الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد مجرم وكذّاب بامتياز، ولكن ماذا عن الآخرين؟

الأسد مجرم وكذّاب بامتياز، ولكن ماذا عن الآخرين؟

19.02.2019
محمود الحمزة


جيرون
الاثنين 18/2/2019
شعبنا، الذي فجر ثورة عظيمة، وأثبت شجاعته وتوقه اللامحدود إلى الحرية ودولة القانون، اصطدم بجدار أصم، صنعته قوى محلية وإقليمية ودولية، لا تسمح لهذا الشعب بالتقدم نحو أهدافه المشروعة. تكالبت عليه قوى العالم، تحت شعارات مختلفة أخطرها تلك التي تقول إنها مع الثورة، لكنها عمليًا ضد الثورة.
وإذا كانت الدول “المتحضرة” تكذب وتنافق علينا؛ فلماذا لا يحق لبشار الأسد أن يكذب، وهو الرئيس “المنتخب شرعيًا” والمعترف به في الأمم المتحدة حتى اليوم، بالرغم من جرائم الحرب التي ارتكبها! تصوّت تلك الدول في الجمعية العامة، وتعترف بالائتلاف الوطني السوري ممثلًا شرعيًا للشعب السوري، وتترك ممثل النظام بشار الجعفري المتعجرف يلقي كلمته، في كل جلسة لمجلس الأمن تتعلق بسورية، بغياب ممثل عن الثورة!
ما شهدناه يوم أمس 17 شباط/ فبراير هو مسرحية هزلية، عرضها بشار الأسد ومجموعة من الحثالات المصفقين. والغريب أن الأسد -بعد ثماني سنوات من صراعٍ دامٍ- ما يزال قليلَ إحساس ومغرورًا بقدراته التنظيرية البائسة. وديدنه هو تقسيم الشعب السوري إلى “خونة ووطنيين”. فكل من يخالفه الرأي هو “عميل وتابع للأجنبي”، ويتحدث عن “السيادة”، ولا يذكر سوى تركيا كدولة محتلة، لكن أين أميركا وروسيا وإيران وشبيحة العالم التي دعاها بنفسه لقتل السوريين!
يتحدث عن الصعوبات المعيشية التي يعانيها السوريون، ويقول هناك فساد وقلة أخلاق، لكنه يضع الحق على الشعب نفسه، بينما يعرف السوريون جيدًا أن الفساد والتسلط والتشبيح مصدره الأسد، وحاشيته من آل مخلوف وشاليش وأجهزة المخابرات المجرمة الفاسدة.
لا يمكن مقارنة الأسد وحاشيته الأمنية إلا بأسلوب وزير الإعلام الهتلري غوبلس، الذي كان يقول: “اكذب واكذب واكذب.. حتى يصدقك الناس”، لكن الحقيقة أن بشار نفسه لا يصدق نفسه! لكنه يؤدي دوره في المسرحية، ولا يمكنه أن يتراجع، على الرغم من النهاية التراجيدية التي تنتظره. وعلى أي سوري أن يخجل من هذه الجوقة المسرحية التي جمعت أفرادَها المخابرات ليصفقوا ويُظهروا عراضات شعبية كاذبة، عن حبهم للأسد بعد كل جرائمه ضد الإنسانية.
يتهم الأسد الآخرين بما هو يمارسه ويعيشه يوميًا، فهو الذي أصبح تابعًا وعميلًا وأجيرًا لدى نظام الملالي ولدى الكرملين، وباع سيادة سورية، وقتل الشعب، وأنهك المجتمع، ودمّر البلد ببراميله وأسلحته الفتاكة، وهو الذي بدأ بالقتل ونشر الطائفية وتقسيم السوريين على مبدأ: “من معي فهو وطنيّ، ومن ضدي فهو عميل وخائن”.
يقولون إن الشعب السوري يجب أن يقرر مصيره بنفسه، ومن ضمن ذلك وضع الدستور، لكنهم (أي القوى الدولية والإقليمية) هم من يُناقش ويُقرر مصير الشعب السوري بغياب ممثليه، وهم من وضع وأشرف على قائمة “اللجنة الدستورية”، ولأن المقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة؛ فلا خير يُنتظر من اللجنة الدستورية، ولا من الدستور الذي ستصوغه؛ لأن الأغلبية المطلقة لأعضاء اللجنة لا يُمثلون إلا أنفسهم، ويا ليت أنّ المشكلة في نصّ الدستور. فالموضوع سياسي بامتياز، وإن لم تُخْلَق ظروف مناسبة وآمنة لتطبيق الدستور -أيًا كان نوعه- فلا خيرَ ينتظر منه، والظروف الآمنة تعني -بكلمة واحدة- وجود نظامٍ يحترم رأي الشعب، ويخلق الظروف لمشاركته في أجواء حرة، وهذا لن يحدث في ظل نظام عصابة الأسد التي لا ترى الأشياء إلا من خلال منظارها الخاص المشوّه، حيث سورية بما فيها مزرعة لبيت الأسد، كما بيّنت مسرحية خطاب الأسد أمس.
لو كان لدى بشار الأسد وحلفائه إحساسٌ وأخلاق؛ لما استمروا في المنطق والموقف السياسي نفسيهما على مدى ثماني سنوات، بالرغم من الكارثة الكبرى التي حلت بالسوريين، ومسببها الرئيس هو نظام الأسد، باستخدامه كلّ ما يملك من أسلحة، ومعه نظام الملالي الاستبدادي الفاسد الذي يُعاني شعبه الجوعَ والحرمان، وينفق المليارات على أجنداته القومية التوسعية، وروسيا بأسلحتها الحديثة التي اعترفت قيادتها بأنها جرّبت أكثر من 200 صنف جديد من الأسلحة في سورية، واكتشفت أن بعضها يحتاج إلى إعادة تحديث بعد التجريب، بوقاحة وقلة أخلاق.
كلهم يشتركون في كذبة كبرى، هي أنهم يحاربون “الإرهاب”! لكننا نعرف أن القوى الإرهابية هي صناعة استخباراتية إقليمية دولية، وُجدت لإجهاض الثورة حصرًا، وترهيب الشعوب، وإبقاء الأسد في الحكم ولو إلى حين، وإننا نعرف تمامًا أن تنظيم (داعش) الإرهابي ومشتقاته هم أشباح تظهر وتختفي في الزمان والمكان المطلوبين، عند الحاجة.
عندما سقط الاتحاد السوفيتي عام 1991، وانهار المعسكر الاشتراكي وحلفه العسكري “حلف وارسو”؛ سقطت الأيديولوجيا الشيوعية في العالم، وقد كانت الشبحَ الذي يُحاربه الغرب الرأسمالي المتحضر، لذلك اخترعوا “الإرهاب”، وبدأ ذلك بتفجيرات نيويورك عام 2001 التي اتهموا فيها المسلمين المتطرفين، ومن هنا ظهر شبح عالمي جديد، يخوفون به الشعوب هو “الإرهاب الإسلامي”، وأصبح كل مسلم مُتّهمًا حتى تثبت براءته. وصارت أميركا والغرب ومن التحق بهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، يدّعون بأن الفكر الإرهابي مرتبط بالإسلام، وفي كل مرة نجد أنفسنا مضطرين إلى توضيح أن الدين لا يمكن أن يدعو للقتل والإرهاب، وأن الإرهاب بالفعل صناعة لا علاقة لها أصلًا بالدين أو المعتقد أو القومية، إنما يُلبَس الإرهاب ثوبًا دينيًا أو غيره لسهولة خداع الناس به، وهو يعدّ أخطر ظاهرة عرفها العالم في القرن الحادي والعشرين، لأن أحدًا في العالم لا يعرف ما المقصود بالإرهاب بالضبط، وما معاييره ومن الجهات الداعمة له!
في منطقتنا، هناك أنظمة تمارس الإرهاب ضد شعوبها، وفي مقدمتها نظام الأسد، وطبعًا “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني، إذًا هناك إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات وإرهاب الأفراد، وكله موجود في منطقتنا، على نحو واسع، لكنه غير موجود في أميركا اللاتينية بهذه الصورة أو في أفريقيا إلا قليلًا، والسبب مرتبط بأمن “إسرائيل”، وتعمل على تحقيق ذلك كلُّ الإدارات الأميركية المتعاقبة ومعها دول كثيرة في أوروبا وآسيا، من ضمنها روسيا، وذلك هو مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي يجب، من أجل تنفيذه، تفتيت المنطقة، وتدمير جيوشها وبنيتها التحتية، وتهجير شعوبها وخلق فوضى، وتأسيس كيانات طائفية ودينية وقومية هزيلة، ودول فاشلة قائمة على الاستبداد، تكون فيها “إسرائيل” الأقوى، ليمكنها القول إنها دولة يهودية.
بشار مجرم وكذّاب. هذه حقيقة متفق عليها كونيًا؛ لكن ماذا عن الآخرين؟
الواقع أن الكل يكذب، والكل عديم أخلاق، بدءًا من نظام الأسد وحاشيته وحلفائه بلا استثناء، والفصائل الإسلامية المسلحة، والقوى السياسية التي تنافق باسم الثورة، وصولًا إلى كل من حشر يده في قضية السوريين، وكأنه أتى ليساعدهم، لكنه في الحقيقة يقول حقًا يُراد به باطل، فكل من تدخّل إنما جاء يبحث عن كعكة مغمسة في دماء المذبحة السورية، وكل هذه الفئات لا تُمثّل الشعب السوري ولم يفوضها، ويبقى الشعب السوري هو صاحب القرار والرأي في النهاية، ولو اجتمعت قوى الأرض كلها على إجبار السوريين على شيء لا يقبلونه، فلن تُفلح.
الطامة الكبرى هي أن مجموعات ليست قليلة من الشعب السوري تربّت على أيدي عصابة الأسد، فتعلمت الكذب والنفاق والنصب والاحتيال، ومنها فئات معارضة تدّعي أنها تدافع عن الثورة، ولكنها إما تنافق أو ترى أنها هي الثورة ومنبع الوطنية، وبذلك فهي ترى الثورة من خلال شخصيتها ومرآتها، وهذا من أسباب تراجع الثورة.
نحن بحاجة إلى وقفة مع الذات ومراجعة الضمير، وأن يُحدد كلُّ واحد دوره الحقيقي وإمكاناته الواقعية في العمل الوطني، وأن يضع مصلحةَ الشعب السوري -قولًا وفعلًا- في أولوياته، وأن يتخلى كثيرون عن ادعاءاتهم بأنهم يمثلون الثورة ويمكنهم قيادتها، وليتركْ كل من لا يستطيع تأدية دور عملي مفيد الشعاراتِ والأقوالَ بأنه يخدم الثورة، وليفهم الجميع أن الله {لا يُغَيّر ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهِم}.