الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التفجير الانتحاري ودروسه

التفجير الانتحاري ودروسه

23.11.2013
د. نقولا زيدان


المستقبل
الجمعة 22/11/2013
بوسع اللبنانيين جميعاً أن يعتبروا التفجير المزدوج الذي ضرب صباح الثلاثاء في 19 تشرين الثاني الجاري واحداً من التفجيرات التي اعتادوا عليها منذ خروج القوات السورية في نيسان عام 2005 بفعل انتفاضة الأرز التي سجلت أكبر حشد جماهيري في تاريخ لبنان (14 آذار) والتي هدأت طيلة سنوات، لتعاود سيرتها السابقة المشؤومة مع الأزمة السياسية الخانقة في ظل سيطرة حزب الله على المفاصل الرئيسية للبلاد بدعم مباشر من النظام الأسدي السوري ومن ورائه النظام الإيراني. وبصرف النظر عن عدد الضحايا الأبرياء (23 عدد القتلى) وعشرات الجرحى فإن الاعتداء الذي وقع يجدر باللبنانيين التوقف عنده بكثير من الاهتمام والتركيز العميق على ملابساته والخلوص الى استنتاجات.
من الخطأ بمكان النظر الى هذا الحادث بمعزل عن القتال الدموي الدائر في سوريا بين النظام الأسدي والمعارضة منذ ثلاث سنوات، هذا القتال الذي راح تدريجاً يتحول ليس الى حرب أهلية فحسب بل الى صراع مذهبي هو في الواقع الملموس كبقعة الزيت تتفشى في جميع الاتجاهات داخل دول المنطقة ويثير ثارات وأحقاداً مضت تعود الى مئات السنين الخالية. فالدور الخطير الذي اندفع فيه النظام الإيراني في مساندة النظام الأسدي عبر الدعم السياسي والعسكري واللوجستي والمالي بل بإرسال قوات إيرانية بالبزات العسكرية الرسمية الى سوريا، بالتنسيق الكامل والمباشر مع ميليشيات حزب الله اللبناني ولواء أبو الفضل العباس وصولاً الى مقاتلين قادمين من آسيا الوسطى واليمن، أسبغ على هذه الحرب طابعاً مذهبياً كريهاً وعمق الخلافات بين أبناء الشعب السوري الواحد.
وتشير المعلومات والأرقام الى أن طهران قد أنفقت خلال سنوات الحرب السورية عشرات المليارات من الدولارات سواء بدعم احتياطي الخزينة السورية من القطع النادر الذي أوشك على النفاد أو بدفع أثمان الأسلحة والمعدات الروسية التي لم تتوقف عن التدفق على نظام الأسد. والحق أنه لم ينج بلد عربي في الشرق الأوسط من تورط النظام الإيراني في شؤونه الداخلية، عن طريق التعبئة والتحريض والتمويل ابتداء بلبنان ومروراً بسوريا والعراق وفلسطين واليمن وانتهاء بالكويت والبحرين. لقد كان مثيراً للدهشة والخوف أن تتناقل الأنباء أن حزب الله عَمَد عن طريق دفع الأموال الطائلة لشراء رئيس وقيادات بارزة في سورينام (غويانا سابقاً) في أميركا اللاتينية مقابل إنشاء قاعدة عسكرية لحزب الله في ذلك البلد المصنف عالمياً بين أكثر بلدان العالم فقراً.
ليس هذا فحسب، بل انقلبت الأداة الدموية الجهنمية على محرّكيها إذ راحت عناصر "القاعدة" وقد وجدت في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا فرصة سانحة، تتسرب الى العمق السوري عبر الحدود العراقية السورية لتشارك في القتال خدمة لأجندات خاصة بها وتحت أسماء متعددة، وذلك يؤدي عملياً الى إضعاف المعارضة الثورية السورية وطعنها في ظهرها لمصلحة نظام الأسد. ألم نشهد معارك طاحنة بين الجيش السوري الحر من جهة وهذه الفصائل المشبوهة الدموية من جهة أخرى، خصوصاً في المناطق الشمالية والشرقية من سوريا؟
إن النظام الأسدي يتّقن تماماً التلاعب بالصراع المذهبي وتعميقه فهو في آن معاً يستدعي حزب الله والميليشيات المذهبية المماثلة له القادمة من العراق وإيران، وفي آن معاً، وبالتنسيق الكامل مع حكومة المالكي يطلع على الثورة السورية بمنتج جديد هو "داعش" المفبرك كلياً في أروقة المخابرات السورية.
إن ما هو مثير للرهبة والخوف عند اللبنانيين ليس تورط حزب الله بالدفاع عن النظام الأسدي مما لا ينعكس كراهية وأحقاداً في سوريا ولبنان فحسب بل أن ينبري تنظيم القاعدة (مجموعة عبدالله عزام) لتبني الاعتداء على السفارة الإيرانية أيضاً. بل أسوأ من ذلك بكثير إذ دشّن هذا الاعتداء عصراً جديداً في مجال التفجير والاغتيالات إذ تشير المعلومات وتقطع أن هذا العمل كان "انتحارياً" وذلك للمرة الأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000. إن الذاكرة لم تخنا بعد، فقد كانت هناك عمليات استشهادية عدة ضد الاحتلال آنذاك، أما الآن فإن عمليات كهذه تستهدف لبنانيين مثلنا. فإلى أين ترانا ذاهبون؟
أو تعتقد "القاعدة" التي تبنّت العملية الانتحارية الدموية، أنه بأسلوب كهذا بالإمكان "إقناع" حزب الله بسحب مقاتليه من سوريا؟ وهل هذا الموضوع يهمّها أصلاً؟!
إن السبيل الوحيد لإقناع حزب الله بالتوقف عن التورط في الحرب الدائرة في سوريا هو عندما تدرك قيادة الحزب، بعد وصول جنيف2 الى خواتيمه المرتقبة والتي ستمر حتماً عبر بوابة تنحي الأسد وطاقمه وإنشاء حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، وفي آن معاً بعد التوصل الى تسوية دولية لمشكلة الملف النووي الإيراني، أنه قد آن الأوان ليتحول الى حزب سياسي بعيداً عن منطق الابتزاز والتهديد والوعيد بواسطة السلاح.
إن لبنان ليس بحاجة قط لمشكلة جديدة تضاف على متاعبه ومصاعبه المزمنة، اسمها القاعدة.