الرئيسة \  مشاركات  \  الأمراض العقلية : بين الطبّ والسُلطة

الأمراض العقلية : بين الطبّ والسُلطة

18.12.2018
عبدالله عيسى السلامة




 (1)  في الطبّ / مشفى ابن سينا ، للأمراض العقلية والعصبية !
كانت النماذج كثيرة ، أبرزها ثلاثة :
1. شرطي المرور : يرتدي مايشبه لباس الشرطي ، ويحمل الصافرة بيده ، ويتلفّت يمنة ويسرة ، ويصفر، ويشير بيده ، إلى الناس ، كي يمرّوا .. داخل الساحة الواسعة للمشفى ! وهو سعيد ، بممارسة هذا الدور: إنه شرطي مرور ، له سلطة ، على العابرين ، الذين لا يراهم ، ولا يرونه ! يكفي أن يحسّ ، ويقتنع ، بأنه شرطي مرور، له سلطة على العابرين ، بسياراتهم ، أو بلا سيارات !
وقد عرف شأنَه ، القائمون على أمر المشفى ، والعاملون فيه ؛ فتركوا له حرّية التصرّف ، بما يناسب مزاجه المريض ، دون أن يعيقوا حركته !
(ب)  الكولونيل (العقيد) : كان يضع ، على رأسه عَمرة ، ويرتدي معطفاً طويلاً ، ويضع على كتفيه ، أغطية زجاجات المياه الغازية .. ويتجوّل في ساحات المشفى الخارجية ، يصدر الأوامر، لمن يراه من الناس ، ولمن لايراه .. بمنتهى الجدّية والرصانة والحزم ! وقد عَرف وضعه ، العاملون في المشفى ، وتركوا له حرّية التصرّف ، بالطريقة التي تريحه !
(ج) الملك : كان يرتدي معطفاً طويلاً ، ويضع حول رأسه ، طوقاً من التنك ، يشبه مايضعه الملوك ، ويسدل شعره المسرّح ، الفضيّ الطويل ، على ظهره ! ولم يكن يتجوّل ، في ساحات المشفى ، بل كان يدخل الندوة، وينتحي فيها ، زاوية بعيدة عن الناس ، ويحتسي الشاي ، أو القهوة ، برصانة الملوك ، دون أن يقترب من أحد ، أو يقترب منه أحد .. ودون أن يكلّم أحداً ، أويكلّمه أحد ! حتّى إذا حان وقت نهوضه ، نهض ، بوقار ورصانة ، وسار بهدوء ، واثق الخطوة ، لاينظر حوله ، حتى يصل الغرفة ، المخصّصة له ! وقد عرف أمره ، العاملون في المشفى ، فتركوا له حرّية التصرّف ، كما يشاء ، دون أن يعترض أحد ، على سلوكه الملكي الراقي !
(2) في السلطة : / خارج مشفى الأمراض العقلية !
النماذج  كثيرة ، جدّاً ، لا تقتصر على : شرطي وكولونيل وملك ؛ فهناك : الوزير، ورئيس الوزراء ، ورئيس الجمهورية ، والأمير، والشيخ ..!
وكلٌّ من هؤلاء ، يؤدّي دوره ، بالشكل المناسب له ، ولسلطته ! والفرق الأساسي ، بين هذه النماذج ، وتلك ، التي في مشفى ابن سينا ، هو: أن هذه ، تنتظر توجيهات الآخرين ، وتعليماتهم ، من داخل بلادهم ، ومن خارجها : كلٌّ ينتظر التعليمات والتوجيهات ، من الجهة، التي منحته المنصب ! وهذه التعليمات والتوجيهات ، تأتي إليهم ، بصور مختلفة : مرّة بالهاتف ، ومرّة برسالة مكتوبة ، ومرّة بإشارة باليد ، ومرّة بغمزة ، أو عضّة على الشفاه.. فينتبه صاحب السلطة، إلى خطئه ، إذا كان قد أخطأ ، ويعدّل سلوكه ، بما ينسجم ، مع إرادة صاحب السلطة الحقيقي ! وإذا أصرّ صاحب السلطة الممنوحة ، على سلوك ، لايرضي مانح السلطة ، يكون مصيره ، كمصير من سبقه ، إلى هذه السلطة ! وكلّهم يعرفون مصائر سابقيهم !
ويقى السؤالان المهمّ والأهمّ :
المهمّ :  أيّهم أسعد حالاً : مَن هم داخل المشفى ، أم مَن هم خارجه ؟
الأهمّ : أيّهم أقلّ إيذاء للناس : مَن هم داخل المشفى ، أم مَن هم خارجه ؟
ولله في خلقه شؤون !