة بعقد التفاوض لرسم ملامح نظام سياسي جديد، بلورته بشعارات بسيطة هي إقامة نظام ديموقراطي تعددي تداولي.
لقد فتح عَنْت السلطة هذا الباب على مصراعيه لمزيد من التدخل الإقليمي والدولي، عن طريق بذل المال وتقديم السلاح لإثارة حروب لا تنتهي في سوريا، ولأن السلطة استسهلت الحديث عن المنظمات الإرهابية واعتبرتها ضعيفة، فقد كرست الحديث عن الإرهاب المحلي وساهمت في عقد صفقة مع بعض الإرهابيين القابعين في سجونها، على أمل أن يكونوا ملكاً لها من جهة، ويأتمرون بأمرها من جهة أخرى. وصار الخيار يبدو ضيقاً بين الحركات الإرهابية وبين السلطة السورية. ومن البديهي أنه لو وصل الأمر لمثل هذا الخيار فإن الموقف الإقليمي والدولي لن يختار الإرهاب، ولكن الذي حصل هو أن الدول الإقليمية وبعض الحركات الثورية والسياسة الدولية رفضت السلطة والمنظمات الإرهابية معاً وفي آن واحد، ثم تفاقم أمر المنظمات الإرهابية وخرجت عن الطوق ولم يعد بالإمكان لملمتها. وغدت هذه المنظمات عقبة جديدة أمام أي تطور، واستطاعت السلطة السورية أن تلعب على الشروط الجديدة بإتقان، وتستفيد من وجود هذه المنظمات. وفي الوقت نفسه، بدأت هذه المنظمات تنشر رسائلها وممارساتها في الخارج، بما جعلها عبئاً على السياسة العالمية، واختلط الحابل بالنابل ولم يعد بالإمكان فكفكة الأزمة السورية من دون أخذ أمر هذه المنظمات بعين الاعتبار.
لم تبخل الدول الإقليمية في دعم منظمات المعارضة سواءً بالسلاح أو بالمال أو بالتدريب. وبالتالي أعطت لنفسها الحق بتقرير سياسات منظمات المعارضة، وتلاشى شيئاً فشيئاً دور هذه المنظمات، ولم تعد صاحبة القرار بل صارت تابعاً ثانوياً غير ذي جدوى لهذه القوى الإقليمية. ولأن هذه القوى لم تكن تهتم يوماً لا بوحدة المعارضة ولا بوحدة أهدافها ولا بأساليبها، فقد بقيت هذه المعارضة مشرذمة غير متفقة على أي شيء، وما هي إلا أدوات تلعب بها الدول الإقليمية والدولية، ثم صارت الحرب حرب الآخرين في سوريا، كما صار حل الأزمة يرتبط باتفاق هذه القوى على الحل، وهذا ما لم يحصل. وعلى ذلك بقي الأمر صراعاً بين المصالح المحلية وإلإقليمية والدولية، وكل من هذه القوى يزعم وصلاً بليلى وأنه يعمل لمصلحة الشعب السوري، ومنع دمار بلاده وسيلان دمائه وإنهاء مأساته، ومساعدته على تأسيس نظام سياسي اجتماعي جديد.