الرئيسة \  في وداع الراحلين  \  البروفسور فؤاد بن محمد سزكين في ذمة الله

البروفسور فؤاد بن محمد سزكين في ذمة الله

02.07.2018
الشيخ محمد وائل الحنبلي




توفي اليومَ صباحَ السبت بمدينة إصطنبول 17 شوال 1439، الموافق 30 حزيران 2018م:
‏العالم الموسوعيُّ الأُعجوبة البروفسور فؤاد بن محمد #سزكين التركي، بعدَ عُمرٍ حافل بالدفاع عن #الحضارة_الإسلامية، والردِّ العِلميِّ على افتراءات بعضِ المستشرقين.
وقد وُلد هذا الجبلُ العِلميُّ بمدينة بيتلس شرقَ تركيا، في 24 ربيع الأول 1343، الموافق: 24 تشرين الأول 1924م.
دَرس المرحلةَ الابتدائيةَ في بلدة (دُوغو بايزيد) التابعةِ لمحافظة (آغري)، عاش رحمه الله فترةَ شبابِه وتعليمِه وهو يشعر بالألم لما يشاهده مِن ظُلم المناهجِ المعاصرة والمقرّرات المدرسيَّة لتاريخنا العربي والإسلامي، ويرى كيف أُبعد الجيلُ المعاصرُ عن معرفة العلماء والعلوم التي ابتكرها ووضعها المسلمون.
وعندما بلغ العشرينَ مِن العمر بدأتْ رحلتُه العلمية، فتعلَّم اللغةَ العربية وأَتقنها، بل إنه أتقن الكثيرَ مِن اللغات حتى المُندَرِسةِ منها، وهذا ينبغي أنْ يُفردَ ويُدرَس على حِدَة!
ثم جاء الانقلابُ العسكريُّ المجرم في تركيا سنةَ: 1960م، الذي أُعدم بسببه الرئيسُ المنتخبُ عدنان مندريس رحمه الله، وهنا بدأت المرحلةُ الأليمة القاسيةُ لهذا العالم الغيور المحبِّ لتاريخ بلدِه، ففُصل من جامعة إصطنبول، وقرَّر الهجرةَ من بلدِه والسفرَ لأُوربا.

وهنا أنقل لكم لحظاتِ هجرتِه التي يَبكي لها مَن تعرَّض لنحوٍ منها، فإنه وقف بمكانٍ عالٍ وهو ينظر لإصطنبول باكيًا يقول بنفسه: (كيف سيُمكنني العيشُ طيلةَ حياتي بعيدًا عن #إصطنبول التي أعشقها).
إلا أنَّ الله تعالى عوَّضه خيرًا، ورجع معزَّزًا مُكرَّمًا إلى بلده في ظلِّ الحكومة الحالية، بل واستقبله رئيسُ تركيا بالقصر الرئاسي.
استقرَّ رحمه الله بألمانيا، فكانت حكمةُ الله في هجرته أنْ تُفتح له آفاقُ المعرفةِ والتصنيفِ والبحث هناك، فقد ألَّف في الميدان العلميِّ كثيرًا مِن المؤلفات، فضلًا عن الكثير مِن المحاضرات والمقالات.
ومِن الصعب جدًّا الإحاطةُ بأسماء مؤلفاته وكتبه، لكثرتها واختلافِ اللغات المؤلفة فيها، إلا أنني سأذكر كتابًا لا يستغني عنه باحثٌ أو محقِّقٌ أو طالبُ عِلم وهو:
ـ تاريخ #التراث_العربي، الذي طُبع منه قسمٌ باللغة العربية في اثني عشرَ جزءًا، وإلا فهو باللغة الألمانية يقع في عشرات الأجزاء، وأنا أرى أنَّ هذا الكتابَ مِن أعجب المؤلفات الفردية في العصر الحديث، وقد أبرز فيه جهودَ المسلمين في مجالات الحضارات المختلفة، وحاول جمعَ أسماءِ تراثِ المسلمين في الطب والصيدلة والبيطرة وعلم الحيوان والكيمياء والزراعة والنبات والرياضيات، وغير ذلك ...
وله: ـ العلم والتكنلوجيا في الإسلام.
ـ اكتشاف المسلمينَ للقارة #الأمريكية قبلَ كريستوفر كولومبوس
ولا يسعني هنا إلا أنْ أَذكر فضلَ زوجتِه وعملَها معه، فقد كانت تُصحِّح كتبَه وتقابلها.
وقد كُتب عنه كتابٌ بعنوان: (مكتشف الكنز المفقود فؤاد سزكين).
وفي أواخر عمره بدأ بجمع مكتبةٍ علميةٍ جديدة، بعدَ أنْ قرَّرت الحكومةُ الألمانية وضعَ يدِها على مكتبته الضخمة، التي تحوي جمعًا هائلًا من الوثائق والمخطوطات بكثيرٍ من اللغات؛ لأنها صنَّفتْ هذه المكتبةَ ضمنَ التراثِ الألماني القومي، وذلك بعدَ أنْ قدَّموا له تكريمًا وتعويضًا، وأَعطوه ما يريد مِن ثمنها !
ومن كلماته التي تحزُّ القلبَ وتُوجع الفؤادَ قولُه: (أنْ تجعلَ المسلمين يَفهمون عظمةَ الحضارة الإسلامية أصعبُ مِن أنْ تجعلَ الغربَ يَفهمُها). 
رحمه الله وجعله في جنات النعيم، وأَخلف أمثالَه ...