الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الأمعاء الخاوية" وسيلة احتجاجية أمام قهر المجتمع الدولي

"الأمعاء الخاوية" وسيلة احتجاجية أمام قهر المجتمع الدولي

07.07.2019
فاتح حبابة

          
نداء سوريا
السبت 6/7/2019
في نهار يوم الأربعاء، الثالث من شهر تموز، وفي جو حار لا يستطيع الإنسانُ تحمل متاعبه ومشاقه، أجريتُ اتصالاً مع مَن أشعل معركة "الأمعاء الخاوية"، "بريتا حاجي حسن"، والذي كان قد أعلن إضرابه عن الطعام في الثامن من حزيران عام 2019م، احتجاجاً على المجازر التي يقوم بها نظام الأسد وروسيا في الشمال السوري المحرر، ويود من خلالِ وسيلةِ احتجاجه هذه، إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي: أن أوقفوا هذا الإجرام.
بريتا والذي كان يَشْغَلُ منصب (رئيس مجلس مدينة حلب الحرة) سابقاً، ولاجئاً نشيطاً وناشطاً في باريس حالياً، قضى أياماً في المستشفى بسبب تدهور حالته الصحية، كما حدثني.. وبعد خروجه منها باتت صحته الآن أفضل قليلاً، وهو ما زال مستمراً في إضرابه.
يفترش "بريتا" الأرض جالساً أمام مقر الأمم المتحدة في العاصمة السويسرية جنيف، والتي لم يتلقَّ منها إلا وُعوداً ورسائل تعاطُف دون الوصول إلى نتائج بحسب قوله، ومع ذلك هو واقفٌ صامدٌ لإرسال رسالته وتحقيق هدفه.
لم تقتصر الوسيلة التي ارتضاها بريتا على نفسه فحسب، بل كانت باكورة إضرابات، لحقه بها عشرات من المضربين عن الطعام والآلاف من المتضامنين معهم، في كثير من الدول، تضامنوا مع شخصية اختزلت الألم في صورة جسد لا يدخله الطعام يعاني أشد المعاناة.
السوريون وفي مصارعتهم للباطل، المتمثل بالنظام السوري بداية، والممتد للغزاة المتعددين الذين يستخدمون أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً، لم يتركوا وسيلة إلا واتخذوها في طريقهم نحو الحرية، لبناء دولة عادلة كريمة، من العمل السلمي والتعبير بالكلمة إلى حمل السلاح مروراً بجميع ما تتطلبه المرحلة الزمنية التي تمر بها سوريا الآن، وصولاً إلى معركة الأمعاء الخاوية.هذه المعركة وسيلة مقبولة لدى بعض المجتمعات، ومرفوضة لدى مجتمعات أخرى، وربما هي التي تَعتبر أن هذه الوسيلة مقتصرة على اليسار المتشدد، ولذا هي مرفوضة، والأولى تعتبرها وصولاً لآخِر ما يمكن أن يقدمه الإنسان في تشكيل ضغط للوصول إلى أهدافه المحقة، كالمعتقل في سجون الاحتلال ويطالب بالإفراج عنه، أو كحالة السوريين ومطالبتهم للمجتمع الدولي، الذي يعتبره كثيرون شريكاً في الإجرام فضلاً عن صمته عنه.
من وجهة نظري كصحافي مطلع على الشريعة الإسلامية، ومن خلال مشاورات جرت مع شخصيات إسلامية دعوية وفكرية، وصلت إلى أن الإضراب عن الطعام للوصول إلى مطلب، ولو كان تحقيقه ظنياً، فيه وجهات نظر متعددة، فإيصال رسالة الأمعاء الخاوية إلى المجتمع الدولي ربما تتحقق، لكن إلى أي مدى منظماته جادة في إيقاف الآلة القمعية، وهل الضغط سيلقى أذناً تستمع إليه! .. تبدو أنها رسالة إلى الشعوب المقهورة أكثر منها رسالة إلى دول أهم ما يهمها تحقيق مصلحتها الذاتية.
ومع ذلك فإن الذي يسير في هذا الطريق، فإنه يمتلك شعوراً إنسانياً عظيماً، وشعوراً بالمسؤولية تجاه بلده يشكر عليه، بل ويُقبَّل جبينه لهذا الهم الذي يؤرقه تجاه ما يجري لوطنه، لكن ألا يعتبر هذا السلوك وهذه الوسيلة مخالفة لقيم الإسلام التي جاءت لتحفظ النفس من الهلاك، والتي حثت على تقوية الجسد، لأهداف متعددة أهمها مقارعة الطغاة والغزاة!
إذن هي خطوة في سياق الضغط، لا بد لها من مطلب محدد وواضح، والانتباه إلى التوازنات السياسية والميدانية، والتراخيص اللازمة حسب كل دولة، سواء من المتضامنين أو المضربين، والسعي لإيصال الرسالة بحرفية، عن طريق التواصل مع وسائل الإعلام، والترويج لهذا التعبير السلمي، الذي يُعتقد أن يشكل رأياً عاماً يكون من خلاله الوصول إلى شريحة أوسع.
إن أي رسالة في علم التواصل، تحتاج إلى مُرسِل، وفحوى، ومُسْتقبِل، ورجع صداها يقاس بمعايير دقيقة، وأهم هذه المعايير مدى الانتشار، وأهم الأهداف هي أن تصل إلى المستقبل الذي بيده القرار، مع الظن بأنه متعجرف لا يهمه سوى مصلحته الذاتية كما أشرت آنفاً، فلا بد أن تتنوع هنا الأساليب، بأشكال متعددة والتضامن يكون من خلال استخدام آليات ووسائل للتعبير متميزة، والتضامن برأيي أهم من الإضراب وهذا يخدمه ذاك.
الحذرَ الحذرَ من الوصول إلى درجة الموت -لا سمح الله- بسبب الإضراب عن الطعام، فإنه فيه من الخطورة ما يؤثر على الجسد المأمورين بحفظه، وتقويته، فلا بد من مراجعة المختصين في الطب، ومراعاة استخدام الماء والملح، والماء والسكر، وكذا التمر، وغير ذلك مما يساعد على بقاء الجسد على قيد الحياة، وعند الشعور بالانهيار لا بأس في تعليق الإضراب.
هناك أشكال مختلفة للإضراب عن الطعام بالتناوب مثلاً في خيمة يضرب بها أشخاص يتبادلون المهمة فتبقى الرسالة في فحواها موجودة، ولا بد هنا من تحديد مدة زمنية لا يتم تجاوزها بل تعليق الإضراب ثم استئنافه، وهذا لا بأس فيه.
في النهاية الإضراب عن الطعام وسيلة سامية، والقائم بها عزيز بين قومه، مأجور على حسه وإحساسه، عسى أن تُحقِّق شيئاً أمام مجتمع دولي يقهر الضحية فوق قهرها.