الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية... خليط احتمالات

الأزمة السورية... خليط احتمالات

18.12.2016
عادل يازجي


الحياة
السبت 17/12/2016
كلمة تغيير (change) تحولت بضاعة رائجة في الانتخابات الأميركية، وتستعد للانتقال إلى أوروبا، وقد تحولت إلى موضة انتخابية، إما لعدم الثقة بالحكومات، أو بسب الملل من وجوه تملأ المنابر والشاشات، وتطرح نفسها على أنها نعمة من السماء قلما يجود الزمان بأمثالها.
اللاعب الجديد على المسرح الدولي دونالد ترامب لم يستخدم الكلمة نفسها شعاراً لحملته الانتخابية كما فعل باراك أوباما، بل بشَّر ووعد وهدَّد، بتغيير يفوق تغيير صاحبها شكلاً ومضموناً. أوباما ألغى القوة واعتمد الديبلوماسية، فخسر سياسياً تأثير الاثنتين معاً، وترامب طرح القوة بديلاً، موحياً برغبة في خلخلة الثوابت الدولية، ربما عملاً بالموضة الجديدة القديمة المسماة "الفوضى الخلاقة" التي اخترعها الجمهوريون، ودشنوها بإنجازهم التاريخي "الربيع العربي"...
لكن ذاك الربيع حين اقترب ليحط ركابه فوق أراضٍ عربية كانت تدفعه قوة وحيدة دولياً، تصول وتجول بلا رادع لها على الساحة الدولية، وهي القوة الجمهورية الأميركية التي أطاحت صدام حسين، ووضعت خريطة طريق لها تمر عبر حقول ألغام شاسعة، وصولاً إلى إيران... حتى دول الخليج العربي خالجها الشك آنذاك بالنيات الجمهورية الأميركية.
تلك القوة كانت فعلياً قوتين: الأولى عسكرية نجحت بالميزان الجمهوري في العراق، والثانية هي القدرة السابقة التأثير للقوة التي ولدت من رحمها الفوضى الخلاقة. فهل يدور في خلد الجوقة الجمهورية الترامبية القادمة، متابعة السير على خريطة الطريق القديمة، بتعديلٍ ترامبي او بلا تعديل؟
المهم بالنسبة إلينا نحن السوريين، ماذا يمكن أن يفعل هذا القادم الذي يحمل عصا الماريشالية ويهدد بحرب ضروس ضد الإرهاب؟ هل يقتصر فهمه للأزمة السورية على إرهاب "داعش" و "النصرة"؟ لا نستبعد ذلك، كما لا نستبعد أن يتغير سمت بندقيته وهو يصوبها باتجاه الإرهاب في سورية، إذا أراد مستشاروه من الجمهوريين الاستثمار في "داعش" سورية أو العراق، فهم سدنة حكمه التي قد تفرمله جزئياً أو كلياً، وقد تسير وراءه حيث يسير.
في تاريخ سيطرة القطب الواحد إبّان انهيار الاتحاد السوفياتي، تم تشكيل تحالف دولي لتحرير الكويت عام 1991، وتحالف دولي شبيه بسابقه، لإسقاط حكم الديكتاتور صدام حسين عام 2003، وكلاهما بقيادةٍ (جمهورية) للقطب الواحد (الولايات المتحدة)، وتحالف ثالث أوروبي بمباركة أميركية، لإسقاط معمر القذافي عام 2011، التحالفان الأول والثاني "رغم عدم الثقة بالقطب الواحد" سدَّا فراغاً دولياً مهماً بسبب انعدام فاعلية مجلس الأمن، لكن أياً من التحالفين لم يستمر بعد إنجاز مهمته، وبقي المجتمع الدولي في حاجة ماسة إلى قوة دولية، أو تحالف عسكري أممي (تحت عباءة مجلس الأمن الدولي أو خارجها)، لفض النزاعات الدولية إذا فشلت الديبلوماسية، وردع الحكام المارقين، وأولئك الذين يصدّرون انفسهم خارج حدود دولهم، لكن (تغيير) أوباما، قضى على هذا الاحتمال سواء بمجلس الأمن الدولي، أو بسيطرة القطب الواحد، ما أثَّر سلباً في فرضية (القدرة السابقة التأثير للقوة)، التي فقدت الكثير من فاعليتها، فوضعتها الأنظمة الشمولية خلف ظهرها، وهي ترى أوباما وقد كبا جواده حتى في الحنكة السياسية والديبلوماسية، وهذا طبيعي لأنه لا قوة للسياسة ما لم تستند إلى القوة، أو سياسة القوة، وترامب يلوح بـ (القوة) وحدها سياسةً لمرحلته المقبلة، على رغم خطورة المشهد الدولي وتعقيده، لا سيما في الأزمة السورية، بما أفرزته من نزوح وإرهاب سابق بوجوده، وإرهاب لاحق مصنِّع للتصدير، وبالتالي ثبت أن السلاح القديم (القوة) من الخطأ تحييده بهذا القدر المخزي الذي وضعه فيه عدوُّه أوباما، فهل يغيِّر ترامب (تغيير أوباما)، ويعود إلى القوة أداة وسياسة على منوال الجمهوريين؟ لا نظنه يتطرف إلى الحد الذي طرحه في حملته الانتخابية، لأسباب كثيرة، أهمها أن مرحلة القطب الواحد أصبحت من الماضي، ويصعب على مستشاريه، وفريق عمله الجمهوري، أن يتجاهلوا التغيرات الكبرى التي حدثت على الساحة الدولية، لكن براغماتية القوة، وقدرتها الاحتمالية الاستباقية، ستكون وسيلة ترامب ليطرح نفسه ماريشالاً، يصول ويجول في الصراعات الدولية المحتدمة، فهل سيكون فريق عمله (الجمهوري) محافظاً بدرجةٍ أكثر أو أقل، ويُستفاد من الفارق في الفرملة أو الهيجان؟
اللعبة الدولية لم تفصح عن خباياها حتى الآن، ومن المتوقع حدوث تصدعات كبرى في التحالفات الدولية، يصعب تحديد ملامحها قبل ممارسة (البطل) الجديد مهماته في البيت الأبيض... وعلى الراغبين بشد الحبال أن يمتحنوا عضلاتهم السياسية، والاقتصادية، والديبلوماسية، في معركة التصادق، والتحالف، قبيل إنجاز الخريطة (السورية) الجديدة، البديلة لخريطة "سايكس بيكو"، لأن زمام الأمور تسير باتجاهها، وقد تجد دفعاً من الرئيس ترامب، فهل تُرضي جميع الأطياف السورية المتصارعة، التي تبحث عن مفاتيح الدخول إلى المرحلة الترامبية الأميريكية القادمة؟
أركان الصراع في المنطقة العربية وما حولها، يشغلهم الآن ترتيب أوراق الاعتماد المتوافرة لديهم، ويدرسون جيداً دور إسرائيل في القبول الأميركي لأيٍّ من أوراق الاعتماد..!
أما الأزمة السورية في المرحلة الترامبية (مرحلة القوة أو سياسة القوة) فلن تبقى كما هي سياسياً وعسكرياً، ربما تشهد منعطفات لم تكن في البال، سواء استمر غزل بوتين ترامب، أم توقف، فوجود الدب الروسي في سورية سيحسب له ألف حساب، سواء بسياسة القوة، أم بالفوضى الخلاقة الـ (جمهورية) المنشأ، ولا نتوقع من الجمهوري إلقاء السلاح سواء هزم "داعش"، أو انقلب للاستثمار فيها، فسلاحه قد يغيّر اتجاهه في أية لحظة وفقالمزاج الترامبي!