الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأكثر تبرّماً من اللاجئين هم المستفيدون من الصراعات

الأكثر تبرّماً من اللاجئين هم المستفيدون من الصراعات

26.06.2018
عبدالوهاب بدرخان


العرب
الاثنين 25/6/2018
الهجرة واللجوء والنزوح ستهيمن على مستقبل السياسة.. هذا عنوان في إحدى الصحف البريطانية، ولعله يختصر النقاش الحاد داخل الاتحاد الأوروبي حول تقاسم اللاجئين وأعبائهم، بل النقاش الصاخب في إيطاليا المندفعة إلى إغلاق حدودها، بل النقاش المفزع في الولايات المتحدة بعد فضيحة فصل الأطفال عن آبائهم ووضعهم في أقفاص على الحدود. دول الغرب التي تفاخرت طويلاً بريادة الدفاع عن حقوق الإنسان، ومارست سياسات متسامحة، باتت تتسابق إلى ريادة سياسات "صفر تسامح"، وتتنافس أحزابها على استخدام مثل هذا الشعار للفوز في الانتخابات، والوصول إلى سدّة الحكم.
وبات واضحاً أن صعود دونالد ترمب على أكفّ الشعبويين المتطرّفين، والإجراءات التي تبنّاها لصدّ المهاجرين قد ألهمت الناخبين الأوروبيين الذين سمحوا لأحزاب أقصى اليمين في النمسا، وهنغاريا، وبولندا، وإيطاليا، باختراق السلطة، وتسلّم مقاليد الحكم والقرار. أما الأحزاب المعتدلة والوسطية فتعاني من تآكل شعبيتها وانهيارها، حتى وهي تتّبع سياسات أقرب إلى خيارات اليمين المتطرّف.
كان هناك الكثير من الرمزية السوداء في أن تعلن الولايات المتحدة انسحابها من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عشية اليوم العالمي للاجئين، وهذه المرّة الثانية -بعد اليونسكو- التي تنسحب فيها أميركا من منظمة دولية، بحجة متكرّرة هي أن هذه المنظمة "متحاملة" على إسرائيل و"معادية" لها. غير أن المناسبة لم تفت من دون تسليط الضوء على إسرائيل كأول دولة في الشرق الأوسط تقوم بتهجير معظم الشعب الفلسطيني بين الداخل والخارج. لكن معضلة اللاجئين تتفاقم باستمرار ومن دون أي حل في الأفق، وإذ قدّرت مفوضية الأمم المتحدة أنهم بلغوا نحو 69 مليوناً العام الماضي، فإن العدد مرشح للازدياد. اللافت أن المفوضية الأممية أفادت بأن 85 % من اللاجئين يتمركزون في دول نامية، إفريقية وآسيوية، قليلة الموارد والإمكانات، أي أن الوافدين إليها يضيفون فقراً إلى فقر شعوبها. هذا يعني أن هستيريا الدول الغنية الغربية تدور حول العجز عن إيواء 10 ملايين، في حين أن تركيا وحدها تؤوي 4 ملايين لاجئ.
تقارير ودراسات ومؤتمرات تعقدها الدول للشكوى من هذه المشكلة، لكنها تبدو عاجزة أيضاً عن معالجة أسبابها المباشرة، كالصراعات السياسية المسلحة، وفشل الاقتصادات في العديد من الدول (نقص التنمية وسوء استغلال الثروات والاستشراء الفاحش للفساد...). أكثر من ذلك، يُعتبر معظم الدول المنزعجة من تدفق اللاجئين الأكثر استفادة من الدول التي خرجوا منها. فهي التي تموّل الحروب الأهلية، وتصدّر الأسلحة، وتضع يدها على مصادر الثروة، وتحمي الحكام الفاسدين الذين يسهّلون مصالحها. كانت الدول الغربية ضغطت بكل الوسائل لتقسيم السودان، لكنها لا تبدي الآن أي اهتمام أو رعاية للجنوب المنفصل. وكانت وعودها بالمساعدة الاقتصادية لميانمار تمكّنها من الحؤول دون طرد الروهينجا لكنها لم تفعل. ولا تزال مصالحها التجارية في إفريقيا عنصراً قادراً على تخفيف الصراعات المسلحة، بدل إدارتها على النحو الدافع إلى الهجرة.
ولعل سوريا واليمن وليبيا والعراق وفلسطين أمثلة بالغة الدلالة على أن المساهمين في طرد الشعوب من مواطنها هم المتبرّمون من هجرتها بحثاً عن شيء من الأمان. وفيما يستمر التسليح بوتيرة منتظمة وتمويل متزايد، تتضاءل سنة بعد سنة استعدادات الدول لمدّ الأمم المتحدة بما تحتاجه لإيواء اللاجئين وإطعامهم وتأمين الحدّ الأدنى من متطلّباتهم الأساسية. وإذ تجني الدول مكاسب الأزمات، فإنها تمتنع عن صنع حلول سلمية أقلّ كلفة على المدى البعيد من أي استقبال اللاجئين.;