الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأكراد يتمردون على"سايكس بيكو"

الأكراد يتمردون على"سايكس بيكو"

22.08.2017
عبد الحميد المجالي


الدستور
الاثنين 21/8/2017
بعد الحرب العالمية الاولى، وعد المنتصرون في الحرب، الاكراد بالاستقلال وتقرير المصير، غير ان هذا الوعد لم يتم الوفاء به، وتم توزيع ارض وشعب الكرد، بين اربع دول هي ايران وتركيا والعراق وسوريا، ومنذ ذلك الوقت والاكراد يحلمون بدولة كأي قومية اخرى في المنطقة، وقدموا تضحيات طوال المئة عام الماضية ولايزالون، على امل ان يصبح هذا الحلم حقيقة.
 وفي الظروف التي يمر بها العراق، يشعر الاكراد بان الجزء الكردي من ذلك البلد، يمكن ان يشكل نواة لتحقيق الدولة المنشودة، اذ قال مسعود برزاني زعيم الاقليم في تصريح له قبل عامين، انه يجب تغيير الواقع الذي فرضته اتفاقية سايكس بيكو.
وفي هذا الاطار، دعا الى اجراء استفتاء على الاستقلال عن الحكومة المركزية في الخامس والعشرين من ايلول المقبل، وقد اثارت الدعوة ردود فعل معارضة من بغداد والقوى الاقليمية والدولية، وكل له اسبابه ودوافعه الخاصة به.
ولكن مالذي دفع حكومة كردستان العراق الى الدعوة لهذا الاستفتاء في هذا الوقت بالذات؟ هناك مجموعة من المعطيات تجيب على هذا السؤال:
اولا : وصول العلاقة بين اربيل وبغداد الى مرحلة انسداد الافق على واقع تراكم الخلافات التي بدات باشكاليات تصديرالاقليم للبترول عبر تركيا دون الرجوع الى الحكومة المركزية او تقسيم العائد بينهما، مرورا بالنزاع الاكثر حساسية حول تبعية العديد من المناطق.
ثانيا : نجاح البشمركة في السيطرة على مناطق واسعة في محافظة كركوك المتنازع عليها، من خلال مشاركتها في الحرب على داعش، ما يعتبر انجازا يمكن فرضه كأمر واقع على بغداد.
ثالثا : رغبة حكومة الاقليم في استثمار الاعتراف الدولي بدور البشمركة والاقليم ككل في محاربة داعش، وترجمة ذلك او وضعه في مسار الاستقلال.
لم يجد الاكراد من يؤيدهم في هذه الدعوة، حتى حليفتهم الولايات المتحدة دعتهم الى تجيل الاستفتاء قائلة انه سيؤثر على الحرب على داعش. والموقف نفسه اتخذته الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي، وبالطبع عارضته بشدة كل من ايران وتركيا وسوريا، التي تخشى ان تمتد عدوى الاستقلال الى الاكراد في الدول الثلاث، رغم اختلاف ظروف الاكراد في كل بلد من هذه البلدان، فتركيا تخوض حربا طويلة مع حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بحكم ذاتي. فيما تشهد ايران حركة معارضة كردية اضعف، اما اكراد سوريا فيتحركون في حالة اللا دوله، وخارج سيادة وامن الدولة، وفي منطقة تبحث معظم فئات الشعب فيها عن هوية سياسية جديدة، وتمر بمرحلة تقاسمات لمصالح دولية لاتقل عمقا عن تلك التي تلت الحرب العالمية الاولى، وهي عوامل مثالية تفتح شهية اكراد سوريا لمشروع انفصال او حكم ذاتي قريب من شكل دولة.
كرد العراق يبعثون باستمرار برسائل اطمئنان تؤكد، ان نتيجة الاستفتاء لاتعني الاستقلال، ما يعني ان الهدف في الوقت الحاضر، هو ان ورقة النتائج ستعزز موقفهم في التفاوض مع بغداد في القضايا المختلف عليها، وخاصة اذا صوتت كركوك المتنازع عليها لصالح الاستقلال.
النتيجة المتوقعة للاستفتاء على الاستقلال هي “نعم “ ، و ستشكل خطوة تحمل شرعية شعبية نحو الاستقلال في المستقبل، وعلى الرغم من ان بغداد تفهم هذه الدلالات، الا ان الصدام مع الاقليم مستبعد في الوقت الحاضر على الاقل، فالامر يعتمد على جدية بغداد في اعترافها بنتائج الاستفتاء، ورضى الطرفين عن اللوحة السياسية الجديدة التي سترسمها النتيجة المتوقعة، والتي قد تؤدي الى اعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين باتجاه ان يعطى الاكراد مزيدا من الاستقلالية في شؤون لاتزال بيد الحكومة المركزية .
ولكن ما هي التداعيات الاستراتيجية لاي انفصال كردي عن المركز العراقي؟
اولى هذه التداعيات : هي تدشين بداية لمرحلة سياسية جديدة عنوانها تقسيم العراق طائفيا او عرقيا، وهو ما يعني ان وحدة الدولة العراقية باتت على المحك، وان الصراع مابعد داعش سيكون صراعا بين الدولة وبين مكوناتها الطائفية. وثاني هذه التداعيات: هي ان الانفصال يعني زيادة حدة المشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجه الاقليم، التي قد تحوله الى دولة تشبه في حالتها دولة جنوب السودان بعد الانفصال، خاصة وان دول الاقليم لن تترك هذه الدولة تسير نحو مستقبل واعد للكرد.  اما ثالث التداعيات : فهي بالطبع، تفاقم الخلافات مع بغداد، وخاصة حول المناطق المتنازع عليها. ورابع التداعيات هو: احتمال اتساع معادلة الصراع بين بغداد واربيل، ليشمل المتغير الشيعي الذي قد يستخدم القوة مع الاقليم بتحريض من طهران. وخامس التداعيات هو امكانية امتداد الانعكاسات السلبية للانفصال الى الدول المجاورة، وتحديدا تركيا وايران وسوريا.
الكيان السياسي في كردستان العراق ثنائي الدلالة: فهو الى جانب كونه تحقيقا لهدف قومي قديم، فهو يعاني من هشاشة نظامه السياسي والاقتصادي، ويقع على امتداد صدع المصالح الاقليمية والدولية، وهي كلها قنابل موقوتة تتحكم القوى الخارجية في ساعتها الزمنية، ولاتبعث على الاطمئنان لجهة بقاء دولة ستكون مغلقة الجوانب ومحاصرة من الدول الرافضة لوجودها. وحينئذ لامفر لها من الوقوع في مصيدة التجاذبات الراهنة والمستقبلية التي ستهدد هذا الوجود، حتى لو اعتبرت هذه الدولة تمردا على الاتفاقية المشؤومة “ سايكس بيكو “.