الرئيسة \  تقارير  \  الانخراط مع الأسد والرهان على إخراج إيران

الانخراط مع الأسد والرهان على إخراج إيران

27.11.2021
شارلز ليستر


شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
الشرق الاوسط
الخميس 25/11/2021
بعد عقد من العزلة شبه الكاملة، يعاين النظام السوري موجة مفاجئة من جهود إعادة التعاون من بعض جيرانه الإقليميين خلال الأسابيع الأخيرة. وفي هذا الإطار، استقبل وزير الخارجية فيصل المقداد، سبعة على الأقل من نظرائه الإقليميين في اجتماعات ثنائية على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول)، وجرى كذلك تبادل عدة زيارات مع الأردن على المستوى الوزاري. وزار مسؤولون ماليون وتجاريون سوريون “إكسبو 2020 دبي”، علاوة على مشاركة رئيس الاستخبارات العامة السورية حسام لوقا، في منتدى الاستخبارات العربي بالقاهرة. ومن جانبها، كررت الجزائر تأكيد دعوتها لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما أجرى العاهل الأردني الملك عبد الله اتصالاً هاتفياً مع بشار الأسد، مطلع أكتوبر (تشرين الأول). كما زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، دمشق والتقى الأسد في 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ اشتعال الأزمة السورية عام 2011.
وتبدو هذه الموجة من الاتصالات الدبلوماسية مع نظام الأسد لافتة للغاية، خصوصاً بالنظر إلى السياسات العنيفة الوحشية التي انتهجها النظام في السنوات الأخيرة وطرحت أمام محققين دوليين مزيداً من الأدلة حول ارتكابه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية تفوق الأدلة التي كانت قائمة ضد هتلر وحزبه النازي في نورنبرغ.
وفي الوقت الراهن على الأقل، لا يزال البعض يعارض مثل هذه الموجة الجديدة من الاتصالات.
ورغم تشبث دول من الصعب تجاهل المسار الذي ظهرت ملامحه خلال الأسابيع الأخيرة. ويبدو أن التحول في النهج مدفوع بعدد من الديناميكيات، أبرزها الشعور الجماعي بالاستسلام أمام فكرة أن النظام سيبقى، وأنه لا يوجد أحد في المجتمع الدولي يخطط لتغيير هذا الوضع.
وفيما يخص بعض الدول، مثل الأردن، ثمة عوامل فريدة محلية تلعب دوراً في الأمر، بشكل أساسي الرغبة في وقف تجارة المخدرات الهائلة التي يوجهها النظام والعابرة لحدودها، والتصميم على تحقيق أي شيء قد يسهم في تسهيل عودة اللاجئين وتخفيف العبء الواقع على كاهل الاقتصاد.
إضافةً لذلك، يبدو أن هناك عوامل جيوسياسية تشكّل أحد الدوافع وراء التقارب الحالي مع النظام السوري، خصوصاً في خضمّ الشعور الحاد والمتنامي على مستوى المنطقة اليوم بالاختلال والتغيير وعدم اليقين تجاه المستقبل. وتبدو احتمالات النجاح في المفاوضات النووية الخاصة بإيران المقبلة في فيينا ضئيلة على نحو متزايد، ورغم الجهود الدؤوبة التي بذلوها في الفترة الأخيرة، يبدو أن مسؤولي إدارة بايدن لم ينجحوا في طمأنة الحلفاء إزاء استمرار اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط.
وفي غضون فترة تشبه بحر الرمال المتحركة، يرى البعض في المنطقة بوضوح أن سوريا فرصة لإعادة إقرار مصالح والتنافس في مواجهة دول منافسة. وترى بعض الدول أن إعادة التعامل مع نظام الأسد يوفر فرصة محتملة للتصدي لتركيا، ولكن من وجهة نظر الكثيرين، يبدو أن الدافع الجيوسياسي الأساسي يكمن في الرغبة في تقليص الدور الإيراني في قلب الشرق الأوسط.
في حين أن الهدف يبدو جديراً بالتقدير، يبقى في حكم المستحيل تقريباً توقع أي سيناريو يجري فيه قلب مكاسب إيران للاتجاه المعاكس -مكاسب تحققت بشِقّ الأنفس داخل سوريا- على يد الدول التي يجري النظر إليها على أنها كانت داعمة للمعارضة السورية خلال السنوات المهمة. علاوة على ذلك، حققت إيران أبرز مكاسبها داخل سوريا منذ سنوات، ومنذ عام 2017 تنتهج جهوداً لتعزيز مكاسبها، تشمل جوانب عسكرية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية. في الواقع، من الواضح أن اقتلاع مكانة إيران في سوريا من خلال تطبيع العلاقات مع الأسد ليس سوى حلم زائف.
وعلى عكس بعض التقارير الإعلامية، فإن رحيل الجنرال في الحرس الثوري الإيراني جواد الغفاري، في نوفمبر، لا علاقة له بإعادة التعاون الإقليمي مع سوريا، تبعاً لما أفادت به مصادر مطلعة. في الواقع، لقد جرى تحديد موعد رحيله قبل أشهر عندما جرى تشخيص إصابته بالسرطان، وسعى للعودة إلى إيران لتلقي العلاج. وبالمثل، فإن الفحص السريع للتطورات التدريجية على الأرض عبر مجموعة متنوعة من المجالات، يكشف أن المزاعم المتجددة لإيران “بإنهاء” انتشارها في سوريا مجرد مزاعم خيالية. ويمكن القول إن الزيادة الأخيرة في الضربات الجوية الإسرائيلية عبر الأراضي السورية، بما في ذلك الكثير من الضربات التي جرى تنفيذها بشكل غير معتاد في وضح النهار، تعد مؤشراً على زيادة النشاطات الإيرانية الخبيثة.
ومنذ عام 2017 عندما بدأت إيران في تعزيز انتصارها داخل سوريا، اكتسب الحرس الثوري الإيراني سيطرة شبه كاملة على المعبر السوري - العراقي بين البوكمال والقائم الذي يعد حيوياً من الناحية الاستراتيجية -واستغل المعبر في نقل رجال ميليشيات والأسلحة والمال متى شاء. وفي مكان ليس ببعيد، شيّد الحرس الثوري الإيراني قاعدة “الإمام علي” العسكرية، منشأة مصممة خصيصاً لإيواء عشرات الآلاف من الأفراد وإخفاء أنظمة أسلحة استراتيجية في مخابئ تحت الأرض.
وبفضل دعمه لنظام الأسد الذي بدّل قواعد اللعبة، يسيطر الحرس الثوري الإيراني كذلك على أجنحة كاملة من الكثير من القواعد العسكرية والجوية الأخرى في جميع أرجاء سوريا (بينها “تي فور” و”الضمير” و”الشعيرات”)، حيث سعى لنشر صواريخ دقيقة التوجيه، وأنظمة الدفاع الجوي والمزيد. وأطلق الحرس الثوري الإيراني طائرات مسيّرة هجومية باتجاه إسرائيل من منشآت القواعد الموازية في سوريا، وفي عام 2018 سعى إلى استخدام طائرة من دون طيار لنقل مواد متفجرة إلى وكلاء في فلسطين. وإذا ما رسمنا منشآت عسكرية على صلة بالحرس الثوري الإيراني، فإن الضفة الغربية لنهر الفرات قد تبدو كأنها أرض إيرانية.
وعلى عكس نهجها الأمني الموازي في العراق ولبنان، سعت إيران إلى دمج وكلائها السوريين داخل جهاز الأمن السوري، ليتسللوا بذلك إلى أكثر أجهزة الدولة حساسية بشكل لا رجوع فيه. ومن خلال قوات الدفاع الوطني المحلية، فضلاً عن الهيئات الموالية مثل استخبارات القوات الجوية والفرقة الرابعة، نجح الحرس الثوري الإيراني في بناء نفوذ دائم له في أكثر قطاعات البلد أهمية. وبالنظر إلى الديناميكيات الجيوسياسية المعقّدة في سوريا -التنافس مع روسيا، والعداء مع إيران، والقلق من أي مكان آخر في المنطقة- يبدو هذا التأثير خفياً، لكنه يظل دائم الوجود.
وبالنظر إلى هذه العناصر مجتمعة وقرنها بجهود إيران المكثفة في المجالات الاقتصادية والثقافية، يبدو في حكم المؤكد أن سوريا تمثل “جوهرة تاج” الأجندة الإقليمية لإيران. وليس هناك على أرض الواقع ما يمكنه تهديد هذه الإنجازات التي ترسخت منذ فترة طويلة على مدى السنوات الخمس الماضية، بسبب أي تأثير قد تشتريه جهات خارجية أخرى. والملاحَظ أن التعامل الإسرائيلي مع الوجود الإيراني داخل سوريا أصبح أكثر عدوانية بمرور الوقت، الأمر الذي يشير ليس فقط إلى أن إيران تواصل تحقيق المزيد على الأراضي السورية، وإنما كذلك إلى أنه على الرغم من العديد من الوعود، فإن روسيا إما غير راغبة أو غير قادرة على الحد من النفوذ الإيراني وتقييد أنشطة الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا.
على المستوى الأخلاقي، قليلون قد يجادلون في أن إعادة التعامل مع نظام الأسد أمر مقيت. لكن بالنسبة لأولئك الذين يزعمون أن إعادة الانخراط خطوة ضرورية لتحقيق النفوذ في سوريا والحد من المنافسين الإقليميين، هناك حاجة للحفاظ على السيطرة على الواقع.