الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاستعجال الروسي لحسم معركة درعا قبل قمة هلسنكي

الاستعجال الروسي لحسم معركة درعا قبل قمة هلسنكي

08.07.2018
حامد الكيلاني


العرب اللندنية
السبت 7/7/2018
مع اقتراب موعد القمة المرتقبة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي، تبدو مطابخ الأحداث المؤثرة في العالم على أهبة الاستعداد والنشاط لتسخين ما لديها من وجبات، لوضعها جاهزة على طاولة مباحثات بين الرئيسين أو الدولتين الأكثر جدلا في رسم السياسات وحركة النزاعات الأخطر على مستوى النفوذ أو الاصطفاف أو الصراعات الخفية لأجهزة الاستخبارات ونشاطاتها، بما هو مسموح به ويدخل من باب رصد المعلومات ومتابعتها أو بما يتجاوز عتبة الممنوع إلى بوابة التجسس.
انعقاد القمة له دلالات تكتسب أهميتها من لقاءات متعددة في عقود سابقة احتضنتها العاصمة هلسنكي بين قيادات الدولتين وفي حالات مماثلة من التوتر، وفي توقيت انتهت فيه روسيا من تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، مع ما يحمله ذلك الحدث من مفاتيح إنسانية تميل إلى صالح الدولة المضيفة بخدمات إعلامية هائلة استمرت على مدى شهر في التعريف بالمدن الروسية وتقاليدها ومعالمها السياحية.
بمعنى أن القمة ستنعقد في أجواء تتسم بحضور الوجه المنتصر للحياة والنهضة الروسية في مسرحية لها وجه آخر من السياسة الدولية تتلاشى معه ملامح فرح الانتصارات أو يأس الهزائم في ملاعب استحوذت بتصاميمها المعمارية على إعجاب العالم، واهتزت فيها قلوب المشجعين مع كل قذيفة سجلت هدفا في مرمى وشباك الفرق المشاركة في المونديال.
لكن ماذا عن قذائف وصواريخ سلاح الجو الروسي، وهي تساهم في إذكاء جنون النظام الحاكم في سوريا لتهديم مدينة درعا على ساكنيها. قذائف تهتز لها الأرض حيث تتجمع على الحدود مجاميع الفارين من الموت لتبلغ أعدادهم قرابة 400 ألف نازح مع توقعات بمضاعفة العدد مع استمرار التصعيد.
لماذا انسحبت الولايات المتحدة الأميركية من اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري قبل موعد القمة، وتركت لروسيا القول الفصل في فرض شروطها الاستعلائية المذلة على فصائل المعارضة المسلحة في سلسلة إملاءات الإبادة والتهديم على وقع التخفيض في اتفاقات معلومة الأهداف، كان شغلها الشاغل اغتنام وكسب الزمن لتوجيه الجهد وإدامة زخم القوة العسكرية والسياسية للاستفراد بهدف محدد في متوالية القضاء على الثورة الشعبية السورية.
النتائج في درعا يمكن مراجعتها بما جرى في الغوطة الشرقية لدمشق من مهزلة العنف الروسي، وما ارتكبته الميليشيات الطائفية الإيرانية وقوات النظام السوري، وما رافقها من سقوط هيبة القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن رغم أنها بحدها الأدنى وتحت سقف محاذير الفيتو الروسي.
الاستعجال الروسي في حسم معركة درعا قبل قمة هلسنكي بما في ذلك من معالجة العلاقات الروسية الإيرانية على ضوء الموقف الإسرائيلي الإيجابي من بقاء النظام الحاكم في سوريا ومن تسوية الموقف مع القوات والميليشيات الإيرانية على عموم الأرض السورية وتحديدا في الجنوب، يذكرنا بتسريع الرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية فترته الرئاسية لحسم المواجهة مع تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل لدعم الحملة الانتخابية لمرشحة حزبه الديمقراطي هيلاري كلينتون.
قمة هلسنكي ستكون معنية بمجموع الأزمات الدولية، ومراجعة واقع العقوبات على روسيا بعد تدخلها في أوكرانيا، ترافقها تأكيدات أميركية من البيت الأبيض قبل القمة بعدم الاعتراف بضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس 2014
كلف قرار تسريع تحرير الموصل لأغراض دعائية وانتخابية داخلية في أميركا، الآلاف من الضحايا وتدمير المدينة وتشريد الملايين بما أكدته وقائع المعركة من عدم اكتمال أو نضج الخطط العسكرية في غرفة العمليات المشتركة بكيفية إدارة المعركة في أزقة الموصل القديمة، التي كان من المفروض أن تشارك فيها قوات النخبة من البحرية الأميركية المجوقلة، إلا أنها اكتفت بالتدريب لعدم التضحية بالمقاتلين الأميركان، والمشاهد الختامية للمعركة تغنينا عن سرد نزيف الدم العراقي إن من الأبرياء الذين تهدمت بيوتهم العتيقة فوق رؤوسهم أو من المقاتلين الذين تبوح بأرقام أعدادهم المقابر وطوابير الأيتام والأرامل والثكالى من الأمهات.
ليس بعيدا من القمة ما تناوله الرئيس دونالد ترامب مستندا إلى ما ورد في كلام البرلماني الإيراني مجتبى ذوالنور للطعن في أسباب منح الرئيس أوباما الجنسية الأميركية ل2500 من قادة أو أبناء قادة النظام الإيراني لتسهيل موافقة إيران على الاتفاق النووي.
يأتي ذلك متزامنا مع نشر أسرار مهمة تتعلق بدوافع وخطوات ومواقف الرئيس أوباما في إقناع الإيرانيين بالتوقيع على الاتفاق النووي، ومنها العرض الإيراني لإيقاف الأنشطة النووية ل10 سنوات مقابل رفع العقوبات والكف عن متابعة أنشطتها الخارجية، وبما حصلت عليه إيران من أموال ساعدتها على التمدد ودعم أذرعها وميليشياتها وإرهابها.
وإضافة إلى ما كشف من حقائق عن تهديد إيراني متكرر بالانسحاب من المفاوضات في حالة الموافقة على نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق لسنة 2010 وفرض نوري المالكي في الالتفاف بقانون الكتلة الأكبر، ثم التواطؤ لتهريب زعماء القاعدة الموالين لإيران من السجون وتأسيس تنظيم الدولة وتدبير احتلاله للموصل واستحواذه على الأموال والأسلحة المتطورة، مع ما ورد من معلومات تتعلق بالضربة الكيميائية في الغوطة الدمشقية في أغسطس 2013، وتهديد إيران مجددا بالانسحاب من المفاوضات في حالة تنفيذ الرئيس أوباما لوعيده في ضرب قوات النظام الحاكم في سوريا لتجاوزهم خطه الأحمر.
يذهب الرئيس دونالد ترامب إلى هلسنكي أيضا بحضور متجدد لقضية استهداف الجاسوس سيرغي سكريبال وابنته في مدينة أسبوري البريطانية، وبرفقة الرئيس الأميركي كذلك أصداء الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران ومبرراته وعقوباته وطروحات التلويح بوضع الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية، وتحضر في قمة ترامب-بوتين نتائج قمة سنغافورة مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ- أون.
قمة هلسنكي ستكون معنية بمجموع الأزمات الدولية، ومراجعة واقع العقوبات على روسيا بعد تدخلها في أوكرانيا، ترافقها تأكيدات أميركية من البيت الأبيض قبل القمة بعدم الاعتراف بضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس 2014.
ما يهمنا في القمة المرتقبة حجم المؤشرات التي تفسر إطالة أمد الصراعات في منطقتنا وخلق بؤر الإرهاب باختيار التوقيت والمكان وفق رؤية التوازنات والتجاذبات الاقتصادية والسياسية لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي وعلى طريقة التدوير في أنشطة داعش والميليشيات والإرهاب الإيراني حسب الحاجة.
كأن الأحداث في الساحة الدولية بما فيها من مصائب اللجوء والنزوح والجوع والموت والتغيير الديموغرافي وعشوائية الحروب وعبثيتها هي مجرد حفنة تعويضات لسد النقص في تداولات هذه الكفة أو تلك من بورصة العلاقات الأميركية الروسية، لاستمرار خفض أو تصعيد التوتر على قائمة طويلة تتباين فيها المصالح والمواقف من الأزمات الدولية.