الرئيسة \  مشاركات  \  التفاوض والحوار : بين الشعار، والقرار .. ومنطق البازار

التفاوض والحوار : بين الشعار، والقرار .. ومنطق البازار

13.11.2017
عبدالله عيسى السلامة




أ ـ المصلحة العامّة ـ أيّاً كان حجمها ونوعها ـ تحتاج أبداً ، إلى القرار . والقرار يبنَى ، بالضرورة ـ وحسب طبيعته ـ على دراسة تتضمّن نوعاً من الحساب ، البسيط أو المعقّد ، يشمل فيما يشمل ، حسابَ المصالح والمفاسد ، لتطبّق فيه قاعدة ( درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح ). ويشمل فيما يشمل ، حساب المفسدتين ، لدرء الكبرى بتحمّل الصغرى ، وحساب المصلحتين ، لجلب الكبرى بالتخلي عن الصغرى .. ! ويشمل فيما يشمل ، حساب الحال ، بمصالحه ومفاسده، الواقعة والمتوقّعة ، وحساب المآل ، بمصالحه ومفاسده المتوقّعة، الراجحة والمرجوحة ..!
 وفي الحساب السياسي ، تحديداً ، لاينفكّ حساب المصالح والمفاسد، عن حساب القوى ذوات المصالح الموجودة على الساحة ..! فكل فئة سياسية هي ـ بالضرورة ـ ذات مصلحة ، وكل مصلحة سياسية تحتاج ـ بالضرورة ـ إلى قوةٍ تحقّقها ..!
وتشابكُ القوى والمصالح ، فوق خريطة العمل السياسي ، يحتاج إلى حساب شامل وعميق ، لمجمل هذه القوى والمصالح ، ليَعرف صاحب القرار موقعَه على الخريطة ، ويحدّد حجم قوّته بين القوى المتشابكة، وحجم مصلحته بين المصالح المتداخلة ، وحجم مايمكنه تحقيقه من مصلحته ،على ضوء مايملكه من قوّة ! والقوى متنوعة الأشكال والأحجام والأوزان (مادية، ومعنوية : بشرية ..مالية.. قانونية..فكرية..)
 وما تحتاجه المصلحة العامّة من حساب للقرار، تحتاجه المصلحة الخاصّة، حسب طبيعتها، وحسب الشركاء فيها ، وحسب المستفيدين والمتضررين ، من صلاحها وفسادها ..!
ب ـ الشعار صيغة رمزية ، مكتوبة ، أو ملفوظة ، أو مصوّرة ، ترمز إلى هدف ، أوغاية، أوحلم ، أو طموح ، أو أيديولوجيا ، أو استراتيجية ..! وقد يكون بعض هذه الصيغ الرمزية في الإطار السياسي ، أو العقدي ، أو التربوي ، أو الاجتماعي ، أو الاقتصادي ، أو الرياضي ..! كما قد يكون الشعار لدولة ، أو حزب ، أو جماعة ، أو نادٍ ، أو شركة ..!
ت ـ وبقدر مايحتاج الشعار إلى عمومية وبساطة ـ ليَسهل حفظه وفهمه من قبل المؤمنين بمضمونه جميعاً ، كباراً وصغاراً ، متعلمين وجهلة .. عقلاء وحمقى .. ـ  يحتاج القرار إلى دراسات تفصيلية دقيقة معقدة ، تشمل سائر الجوانب المتعلقة به ، الأصلية والفرعية، الثابتة والمتغيرة والطارئة ..!
 ولذا تُندَب العامّة لحفظ الشعار ، وتُندَب الخاصّة المؤهّلة للحساب ، لحساب القرار ..!
ث ـ يحدث الخلل الفكري ، الذي يبنى عليه الخلل العملي ، بسائر أنواعه ، حين يُنزل الشعار منزلة القرار، ويُنزل القرار منزلة الشعار! فيحدث الاضطراب الشديد ، في عقول الناس أولاً ، ثمّ في سلوكاتهم ومواقفهم ومصائرهم ، بعد ذلك ..!
ج ـ حين يقع الخلط ، بين الشعار والقرار، من جاهل ، أو أحمق ، أو ساذج ضعيف التمييز .. يَسهل تنبيهه وردعه ، من قِبل العقلاء والأذكياء، وذوي الخبرة والعلم والفهم..! ويبدو الأمر، عندئذ ، طبيعياً ، منسجماً مع واقع الحياة والناس ..!
ح ـ وحين يقع الخلط بين الشعار والقرار، من قبل أشخاص ذوي خبرة وتجربة ، ووعي وإدراك،  وحنكة وذكاء ، وعلم وفهم..! فلا بدّ للمرء أن يتساءل : لماذا !؟ وما الهدف ؟ وهل هذا الخلط ناجم عن فساد نيّة ، أم عن فساد عقليّة ..!؟ ثمّ يضطرّ الباحث المهتمّ بهذا الأمر، إلى النظر في الوضع الشخصي لهذا (الخلاّط !) : وضعِه البدني والنفسي والاجتماعي والسياسي .. وموقعِه من المجموعة ، التي يَخلط شعارها بقرارها .. لينسف الشعار، بحجّة الحرص على صوابية القرار.. أو ينسف القرار، بحجّة المحافظة على (قدسيّة) الشعار..!
ثمّ لابدّ أن ينظر المدقّق ، في هدف هذا الخلاّط ، وفي مصلحته من وراء هذا الخلط ، وهل هي مصلحة خاصّة به ، أم مصلحة لأناس آخرين، وظّفوه لهذا الخلط ، ليحقّقوا لأنفسهم مصلحة كبيرة ، ويحقّقوا له مصلحة تكافئ جهده !؟
إن الجسر الأقوى بين نسف قرار عامّ ، وبين المصلحة الشخصية ، الكامنة وراء هذا النسف،  هو الشعار: ( تمجيده ..التغنّي به..إظهار اللهفة عليه ..!).
وقد تكون المصلحة الشخصية مادّية أو معنوية ، وقد تكون سياسية ، أو نفسية خلقية : ( حبّ الزعامة.. الحسد ..!).
خ ـ وهنا نأتي إلى التفاوض أو الحوار، مع العدوّ أو الخصم .. فنقول :
* ليس ثمّة عاقل في الدنيا ـ فيما نعلم ـ يرفض ابتداء ، محاولة الحصول على حقّه عبر التفاوض أو الحوار، مع عدوّه أو خصمه .. مهما كان صاحب الحقّ قوياً أو ضعيفاً ، ومهما كان عدوّه قوياً أو ضعيفاً..! فالمسألة تتعلق ـ بدايةً ـ بأصل المبدأ ، وما إذا كان الحوار، أو التفاوض ، مشروعاً أو محظوراً : ديناً ، أو سياسة ، أو عرفاً ، أو خلقاً ، أو قانوناً ..!
* إ ذا كان المبدأ مشروعاً ، ينتقل النظر إلى حساب المعادلة الأصلية، معادلة القوى والمصالح ، المتشابكة والمتضادّة .. ويدخل في حسابها العناصرُ المذكورة أعلاه ، وعناصر أخرى، يمكن طرحها على شكل أسئلة ، منها : مَن يفاوض ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وما الجدوى؟ وما البديل عن التفاوض ..!؟
* إذا قال صاحب القرار: أنا أفاوض عدوّي، لاستعادة حقّي سِلماً، وإن عجزت عن ذلك ، لجأت إلى السلاح ، لانتزاع حقّي بالقوّة .. فهل يكون مفرّطا بحقّه ، أو حقّ الجهة التي عيّنته ليصنع لها قرارها !؟ وهل يكون مضيّعا للشعار الذي يتغنّى به ، هو والآخرون الذين يؤمنون معه بهذا الشعار ..!؟
* إذا قال صاحب القرار: أنا أعترف بحقّ عدوّي ، في اغتصاب حقّي ، ولذا ؛ أفاوضه لاسترداد هذا الحق.. يكون ، باعترافه هذا، مفرّطاً ؛ لأنه منح عدوّه شرعية اغتصاب الحقّ !
* لكن إذا قال : إن عدوّي موجود على أرض الواقع ، ودليل وجوده أنه اغتصب حقّي ، فأنا أصارعه ، بناء على وجوده الواقعي هذا، سياسياً، لاسترداد حقّي .. فإن عجزتْ السياسة، عن ردّه لي ، لجأتُ إلى السلاح .. إذا قال هذا ، هل يعدّ مفرّطاً !؟
* وإذا قال صاحب القرار : أنا لن أفاوض عدوّي ، ولن أحاوره ، حتى لو وجدت فرصة في محاورته لاسترداد حقّي سِلماً ، ولن أتعامل معه إلاّ بلغة السلاح .. فهل يكون هذا سياسياً، أم مجرماً ، أم جزّاراً ..!؟
* وإذا كان منطق البشر جميعاً ، على اختلاف مِللهم ونِحلهم ، يفرض - لايببح فحسب - اللجوءَ إلى الوسائل السلمية ، أولاً ، لاسترداد الحقوق ، ثمّ اللجوءَ إلى القوّة المسلّحة ، إذا أخفقت الوسائل السلمية .. وتَعاملَ صاحب القرار بإيجابية ، مع هذا المنطق الإنساني .. ثم جاءه مَن يرفع ، في وجهه شعارات وعبارات ، تتعلّق بالحقوق وقدسيتها ، وبالعدوّ وظلمه وإجرامه .. دون مناقشة الصيغة الدقيقة ، التي ذكرَها صاحب القرار، فيما يتعلق باسترداد الحقّ ، سِلماً أو حرباً .. فماذا يكون رافعو الشعارات هؤلاء !؟ وفي أيّة خانة يصنّفون !؟ وبأيّ منطق يتعاملون : منطق الشعار، أم منطق القرار، أم منطق البازار ..!؟
هذه الأسئلة ، نترك الإجابة عليها ، للقرّاء الكرام ، ونُعرِض - ـكما أمِرنا - عن اللغو، الذي يثار، هنا وهناك .. ونقول لأصحابه ـ كما أمِرنا ، كذلك -: سلام عليكم لانبتغيكم ؛ فأمامنا من المهمّات والأعباء ، ماهو أجلّ وأخطر، من سائر أصناف اللغو والعبث ، التي تستنزف الأوقات والطاقات بلا جدوى..! ( ونحن نعني هنا ، بالطبع ، الجاهلين حقاً ، لاالعقلاء الحريصين على المصلحة العامّة ، الذين ينظرون إلى القرار أو الموقف ، من زوايا رؤية مختلفة ، فتتكون لديهم آراء مختلفة..!)
*) ولا يغيب عن الذهن ، بالطبع ، أن الوعد باتخاذ قرار ما ، هو قرار قائم بذاته ، كالوعد بالبيع أو الشراء ، ونحو ذلك .. ومِن هذا القبيل : الوعد بالتفاوض !
أمّا الإعلان عن إباحة مبدأ التفاوض ، وعن الاستعداد الأوّلي ، لممارسته .. فليس قراراً ، إنما هو موقف نظري : ( فكري ، أو سياسي ، أو شرعي ، أو قانوني..)! والطعن بصحّة هذا الموقف، أو مشروعيته ، يقتضي إبراز حجّة تؤيّد الطعن: (فكرية، أو سياسية، أو شرعية ، أو قانونية..) أيْ: حجّة تناسب الموقف النظري ، الذي انطلق منه صاحب القرار ، وتُضادّ هذا الموقف أو تُناقضه..! فإذا لم توجد هذه الحجّة لدى الطاعن ، كان طعنه غير ذي قيمة موضوعياً، ويُنظر إلى الأسباب الأخرى الكامنة وراءه ، من مصلحية ، أو نفسية ، أو نحو ذلك ..!
*) قد يلجأ بعض أصحاب المصالح أو الأهواء ، المصرّين على الطعن بالقرار، أو الطعن بالموقف النظري .. إلى بعض العناصر الداخلة ـ أصلاً ـ في حساب القرار، كعنصر التوقيت مثلاً.. فيرفعون هذا العنصر شعاراً ، للطعن بالقرار، أو بالموقف النظري، ويتّخذون لذلك صِيغاً متنوّعة ، مثل :( إن توقيت هذا القرار أو الموقف غير مناسب .. أو: هذا القرار أو الموقف  سابق لأوانه .. أو: الظروف الآن غير مواتية لهذا القرار أو الموقف .. أو نحو ذلك ..!)..وهذا الشعارُ الذي دأبتْ على رفعه أنظمة حكم معروفة في عالمنا العربي ، لتقييد حركة الناس، وتقييد ألسنتهم عن نقد الأخطاء التي ترتكبها هذه الأنظمة ، تحت شعار: ( لاصوت يعلو فوق صوت المعركة !) .. هذا الشعار لايخدم أصحاب المصالح ، لأنه ـ في الأصل ـ ليس شعاراً ، بل هو عنصر من عناصر حساب القرارـ كما أشرنا من قبل ـ وهو يَفرض ،على رافعيه ، التقدّم بمعادلة قرار ، تبيّن بدقّة أن عنصر التوقيت هنا ، ضمن معادلته هذه ، غير مناسب لاتخاذ هذا القرار، أو إعلان هذا الموقف ..! فإذا عجز رافعو شعار التوقيت، عن الطعن بصحّة التوقيت ضمن معادلة القرار ، كان كلامهم غير ذي قيمة أيضاً ، ويُنظر في الأسباب الكامنة وراء الطعن بصحّة التوقيت ،أيْ: الأسباب المصلحية والنفسية ، وغيرها ..!
*) فإذا جاء إعلان الموقف النظري ، ضمن ظرف سياسي معيّن، ( تطبَخ فيه قرارات دولية، تهمّ صاحب القرار، ووطنه وشعبه) وكانت الحاجة ماسّة، أو ضاغطة، أو قائمة ، لإعلان هذا الموقف في هذا الظرف ، دون أن يكون في هذا الإعلان أيّ التزام بفعل ( أي: إعلان مشروعية التفاوض والاستعداد الأوّلي له ، ومشروعية المقاومة في حال إخفاقه ، دون التزام بالدخول في عملية التفاوض..! ) نقول : إذا كان التوقيت ، من وجهة نظر صاحب القرار، مطلوباً لذاته ، خدمةً لهدف معيّن ، ثمّ رفِع (خللُ التوقيت) شعاراً للطعن في (صحّة التوقيت) الذي أراده صاحب القرار لذاته ..! فإن الطعن هنا ، يدخل في دائرة العبث الخطير بالمصلحة العامة ، بقصد أو بلا قصد ! لأن الطاعن ، إن كان من أصحاب الحق في مناقشة القرار ـ قرار توقيت الإعلان ـ فمن حقّه ، ومن واجبه ، مناقشة التوقيت مع صاحب القرار ، وإنضاج هذا القرار، حتى بعد صدور الإعلان ، وذلك لاتّخاذ الصيغة المناسبة، لتلافي الآثار السلبية ، الناجمة عن توقيت الإعلان ..! أمّا أن ينصرف عن حقّه وواجبه، في إنضاج القرار ضمن إطاره المشروع ، ويشنّع عليه في وسائل الإعلام،  أو في المجالس العامّة والخاصّة ..! فهذا هو العبث الخطير، الذي يجب أن يتنزه عنه العقلاء ، الذين لديهم احترام لأنفسهم ، أولاً ، ولصانع قرارهم ثانياً ، وللتجمّع السياسي ، الذي ينتمون إليه ثالثاً ..!
*) وإن كان الطاعن بالتوقيت فضولياً ،لاعلاقة له بالموضوع أصلاً، فيُصرف النظرُ عن تطفّله ، أو يُردّ عليه بما يناسب طعنَه ، إذا كان الردّ يخدم المصلحة العامّة أكثر من التجاهل ..!
*) وإذا كان صاحب القرار لم يقصد التوقيت ( في قراره ، أو في إعلان موقفه )، إنما توقيتُ السؤال فرَضَ عليه توقيت الجواب، فبإمكانه أن يجيب بالطريقة التي تخدم موقفه وقراره ، غيرَ ملزَم بما يرضي هذا السائل أو ذاك ، من إعلاميين وغيرهم ..!
*) أمّا إذا جاء التوقيت رميةً من غير رامٍ ( أيْ : أنه مناسب لظرفه تماماً ، دون أن يقصده صاحبه ، أوينضجه بالبحث والدراسة .. إنّما جاء رداً آنياً ، على سؤال مفاجئ ) .. ففي هذه الحال يكون التوقيت توفيقاً من الله عزّ وجلّ ، لصاحب القرار .. وعليه ألاّ يعتذر عنه ، بحجّة أنه فوجئ بسؤال ، فأجاب على عجل بما أجاب به ! بل عليه التصدّي ، لأيّ طعن يوجّه إلى قراره ، أو موقفه، بالحساب الدقيق لمعطيات الساحة ، وموضعِ القرار أو الموقف منها .. وأن يتذكر أن الأصوات العالية ، التي تسرع إلى النقد والطعن ، ليست ، دائماً ، هي الأصوات الأكثر وعياً وحرصاً ، وتبصّراً بحقائق الأمور ..! وعليه معادلةُ الصوت المتعجّل العالي، بالصوت المتّزن الهادئ ، ليتوازن القرار، أو الموقف ، في نقطة ، هي أقرب ماتكون إلى الصواب .
*) لابدّ من التذكير ، بأن محاولة احتكار الصواب ، من قِبل بشرعادي ، ليس نبياً يوحى إليه ، إنما هي دليل على خلل عقلي ، أيّاً كان صاحب المحاولة ، وأيّاً كان موقعه ومستواه العلمي والثقافي ..! لاسيّما في المسائل الاجتهادية ، التي يُستنبط فيها الصواب استنباطاً ، من دراسةِ مجملِ عناصرها ، ضمن منظومة متناسقة متفاعلة متكاملة ، تشكّل معادلةً تشمل العناصر السلبية والإيجابية ،الكلية والجزئية،  الأصلية والطارئة ، الواقعة والمتوقّعة ..! ويندر أن يكون ثمّة اجتهاد بشري إيجاباً كله ، بسائر عناصره ومفرداته ، وبنتائجه القريبة والبعيدة كلها ..! فحتى الخمر والميسر فيهما منافع للناس ، لكن إثمهما أكبر من نفعهما ..! وبناء عليه : لابدّ من تلاقح العقول ، عبر تواصل مباشر وحثيث ، لاستنباط الأصوب ، من بين أنواع الصواب المعروضة على بساط البحث ! أمّا إلقاء الأفكار من بعيد ، سواء على شكل اقتراحات عامّة ، أو أفكار جزئية ، أو نقدات عجلى ، أو شعارات فضفاضة ... أمّا هذا فلا يجدي كثيراً في حساب المسائل المعقّدة ، لاسيّما السياسية منها ، مهما كانت درجة الصحّة أو الفساد ، في النية أو العقلية ، عند هذا الفرد أو ذاك ..!
*) وثمة حقيقة بدهية ، لانحسبها تغيب عن ذهن أيّ حصيف ، وهي أنه ليس كل رأي نابعاً من هوى ، أو محكوماً بهوى ، كما أنه ليس كل رأي مبرّأً من هوى ..! ومَن ملك الوعي والإخلاص ، لم يعجز عن مراقبة رأيه وهواه ، والفصلِ بينهما ، لدى مناقشة المسائل المتعلقة بمصلحة الأمّة ، أو الوطن ، أو الشعب .. ! وإلاّ خضع رأيه لهواه ، أو لأهواء الآخرين ، فوقع في المحظور، الذي يتحاشاه كل ذي ضمير حيّ، حتى لو كان ممّن يؤمنون بدار واحدة ..! أمّا من كان يؤمن بدارَين ، فيفترَض ـ بحسب الأصل ـ أن يَعرض ضميرُه ، أمام بصره وبصيرته ، حسابَ الدارين معاً ..!
*) كما أن ثمّة حقيقة أخرى ، لانحسبها تغيب عمّن تمرسوا ، في صناعة الرأي والقرار ـ لاسيّما في الأمور العامّة والقضايا الكبرى ـ وهي أن الحوار بين شعار وقرار، إنما هو حوار عابث ، لِما بينّاه آنفاً من طبيعة كل منهما ! وأن إضاعة الوقت والجهد، وإثارةَ الشحناء ، وتزييفَ الوعي .. هي النتائج البارزة والخطيرة المتوقّعة ، مِن مِثل هذا الحوار .. دون أن تكون هناك جدوى ـ أيّة جدوى ـ من هذا الحوار ..! فحامل الشعار يتقرب إلى الله ، أو إلى غيره ، بتعطيل كل قرار، يظنّه مخالفاً للمضمون الفضفاض ، الذي يشتمل عليه شعاره ! وأكثريّة حملَةِ الشعارات ، غير مؤهّلة لحساب القرارات..! وبالتالي ؛ يصعب جدّاً ، وربّما يستحيل ، تنفيذ أيّ قرار، إذا رُهِن تنفيذه بموافقة حملة الشعارات ، جميعاً ،عليه ! (هذا ـ بالطبع ـ على افتراض أن المتحاورين يسعون ، مخلصين ، إلى إنضاج رأي سديد ، يبنى عليه قرار سديد، ويحرص كل منهم على أن ينتصر،على خطئه ، بصوابِ مُحاورِه ، وأن يَنصرَ، بصوابِه ، مُحاورَه على خطئه /أيْ : خطأ المُحاور/ ! لأن ضرر الخطأ مشترَك بينهما ، ونفع الصواب مشترك بينهما ، كذلك ! فكلّ من الخطأين ضارّ لهما معاً ، وكلّ من الصوابَين نافع لهما معاً ) .
وسبحان القائل :( ولْيَخشَ الذينَ لَو تَركوا مِن خَلفهِم ذريّةً ضِعافاً خافوا عليهم فلْيتّقوا الله ولْيقولوا قولاً سديداً) النساء /9 /.