الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإعدامات في إيران وسيلة للترهيب وكمّ الأفواه 

الإعدامات في إيران وسيلة للترهيب وكمّ الأفواه 

17.09.2020
جمال عبيدي



 النهار العربي  
الاربعاء 16/9/2020 
يأتي إعدام المصارع الإيراني نويد أفكاري في الثاني عشر من الشهر الجاري كحلقة أخرى من مسلسل ليل إيران الطويل، بطَلهُ نظامٌ ما فتئ يتفنن في أساليب القهر والظلم خدمة لبقاء رجال الدين على كرسي معمّد بالجماجم وتتأرجح منه حبال المشانق. بداية مسلسل الإعدامات هذا كانت بعد أقل من 48 ساعة على انتصار الثورة الإسلامية في إيران في الحادي عشر من شهر شباط (فبراير) 1979، حيث أسس الخميني حينها ما سُمي بمحكمة الثورة وعين على رأسها رجل دين، أَطلق عليه الإيرانيون اسم "قصاب الثورة"، هو صادق خلخالي (توفي بمرض السرطان عام 2003). وبالفعل، بدأ خلخالي هذا يجوب الأقاليم الإيرانية منذ اليوم الأول لتعيينه رئيساً لهذه المحكمة ولينفذ وبشكل عشوائي المئات من أحكام الإعدام الظالمة التي طاولت أبناء الشعوب وقادة القوى السياسية (اليسارية والقومية) المعارضة لسيطرة رجال الدين على مقاليد الحكم في البلاد حتى عزله من قبل رئيس المحكمة العليا محمد بهشتي في شباط (فبراير) 1980. 
في مقدم ضحايا ماكينة الإعدام التي أسسها الخميني حينها كان قادة النظام البهلوي المخلوع (ساسة وعسكريين) وكذلك قادة الكرد والعرب الأحوازيين وغيرهم من قادة الشعوب الأخرى الذين طالبوا بعد انتصار الثورة مؤسس الجمهورية الإسلامية، الخميني، والقادة الجدد في طهران، بالوفاء بالعهود والالتزامات التي قطعوها لهم قبيل انتصار الثورة بمنحهم الحكم الذاتي في أقاليمهم. 
في ما يخص إحصاء حالات الإعدام خلال العقود الأربعة من عمر الثورة في إيران، قال المفكر اللاهوتي والكاتب والسياسي الإيراني المعارض محسن كديور في حوار أجراه معه تلفزيون "إيران انترناشونال" بتاريخ 23 كانون الثاني (يناير) 2019، أن التقارير الأممية وتقارير مراكز حقوق الإنسان، ومنها مركز "برومند" لحقوق الإنسان في إيران (بنياد برومند)، تشير إلى أن العدد الإجمالي للإعدامات خلال هذه الفترة قد تجاوز الـ25 ألفاً و400 حالة إعدام، مضيفاً أن أكثر من نصف هذا الرقم - 13700 حالة إعدام - كانت قد تمت في عهد الخميني خلال السنوات العشر الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية (من عام 1979 إلى عام 1989)، بمعدل أكثر من 26 حالة إعدام في كل أسبوع! 
إعدامات إيران في الداخل امتدت لتطاول معارضيها أينما وجدوا في الخارج أيضاً. ففي تقرير لها بتاريخ 23 أيار (مايو) 2020 عن عمليات الاغتيال التي استهدف نظام طهران معارضيه خارج حدوده، ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن طهران قامت باغتيال 360 شخصاً من معارضيها في أكثر من 40 دولة في انحاء مختلفة من العالم. وتحدث التقرير أن هذه العمليات قام بها عناصر من "فيلق القدس" وجهاز الاستخبارات (اطلاعات) إضافة إلى دور كبير لعملائها المنتشرين في كل مكان، كـ"حزب الله" اللبناني.   
الإعدام: آلية للرعب والخوف 
قيام نظام طهران بتنفيذ عدد كبير من الإعدامات في الداخل الإيراني وكذلك الاغتيالات التي طاولت معارضيه من سياسيين أو غيرهم من النشطاء المقيمين في الخارج، إضافة إلى عمليات الخطف التي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، دفعت بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان للاعتقاد بوجود رابط قوي بين تلك الإعدامات وسياسات النظام الترهيبية تجاه مواطنيه بمعنى أن عمليات الإعدام والاغتيال والخطف ما هي إلا سياسة ممنهجة لبث الرعب والخوف ومحاولة لإثبات قوة نظام بقتله مواطنيه! وما قاله المقرر الأممي المعني بحقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمان، في تقريره الأخير عن تعمد السلطات الإيرانية قتل المحتجين في الشوارع في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وكذلك التقارير الحقوقية للمنظمات الإيرانية عن نصب المشانق على الرافعات لإعدام المعارضين أمام الملأ، ما هو إلا تأكيد على أن عمليات الإعدام هي في واقع الأمر وسيلة لبث الرعب والخوف في نفوس المواطنين الإيرانيين الذين سئموا سياسات رجال الدين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. 
واللافت للنظر في إطار ظاهرة الإعدام في إيران هو العناد الذي تمارسه السلطات هناك في طريقة تعاملها مع هذه القضية. فبالعودة إلى قضية إعدام الرياضي والمصارع نويد أفكاري، فجر يوم السبت 12 أيلول (سبتمبر) الجاري، لم تلقَ المطالبات الشعبية الواسعة داخل إيران وخارجها وكذلك المطالبات الرسمية من دول الاتحاد الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية بوقف عملية الإعدام، صدىً لدى النظام في طهران، بل على العكس، وقبيل عملية الإعدام، قام النظام ببث شريط يظهر فيه أفكاري وهو يدلي باعترافاته بقتل حارس الأمن عقب التظاهرات عام 2018. 
للأسف عملية إعدام نويد أفكاري لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في ظل النظام الحالي في طهران، وقد تكون واقعة إعدام الفتاة الإيرانية ريحانة جباري صاحبة الـ19 ربيعاً في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2014، والتي قتلت ضابطاً سابقاً في وزارة الاستخبارات دفاعاً عن شرفها، وكذلك إعدام المعلم والشاعر الأحوازي هاشم شعباني في 27 كانون الثاني (يناير) 2014 لمجرد أنه كان يعلم أبناء جلدته اللغة العربية التي مُنعوا من تعلّمها في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، نماذج إعدامات لم ولن نشاهد مثلها إلا في ظل حكم رجال الدين في إيران!