الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد الكيماوي يليق بعالم متوحش

الأسد الكيماوي يليق بعالم متوحش

10.09.2017
د. أحمد موفق زيدان


العرب
السبت 9/9/2017
لو قُدر للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي أن تكتب عما يجري اليوم في الشام، لكان أول رواية لها ينبغي أن تكون على غرار روايتها المعروفة "الأسود يليق بك" هي رواية عنوانها عنوان مقالنا اليوم، في ظل قلب الحقائق، وتزييف الحاضر، فضلاً عن التاريخ، فالأسد الكيماوي وجرائمه ووحشيته تليق بعالم متوحش مجرم، لا يُقيم للبشر اعتباراً، ليثبت مرة أخرى أنه ليس ضد البشر والإنسان، وإنما ضد كل قيمه التي تشدّق بها على مدى قرون.
ندرك منذ اليوم الأول ألا مشكلة أخلاقية للعالم المتوحش مع وحش يعيش في غابتهم، وهو بشار الكيماوي، خصوصاً إذا استعدنا وحشية هذا العالم الذي نعيش فيه من حروب ومآسي الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي أسفرت عن خمسين مليون قتيل، وعشرات الملايين من الجرحى، ثم استخدام النووي في هيروشيما ونجازاكي، وحروب سحقت الشعوب بحروب فيتنام وأفغانستان والعراق، واستخدام للكيماوي والفوسفوري واليورانيوم المنضب، وسحق للشعوب ولحريتها في الشيشان، واستخدام الطيران ضد الأهالي في حلب وإدلب ودمشق وغيرها، وقصف المشافي أمام سمع العالم وبصره، ومع هذا كان الكل يجلس مع الكل، والكل يقبل الكل، إذن فما الجديد في قبول قادة الغرب لبشار الكيماوي؟
الفرق هو أنه ما كانوا يضمرونه ويخبئونه عن الشعب السوري وشعوبهم لسبع سنوات من الذبح والقتل العلني في سوريا يعلنونه اليوم، لكن الإشكالية هل يستطيع وزير خارجية فرنسا ومن قبل وزير خارجية بريطانيا، وما يهمس به وزراء آخرون أن يجلسوا إلى جدار ووحش سوريا الذي كانوا يتحدثون عن فظاعاته باستخدام الكيماوي والطيران والبراميل المتفجرة أمام شعوبهم، فهذا برسم المستقبل، ورهن بما تبقى لهم ولشعوبهم من إنسانية وبشرية...
فقد الشعب السوري أكثر من مليون شهيد، فإذا قدرنا أن لكل شهيد عشرة أقارب مباشرين، فهذا يعني أن ثمة عشرة ملايين سوري لا يمكن أن يقبلوا ببشار، ولا يمكن أن يقبلوا بعالم يرفضه، وسيدفعهم ذلك إلى التمرد ولو لعشرات السنين ضد عالم مجرم يقف مع قتلة أبنائهم وأزواجهم وآبائهم، فضلاً عن تشريده 12 مليون سوري، ودمار أكثر من نصف سوريا، ولكن بالمقابل يستطيع أن يقبل هذا العالم ببني جنسه وفعله من أمثال بشار، ولكن كيف سيفرضون ذلك على الشعب السوري، فما يقرره الغرب والشرق ليس قدراً مقدوراً، وما زلت أذكر كيف كان الغرب يدعو إلى التعايش مع القذافي قبل أيام من سقوطه، حتى يسّر الله فجأة رحيله، مما قلب كل موازينهم وخططهم.
لن يجرؤ أي سوري، ولا أي فصيل، على توقيع صك العار وصك الاستسلام، وإلا فالعار سيلحقه وسيلحق كل من يتبعه إلى يوم الدين، فالشعب السوري لم يعد قادراً على السباحة في بحور الدماء التي سفكها سفاح بدعم غربي وشرقي، وإن هذه الدماء ستكتب في صفحات التاريخ على أن المسؤول عنها ليس بشار الأسد الذي كان من المفترض أن يسقط في ثاني سنوات الثورة السورية، لولا التدخل العالمي لصالحه.
سيظل الشعب السوري يُحمل المحتل الفرنسي الأول له في بداية القرن العشرين مسؤولية زراعة هذه العصابة الطائفية في الجيش السوري، مما مكنها من ارتكاب كل جرائمها على مدى عقود، وستتحمل فرنسا هذه المسؤولية التاريخية والقانونية والشرعية، لقد ظن الشعب السوري أن فرنسا تريد أن تكفّر عن أخطائها، ولكن تبيّن أن لا شيء من هذا، بعد أن أعلن وزير خارجيتها -بكل صراحة- أنه لا مشكلة لديهم مع بشار الأسد، وجاء تصريحه بعد تصريح مشابه للرئيس الفرنسي..;