الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاحتفاء بإنجاز لم يتحقق في سوريا

الاحتفاء بإنجاز لم يتحقق في سوريا

24.04.2018
عاصم عبد الخالق


الخليج
الاثنين 23/4/2018
خلاصة ما ذهب إليه المحللون العسكريون الأمريكيون، أن الضربة الصاروخية على الأهداف التابعة للنظام السوري لم تحقق إنجازاً من أي نوع من الناحية العسكرية. أما زملاؤهم من المحللين السياسيين فيرون أن عدم تحقيق إنجاز عسكري كبير كان مطلوباً ومتعمداً. أي أن ما لم يتحقق بالمقاييس العسكرية كان مستهدفاً؛ بناء على الحسابات السياسية.
تفسير ذلك ليس عسيراً: كان بوسع الولايات المتحدة أن تلحق أضراراً جسيمة بالقدرات العسكرية والمدنية للنظام السوري، أو تدمره تماماً؛ ولكنها لم تفعل. ولم تحاول تغيير موازين القوى على الأرض. فلم تتقوض قدرات النظام، ولم تحقق الغارات مكسباً للمعارضة المسلحة، التي انتهى وجودها العسكري فعلياً. لم تقترب الهجمات الصاروخية أو الجوية من مناطق تواجد قوات روسيا أو إيران، ولم تلحق الأذى بجندي واحد من جنودهما. لم تحاول الولايات المتحدة أن تدمر مقار الحكومة السورية، ولم تستهدف مسؤولاً سورياً واحداً سياسياً كان أو عسكرياً. كان من الواضح تماماً أن واشنطن تريد جراحة محدودة، ودقيقة تفضي إلى تأثير سياسي وليس عسكرياً.
وقد اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية ضمنياً بهذا التوجه؛ عندما أعلنت بعد الغارات مباشرة أن الهدف كان ردع النظام السوري؛ لمنعه من معاودة استخدام أسلحة كيماوية، ولم تقل إن الهدف كان تدمير النظام أو حتى إضعافه. وأعادت الوزارة تأكيد أن الهدف الرئيسي للنشاط العسكري في سوريا هو محاربة "داعش"، والقضاء عليه؛ أي ليس القضاء على النظام أو المشاركة في الحرب.
القراءة السياسية لهذا البيان تكشف بوضوح لماذا لم تتوسع واشنطن في عملياتها، ولماذا لم تكن هذه العمليات مؤثرة عسكرياً. وبطبيعة الحال امتنعت الإدارة الأمريكية عن التصريح بما هو معروف بالضرورة من أنها تجنبت إحراج روسيا، التي تعد الضربات إهانة لها وهزيمة لأسلحتها التي تزود بها النظام السوري.
ولذلك كان مفهوماً لماذا بادرت موسكو قبل دمشق بالإعلان عن نجاح الدفاعات الأرضية السورية (ذات التسليح الروسي) في إسقاط عشرات الصواريخ المهاجمة قبل بلوغ أهدافها.
ومن الواضح أيضاً أن مشاركة فرنسا وبريطانيا في الهجوم لعبت دوراً قوياً في عدول أمريكا عن استهداف إيران، أو استفزاز روسيا؛ لحرص الدولتين الأوروبيتين على علاقتهما ومصالحهما الاقتصادية مع طهران وموسكو.
ما سبق يفسر ما قاله المحللون السياسيون من أن عدم تحقيق إنجاز عسكري كبير كان هو بالضبط الهدف الذي حرصت عليه واشنطن، التي يبدو أنها متمسكة بعدم الانزلاق إلى مستنقع الحرب الدائرة في سوريا.
أما الإنجاز الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلانه أن "المهمة اكتملت" فهو بلا شك يتعلق بمكاسبه السياسية التكتيكية محدودة الأثر، وقصيرة المدى على الصعيد الداخلي. يأمل الرئيس الأمريكي أن يستفيد من الضربات الأخيرة في تخفيف الضغوط الواقعة عليه؛ بسبب استمرار التحقيقات حول علاقات مساعديه بموسكو، وتدخلها المحتمل في الانتخابات الأمريكية. وهو لا يريد أن يظهر في صورة الزعيم القوي فحسب؛ بل الرئيس الشرس في مواجهة روسيا على نحو خاص.
ومن هذه الزاوية يمكن فهم تحذيراته العلنية الاستعراضية إلى موسكو قبل الضربة، بأن تستعد للصواريخ الذكية الأمريكية المتأهبة للانطلاق، وكأنها ستضرب روسيا وليس سوريا.
مثل هذا التوظيف السياسي الداخلي لإجراءات خارجية أمر معروف، وكثيراً ما يلجأ إليه القادة في أمريكا وغيرها؛ ولكن في حالة ترامب تبدو مشاكله الداخلية أكبر بكثير من أن تحلها هذه الغارة العابرة وهو ما بدا واضحاً خلال الأيام التي تلتها وحتى الآن. كما أن استمرار نزيف الدماء السورية يضعه في مأزق أخلاقي كبير؛ لأنه لا فرق في الواقع بين أن يموت الأبرياء بسلاح كيماوي أو بأسلحة تقليدية، فلماذا ينتفض للثأر لضحايا الكيماوي ويتخلى عن الآخرين؟.