الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التفاوض "سيد الأحكام" بين الروس والأتراك في إدلب؟   

التفاوض "سيد الأحكام" بين الروس والأتراك في إدلب؟   

28.09.2020
مالك الحافظ



روزنة  
الاحد 27/9/2020 
بين التعثر المؤقت والتوافق العميق تتراوح التوقعات حيال المفاوضات الروسية التركية في ملف إدلب وشكل النفوذ في آخر مناطق خفض التصعيد، على اعتبار أن المعارك الكبرى باتت مكلفة وقد تكون خاسرة للأطراف المشاركة فيها كافة، بعد كل التطورات الميدانية التي جرت في سوريا للأطراف المتدخلة، وليكون فرض مبدأ الصلح/التفاوض "سيد الأحكام" أمرًا قابلًا للتطبيق في المرحلة المقبلة.  
رغم ما تثيره روسيا من اعتراض على تأخر تركيا في تنفيذ تعهداتها فيما يتعلق بإخلاء محيط طريق حلب-اللاذقية الدولي؛ من العناصر الجهادية الرافضة للتفاهمات المشتركة بينهما، وكذلك تعثر فتح الطريق الدولي ذاته أمام الحركة التجارية والمدنية، غير أن الروس لن يروا في إتمام سيطرتهم على محيط المنطقة المشار إليها ضمن تفاهمات جديدة مع الجانب التركي وإن تأخر تطبيقها. 
 إلا أن ما نفذته موسكو منذ مطلع العام الجاري، يتيح لها القول أنها باتت مطمئنة نوعا ما في هذا الملف، بعد أن تحكمت به إثر التصعيد العسكري في المنطقة في وقت مضى، الذي انتهى بتوقيع اتفاق/بروتوكول موسكو (آذار 2020)  بشكل سمح لها فرض نفوذها على قطاعات واسعة في الشمال السوري والسيطرة لاحقًا عن طريق السلم وطاولة المفاوضات على مناطق أخرى، لتزيد من مكاسبها السياسية والعسكرية.  
خلافات قد تنتهي؟ 
في تقرير لوكالة "الأناضول" التركية، أشارت من خلاله إلى وجود خلافات بين روسيا وتركيا حول فتح الطريق الدولي "M4" الذي تريد موسكو تعجيل فتحه وسحب القوات التركية من جنوبه، وحصرها بحزام عمقه 35 كم. 
أشار التقرير إلى رغبة تركية بحسم مصير المناطق التي توغل فيها النظام مطلع العام الجاري، ووضعها تحت حماية قوى أمنية تشرف موسكو وأنقرة على إعدادها، في حين تصر روسيا على تثبيت الوضع الراهن كما هو عليه، بمعنى حفظ السيطرة الكاملة لقوات النظام السوري على الطريق الدولي "M5" والمناطق الممتدة على طوله في أرياف حلب وإدلب حماة.  
بينما تشكل منطقة شرق الفرات أحد أهم الملفات المعقدة بين الطرفين، وفق التقرير، فبينما تنتظر أنقرة تنفيذ ما نصت عليه مذكرة "سوتشي"، التي تضمّنت إبعاد الوحدات الكردية المصنفة على قوائم الإرهاب التركية عن المناطق الحدودية، تماطل موسكو ولم تف بوعودها حتى الآن. 
كما أن مصير منطقتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب لا يزال عالقاً على طاولات المباحثات، حيث تطالب تركيا بأن تنفذ روسيا التزاماتها في اتفاقات سابقة تقضي بتسليم المنطقتين لفصائل المعارضة السورية. 
الكاتب والباحث السياسي، صدام الجاسر، قال خلال حديث لـ "روزنة"، اليوم السبت، أن جولة المفاوضات الأخيرة التي حصلت بين الروس والأتراك في الـ 15 و الـ 16 من الشهر الجاري، انتهت بتثبيت الوضع الحالي في المنطقة، على ما هو عليه، وبجملة رأس السياسة الروسية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما قال لاحقًا أن المعارك بين النظام السوري والمعارضة "قد انتهت". 
ورأى الجاسر أن التوافق الروسي-التركي استقر أخيرًا على رضوخ الجميع للأمر الواقع "حاليًا" وتثبيت مناطق التماس وعدم الإخلال بها، وفق تقديره.  
اقرأ أيضاً: هل تسعى موسكو للتقارب بين دمشق و أنقرة؟ 
وأضاف بأن الروس أرادوا من الأتراك سحب الفصائل الموالية لهم من كامل الطريق الدولي "M4"، ولكن الأتراك بالمقابل طالبوا بسحب قوات النظام من المناطق التي تقدم إليها العام الماضي، بالإضافة إلى منطقة الريف الغربي من حلب كاملًا، وبذلك تصبح منطقة قوس تشمل منبج وتل رفعت وتحيط بكل مناطق سيطرة النظام، ولكن الروس رفضوا العرض وفضّلوا البقاء على الوضع الحالي.  
سياسة تركية خاصة 
من جانبه وصف الباحث في الشأن السوري، طالب الدغيم، السياسة الأمنية التركية بأنها "سياسة تفاوضية إلى حد كبير"؛ تبدأ في الميدان وتنتهي على طاولة الحوار، وتخلص إلى اتفاق أو حرب باردة، بحسب رأيه. 
وأكد الدغيم خلال حديثه لـ "روزنة"، اليوم، أن أهم محددات تلك السياسة الراهنة في إدلب، هو تشابك المصالح الإقليمية والدولية، وبخاصة المصالح الروسية، في الوقت الذي تريد فيه روسيا إنهاء ملف إدلب، للتفرغ لمناطق شرق الفرات؛ والتفاهم مع الأمريكان والأكراد فيها. 
 و أشار إلى أن تركيا تريد أن تكون الأطراف المجاورة لطريقي "M5" و"M4"، مناطق مدنية منزوعة السلاح؛ فيها حرية عبور للأفراد والبضائع. وهو الأمر الذي عزا فيه لجوء تركيا للمناورة من أجل منع أي عملية عسكرية روسية وإيرانية جديدة في شمال سوريا، لما لها من تأثير على حدودها وتزايد المعاناة الإنسانية للمدنيين. 
وأردف في السياق ذاته "هذا الأمر يجعل تركيا تفاوض الروس على منطق إدارة مشتركة في إدلب، أو بقاء الروس جنوب الطريق بين اللاذقية وسراقب M4، وبقية المناطق تكون تحت رعاية تركية مع إجرائها تغييرات في الإدارة المحلية والأمنية والخدمية لها". 
وختم حديثه لافتًا إلى أن تركيا "تسعى للمحافظة على أمن حدودها، والحد من تدفق اللاجئين إليها، وأن يظل ملف إدلب والفصائل الموجودة في المنطقة الخاضعة لها بيدها؛ كورقة تفاوضية مستقبلية حول الشكل الانتقالي السياسي في سوريا".  
تصعيد عسكري مفاجئ؟ 
فيما كشف معهد "دراسات الحرب" الأميركي، أن أنقرة وافقت على التنازل عن السيطرة على مناطق في جنوبي إدلب إلى قوات النظام السوري، مؤكًا أنه في حال صحت تلك المعلومات، فمن المحتمل أن يكون هجوم قوات النظام وحلفائه قد بات وشيكًا. كما اعتبر أن الانسحاب التركي من تلك المناطق يعد "منعطفًا مهمًا" في الأزمة السورية. 
الباحث السياسي صدام الجاسر، وتعليقًا على تقرير المعهد الأميركي، استبعد حدوث أي تصعيد عسكري في الوقت الراهن أو المستقبل القريب، بل أنه رأى بإمكانية استمرار حالة من التوافق تقودها روسيا وتركيا بين النظام وفصائل المعارضة؛ تنتهي بفتح الطرق الدولية وتسهيل العبور. 
و أكمل "بالعودة إلى تصريح وزير الخارجية الروسي، فيمكن القول أن هذا التصريح موجه للنظام حصرًا، ويود الروس إيصال رسالة مفادها أنهم لن يساندون النظام إن حاول الدخول في أي معارك ضد المعارضة، أو أي محاولة لخلط الأوراق من جديد، فالروس لايرغبون بالدخول في مواجهة مع الأتراك ونسف كافة الاتفاقيات معها بسبب مغامرة من مغامرات النظام". 
وتابع "الروس يرغبون بالقول للنظام أننا انتهينا من المعارك، وحان الآن الوقت للعمل على الاستفادة من الاتفاقات الموقعة والالتفات إلى الجانب الاقتصادي؛ خصوصا في ظل تنامي الأزمة الاقتصادية في مناطق النظام… لقد انتهت أيام الحرب ولم يعد من المجدي أو من مصلحة أي طرف من الأطراف الدخول في معارك جديدة؛ قد تكون نتائجها غير محسوبة، وتكون سبب للتأثير على ملفات أخرى خارج سوريا". 
وكانت العاصمة التركية أنقرة شهدت في 15 و16 أيلول الحالي، اجتماعات بين الجانبين التركي والروسي، على مستوى الوفود التقنية العسكرية والسياسية والأمنية، حول آليات ضبط الأوضاع الميدانية في إدلب، إضافة إلى الملف الليبي. 
وبحسب مصادر روسية، عملت موسكو على إقناع أنقرة بتقليص الوجود العسكري التركي في إدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة، وإعادة ترتيب الوضع المتعلق بنشاط نقاط المراقبة التركية، وذكرت المصادر، أن الجانب التركي رفض طلب روسيا تقليص عدد نقاط المراقبة، لكنه أبدى استعدادًا لمناقشة آليات لسحب جزء من الأسلحة الثقيلة من إدلب ومحيطها. 
وكان الرئيسان التركي والروسي توصلا، في 5 من آذار الماضي، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب.