الرئيسة \  واحة اللقاء  \  البشير وبشار إلى محكمة الجنايات

البشير وبشار إلى محكمة الجنايات

29.12.2018
ياسر أبو هلالة


العربي الجديد
الخميس 27/12/2018
سيواصل عمر البشير قمع الانتفاضة الشعبية في السودان، مستفيدا من تجربته، وقدراته الذاتية، ومستعينا بالدرس الخصوصي الذي أعطاه له بشار الأسد في زيارته السريعة إلى دمشق. وقد أثبتت التجربة أن المنظومة القضائية الدولية ضعيفة، وأن دورها هامشي، مما جعل الطغاة أجرأ على ارتكاب مزيد من الجرائم من دون خشية من يد العدالة القاصرة. وتجلى ذلك في كسر الرئيس السوداني عمر حسن البشير الحصار المضروب على بشار، فكلاهما مطلوب، ولو بدرجات متفاوتة إلى محكمة الجنايات الدولية، وربما سخرا منها في حديثهما.
وعلى ما يفصل بين المطلوبين من فروق إلا أن القواسم بينهما أكثر، فكلاهما ارتكب جرائم إبادة، ولو أن يد العدالة طاولت البشير على جرائمه بحق سكان إقليم دارفور، لما ارتكب بشار جرائمه بحق السوريين. أكثر من ذلك، كلاهما يتستر بعباءةٍ شموليةٍ، يمكن أن تخفي تحتها سوءات الطائفية والفساد والعنصرية والإرهاب.
غطت عباءة حزب البعث الساعي إلى تحرير الأمة العربية، وتوحيدها على نظام طائفي فاسد، دمر بلدا عربيا مركزيا. وجعله مقسما على مساحات نفوذٍ دولي، وأحيا فيه كل نوازع الانقسام الطائفي والقومي والجهوي، تماما كما غطت عباءة الحركة الإسلامية على نظام عنصري قتل أهل دارفور وأهل الجنوب بسبب انتمائهم العرقي والديني. وبدلا من توحيد الأمة في ظل المشروع الحضاري العربي الإسلامي، فصل جنوب السودان، وترك أقاليمه مفكّكة عرضة لمزيد من التقسيم.
ومما يجمع القائدين من قواسم الانتهازية التي تتجاوز ضوابط الأيديولوجيا، فالبشير، بحسب القانون السوري، محكوم بالإعدام الذي يُحكم به كل من انتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، والبشير "أخ مسلم في عنقه بيعة". في المقابل، عندما تولى السلطة عقب الانقلاب أعدم الضباط البعثيين الذين حاولوا الانقلاب عليه، وبشار الأسد هو قائد حزب البعث، وسليل أسرة بعثية، تحكم بشرعية الحزب إلى اليوم. لكن كل هذه تفاصيل يتجاوزها القائدان المطلوبان.
يشعر بشار بالامتنان للبشير، فهو يجسّد قيمة تحدّي القانون الجنائي الدولي الذي يلوَح لبشار به، ولا شك أنه استشعر هشاشة القانون في أثناء ارتكابه جرائمه، سواء بالسلاح الكيميائي أم بالبراميل أم بالسكاكين. والبشير ممتنٌّ له، وما أن عاد حتى طبق دروسه في قمع الانتفاضة الشعبية التي عمّت السودان. ولا فرق جوهريا بين من يطلق النار على عشرات المدنيين ومن يبيد قرىً بالقصف.
لنتخيل لو أن القانون الدولي، وخصوصا الجنائي، يشتغل في عالمنا، لكنا تخلصنا من البشير وما تجرأ بشار على ارتكاب جرائمه. وربما كان من المتهمين في اغتيال رفيق الحريري هو وقادة أجهزته. وفوق ذلك وقبله، لما واصلت إسرائيل جرائمها بحق أهل فلسطين. ولما تجرّأ محمد بن سلمان على تحدي العالم بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي.
لعل الدرس الذي علينا أن نتعلمه في عالمنا العربي أن سيادة القانون دوليا مطلبٌ لا يقل أهمية عن سيادته على مستوى وطني. وذلك مهم لحماية الشعوب المنكوبة بقادةٍ لا يتورّعون عن ارتكاب أبشع الجرائم. محكمة الجنايات الدولية هي المكان الذي يليق بكثيرٍ من قادة المنطقة على ما ارتكبوه من جرائم، فهل نرى يوما البشير وبشار وراء قضبانها؟