الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاستبداد يصنع الإرهاب

الاستبداد يصنع الإرهاب

18.05.2019
طلال المصطفى


جيرون
الخميس 16/5/2019
حاز موضوع الإرهاب، خلال السنوات الأخيرة، الاهتمامَ الأول على الصعيد العالمي، من عقد المؤتمرات الدولية والندوات الفكرية والسياسية الخاصة بمكافحة الإرهاب، حتى إنه أصبح موضوعًا ثابتًا في وسائل الإعلام المتنوعة عالميًا، يحتل صدراة الأنباء بين الحين والآخر.
استنادًا إلى استراتيجية مكافحة الإرهاب، أعلن رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب عن رغبته في وضع بعض المنظمات السلفية السياسية في لائحة الإرهاب، وكان آخرها رغبته في إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الجماعات الإرهابية، بعد استضافته للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي صنف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، في إثر انقلابه العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي المنتمي إلى الإخوان المسلمين، إضافة إلى تمديد حالة الطوارئ والعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية ضد النظام السوري، التي أعلنها عام 2004 جورج بوش الابن بشأن دعمها للإرهاب، والتي لا يتضرر منها إلا المواطن السوري.
على الرغم من سعي معظم دول العالم، بكل هيئاتها ومنظماتها الرسمية وغير الرسمية، للتصدي لظاهرة التنظيمات الإرهابية في العالم، خصوصًا على الصعيد العسكري واللوجستي والأمني، فإن واقع الحال يثبت استمرارها بأشكال جديدة ومتنوعة.
قبل الحديث عن ماهية الإرهاب، لا بدّ من طرح الأسئلة التي تتهرب معظم الدول التي تدعي مكافحة الإرهاب من الإجابة عليها بوضوح: من الذي يقرر من هي التنظيمات الإرهابية؟ ومن هي ليس كذلك؟ وما الذي يشكّل عملًا إرهابيًا؟ وأيّهما أخطر على البشرية: الأنظمة الاستبدادية الإرهابية المعترف بها في منظمات الأمم المتحدة، أم المجموعات الإرهابية؟ ومن يصنع المجموعات الإرهابية؟ أليس الأنظمة الاستبدادية الإرهابية؟ وما هي الفوارق أو التشابهات بين هذه الأشكال الإرهابية إن وجدت؟ وما هو المعيار الذي يقاس به الفعل الإرهابي؟ وبناء عليه يتم وصفهم بأنهم إرهابيون أو وصف أعمالهم بأنها إرهابية؟ وهل يكمن الخطر حقًا في الفعل الإرهابي نفسه أم في من يرتكبون أمثال هذه الأعمال الإرهابية، أم أنه يكمن في الأنظمة الاستبدادية التي تصنع التنظيمات الإرهابية وأفعالها في أجهزتها المخابراتية، وفي مؤسساتها الإعلامية من خلال تضليلها للرأي العام بحقيقة الإرهاب الحقيقي؟
تعددت تعاريف ماهية الإرهاب على الصعيد العالمي تبعًا للخلفية السياسية التي تقف وراءه، ولكن هناك شبه إجماع، على صعيد منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان ومعظم المتخصصين بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، على اعتبار أن الإرهاب “هو كل عمل عنف مسلح يرتكب بغرض سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو أيديولوجي أو ديني، ينتهك المبادئ العامة للقانون الإنساني التي تحرم استخدام وسائل وأساليب وأدوات عنف قاسية أو مهاجمة أهداف مدنية بريئة دون أن يكون لذلك ضرورة ماسة”.
هذا التعريف يقودنا إلى الحديث عن إرهاب الأنظمة الاستبدادية الرسمية الذي يحمل الطابع الرسمي، والذي يمثل النظام السوري في عهد الأسد الأب والابن أبرز تجسيد له في سياسته تجاه الشعب السوري، من استخدام الأرض المحروقة في حربه ضد السوريين المطالبين بالحرية والكرامة، إلى الإرهاب الذي يقوم به أشخاص منفردون أو مجموعة من الأشخاص بدعم من هذه الأنظمة الاستبدادية، كما هو ممارس في السنوات الثمانية الأخيرة في سورية، من قبل ميليشيات ومجموعات طائفية ومذهبية. وفي هذه الحالة، يكون النظام الاستبدادي عادة هو الذي يموّل الإرهابيين، وهو من يقوم بتدريبهم ودعمهم لينفذوا عملياتهم الإرهابية داخل الدولة وخارجها، بهدف إحداث تغييرات سياسية معينة، وإما أن يكون النظام الاستبدادي الداعم للإرهاب يدعم أنظمة أخرى تمارس الإرهاب على مستوى الدولة، وهذا الأمر ينطبق على النظام السوري والأنظمة الاستبدادية الأخرى الداعمة للمنظمات الإرهابية التي تستهدف أمن الدول والمواطنين، والأمثلة على ذلك كثيرة، من الحرس الثوري في إيران إلى “الحشد الشعبي” في العراق و”حزب الله” في لبنان.
على أرض الواقع، هناك العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تنفرد في عدم تحديد ماهية الإرهاب إلا وفق مصالحها، وهي بذلك تأخذ معيارًا انتقائيًا، فإذا كان العمل موجهًا ضد مصالحها كان إرهابيًا، وإذا كان العمل الإرهابي يخدمها سياسيًا، يكون دفاعًا عن النفس ومشروعًا.
أعتقد أن تركيز الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي من ورائها، على محاربة الإرهاب، من خلال محاربة التنظيمات الإرهابية ووضعها على قائمة الإرهاب والحجز على أموالها… إلخ، يقع في علاج القشور والمظاهر الخارجية للإرهاب، فالإرهاب لا يتحدد في القاعدة وطالبان و(داعش) و”جبهة النصرة” و”الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني وربما الإخوان المسلمين في المستقبل، تلك الحرب على الإرهاب هي حلول وهمية وتجميلية، تقع في سياق البروباغندا الإعلامية، سرعان ما تختفي هذه التنظيمات لتعود من جديد بمسميات أخرى، كالنار من تحت الرماد، الحلول الحقيقية والجادة تكمن في محاربة الأنظمة الاستبدادية المسببة والمصنعة لهذه التنظيمات الإرهابية.
أليست هذه السياسة دليلًا على فشل الولايات المتحدة الأميركية والدول الفاعلة في العالم في التعامل بحزم مع ظاهرة الإرهاب وعدم القدرة على احتوائه والقضاء عليه. فمكافحة الإرهاب تتم من خلال محاربة المصنع الحقيقي للإرهاب المتمثل بالأنظمة الاستبدادية، وليس بمحاربة منتجات المصنع المتمثلة بالتنظيمات السلفية الإرهابية، أمثال القاعدة و(داعش) والحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” و”جبهة النصرة” وغيرهما.
تقرر الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى وضع الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” اللبناني على قائمة الإرهاب، وتتفاوض مع النظام الإيراني الاستبدادي المصنع الحقيقي لهذه التنظيمات الإرهابية، كذلك الأمر بالنسبة إلى النظام الاستبدادي السوري، لم تعرف سورية التنظيمات السلفية الإرهابية قبل استيلاء الأسد الأب على الحكم، حتى الإخوان المسلمون كانوا يشاركون في الفعل السياسي، كبقية الأحزاب السياسية الأخرى في الانتخابات البرلمانية والبلدية وغيرها، قبل استيلاء الأسد الأب على السلطة الذي شرع القانون (49) عام 1980 الذي يحكم بالإعدام على كل منتسب أو يُشك بتعاطفه مع الإخوان المسلمين، والذي يُعدّ قانونًا إرهابيًا بامتياز، فلولا استبداد النظام السوري وإرهابه، لما وجدنا هذه التنظيمات السلفية المتطرفة الطارئة على المجتمع السوري، كردة فعل على إرهاب النظام السوري الرسمي المنظم، حتى هناك العديد من الدلائل التي تشير إلى المساهمة المخابراتية للنظام في صنع وتوجيه العديد من التنظيمات الإرهابية، في السنوات الثمانية الأخرى ليشرعن حربه الإرهابية ضد الشعب السوري، وما عودة العديد من قيادات التنظيمات الإرهابية، ومنها (داعش) و(النصرة) وغيرهما، إلى حضن الأسد من خلال ما يسمي بالمصالحات إلا دليل على ذلك.
أعتقد بأن من أهمّ الأمور على الصعيد الدولي، إذا كانت هناك استراتيجية جادة لمكافحة الإرهاب، التوصل إلى تعريف محدد وواضح لموضوع الإرهاب، لمنع الالتباس القائم بينه وبين مصطلحات قريبة منه، وممارسة سياسة ذات جدوى حقيقية، في مكافحة الإرهاب التي تتضمن محاربة المسببين والمصنعين الحقيقين للتنظيمات الإرهابية، والمتمثلين في الأنظمة الاستبدادية أمثال النظام السوري والإيراني ومن على شاكلتهما، ويتم ذلك بداية في دعم القوى السياسية والاجتماعية الحاملة لقيم الحرية والمواطنة والحداثة التي تعمل من أجل بناء الدول الديمقراطية المعاصرة على أنقاض الأنظمة الاستبدادية الإرهابية، هكذا تبدأ الخطوة الأولى في محاربة الإرهاب في العالم.