الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد وكورونا معاً

الأسد وكورونا معاً

15.03.2020
عمر قدور



المدن
السبت 14/3/2020
بينما يعيش العالم السيناريو القيامي هلعاً من فيروس كورونا، تتعامل سلطة الأسد مع الأمر بمستوى عالٍ من الصمت والتجاهل، لتبقى سوريا ذلك الصندوق الأسود الذي لا تُعرف محتوياته من قبل الآخرين، ومن قبل السوريين أولاً. قد لا نغالي إذا قلنا أيضاً أن السلطة نفسها لا تعرف جيداً مدى انتشار الفيروس، ولا خطط لديها للإحاطة بانتشاره أو تدبير أمر المصابين به. الانحدار المريع في قطاع الخدمات الأساسية، وفي مقدمها القطاع الصحي، يضعنا أمام السيناريو الأشد فتكاً.
لا تهدف هذه المقدمة إلى نشر الرعب بين السوريين، مع أن الرعب ينتشر في العالم برمته، وقد يكون ضرورياً خارج الحد المرضي من أجل أخذ الوقاية على محمل الجد. أيضاً ليست الغاية استخدام موضوع صحي وإنساني لتصفية حساب مع سلطة الأسد، لأن في سجلها الوحشي ما يكفي لاستخدامه، لولا أن بنية هذه السلطة تفرض نفسها بحكم سيطرتها المطلقة على كافة مناحي عيش السوريين. إذا كان لدى السوريين في الداخل القدرة "راضين أو مكرهين" على تحمل الأسد، وإذا كان العالم بأسره مكرهاً على مواجهة الفيروس الفتاك، فإن مواجهة الأسد وكورونا معاً هو السيناريو الأشد كارثية.
يتندر سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي بأن من تحمّل سلطة الأسد اكتسب مناعة إزاء كورونا وأشباهه، ويصل التندر السوداوي بالبعض إلى اعتبار الموت بسبب الفايروس قدراً يُحتمل بالمقارنة مع التدهور المعيشي الحاد في البلاد. استهتار سلطة الأسد بموضوع الوباء يزيد من منسوب السخرية، وإذا أتى جانب منها على خلفية موقف معارض فإن الجانب الآخر يعبّر عن اليأس المطلق لسوريين واقعين تحت رحمة القدر الأسدي والوباء معاً، وهؤلاء أكثر من يدرك فداحة الوضع والعجز عن تفاديه.
واحد من أكثر المؤشرات بؤساً أن تعتمد الصحافة خبراً نقله المرصد السوري لحقوق الإنسان، فهذا المرصد فوق أنه ليس جهة صحية مخوّلة تكرّسَ وجوده "بخلاف تسميته" كوكالة أنباء تحيط بكافة تفاصيل الشأن السوري، والرقم الذي أورده بات شائعاً بلا أدنى تمحيص في مصداقيته! لم يقصّر بعض المعارضين في تبني إشاعات حول انتشار الفايروس في سوريا، بل لم يقصّر البعض في تبني روايات لا يُعرف مصدرها عن قيام الجهاز الطبي في المستشفيات بقتل المصابين بكورونا من أجل عدم مخالفة الرواية الرسمية التي تتجاهل المرض.
لم تتأثر سوريا سابقاً بأوبئة أثارت قلقاً عالمياً، مرد ذلك إلى العزلة التي عاشتها تحت حكم الأسد وجعلت تواصلها مع الخارج محدوداً جداً. اليوم، هي مفتوحة بلا حد أمام الوجود الإيراني والروسي والتركي، والأمريكي على قلته. مصدر التخوف الأكبر حتى الآن هو الحضور الإيراني الكثيف، فإيران بين طليعة الدول المنكوبة بالفايروس، ووجود ميليشياتها الكثيف في سوريا يعزز من احتمالات نقل العدوى، خاصة بعد انكشاف إصابة قادة إيرانيين مشرفين على عملها. الحضور المدني الإيراني، بالأحرى التبشيري والديني، قد لا يقل خطورة طالما أن طهران لم تكترث بوضع ضوابط له مع تفشي الوباء لديها، وطالما أن سلطة الأسد غير قادرة على وضع الضوابط المطلوبة.
بالطبع لن تتوقف احتمالات العدوى عند من لديهم تواصل مباشر مع الإيرانيين، ففي حال إصابتهم ستنتقل إلى أبرياء من التواصل، ومن ثم قد تتوسع لتطاول الجميع. روسيا وتركيا قد لا تبقيان في مأمن عن انتشار الفايروس، وثمة آلاف ممن يتنقلون بين جانبي الحدود السورية-التركية، في حين تعاني المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي من شح شديد في الكوادر والمراكز الطبية وحتى من شح في الأدوية. عموماً، الخدمات الطبية في كل المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد في حالة سيئة، بسبب تواضع الإمكانيات ونزيف الكوادر الطبية وتقاعس المنظمات الدولية عن القيام بواجباتها ضمن الحدود الدنيا، وسيكون الأمر أسوأ بكثير إذا انتشر الوباء حيث لا تحظى هذه المناطق باهتمام دولي.
بالعودة إلى مناطق سيطرة الأسد، تعاني تلك المناطق أيضاً من نزيف حاد في الكوادر الطبية، والأهم أن البنية التحتية من مستشفيات ومراكز صحية لم يكن لها أية أولوية خلال تسع سنوات من صرف مليارات الدولارات على قوات الأسد وشبيحته. أثناء القتال تعمدت قوات الأسد تدمير المراكز الصحية في المناطق الخارجة عن سيطرتها، في حلب على سبيل المثال تم تدمير مستشفيين، واحد منهما مختص بالأوبئة والأمراض السارية وثانيهما يُعدّ الأضخم ضمن مستشفيات المدينة. وإذا كان الحليف الإيراني قد طالب صندوق النقد الدولي بقرض من خمسة مليارات دولار لمواجهة الوباء فلنا أن نتخيل حجم الاحتياجات مع بنية صحية قسم منها مدمر وقسم آخر متهالك أو متردّ، ويجب أن نضيف فوق العاملين السابقين الاستهتار المعهود بحياة السوريين من قبل سلطة الأسد، أي انعدام الحافز للعمل بالطاقة القصوى ضمن الظروف السيئة الموجودة.
التوصيف الأقرب إلى الدقة هو أننا أمام سلطة عاجزة، لأنها بنفسها تولت تدمير قسم من الإمكانيات التي كانت تمتلكها قبل قرابة عقد من الزمن، ولا يستطيع موظفوها في الحقل الصحي استدراك العوز مهما بلغوا من التفاني في عملهم. هذا الواقع يظهر بؤسه الفظيع بالمقارنة مع دول ذات إمكانيات اعتيادية أو أعلى تعاني اليوم في احتواء الوباء، وحتى في سعة مراكزها الصحية وقدرتها على الحجر على المصابين. مع الصمت والاستهتار على مستوى مركز القرار الأسدي، لا يُستبعد تفشي الوباء إلى حد تصعب السيطرة عليه، وحتى في هذه الحالة لن تكون العصابة الحاكمة جاهزة لإعلان سوريا بلداً منكوباً يقبل المساعدات الأممية بلا تحفظ وشروط، بل من المرجح أن تحاول استغلال المأساة وابتزاز العالم بها ليقبل بالتطبيع معها.
سخريات على وسائل التواصل الاجتماعي، من قبيل القول أن من تحمّل الأسد سيتغلب على كورونا، أو التأكيد الجاد لبعض الموالين "وهو لا يقل هزلاً" على أن سوريا الله حاميها، ذلك كله لا يلامس الكارثة المحتمل حدوثها باجتماع الأسد وكورونا على السوريين. بالطبع ليس محتماً حدوث أسوأ التوقعات، وكي لا يحدث الأسوأ قد يكون ضرورياً للسوريين تحت سيطرة الأسد الانطلاق من أن حيواتهم غير عزيزة سوى على أنفسهم وعلى أحبائهم، وأن المحافظة عليها شأنهم الذي قد لا يجدون عوناً فيه، على أمل ألا يدفعوا ثمن تغوّل الأسدية وثمن إفلاسها.