الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأخلاق والسياسة في صراعات الشرق الأوسط

الأخلاق والسياسة في صراعات الشرق الأوسط

29.08.2017
حسام ميرو


الخليج
الاثنين  28/8/2017
أليس هناك من سبيل ممكن للهروب من المصير الكارثي لصراعات الشرق الأوسط؟ هذا السؤال يبدو ملحّاً في لحظتنا الراهنة أكثر من أي وقت مضى، بل إن طرحه وعدم الهروب منه بمثابة واجب أخلاقي لدى النخب السياسية، وخصوصاً لدى صنّاع القرار، فمن غير المفهوم أن يبقى العقل السياسي قاصراً عن طرح سيناريوهات مختلفة، عن تلك المطروحة في الواقع، وذلك بهدف تأمين منظومة أمن واستقرار لشعوب المنطقة، عوضاً عن حالة المجهول التي راحت تضرب كل الآمال بإمكانية تهدئة الصراعات، والتي يمكن أن تأخذ المنطقة إلى حروب وكوارث تمتد لسنوات، وربما لعقود مقبلة.
في نهاية المطاف، يجب أن يعترف صنّاع القرار في الشرق الأوسط أننا لا نخوض في منطق الطبيعة، كما أن "الميكيافيلية" التي ترسّخت على شكل ذرائعية حديثة، وفرضت نفسها أكثر فأكثر مع صعود المحافظين الجدد في أمريكا في عهد جورج بوش الابن، أظهرت أن معالجة الأزمات عبر القوة، أو بالقوة وحدها، هي مظهر من مظاهر انعدام الأخلاق السياسية، وأكثر من ذلك، هي تمظهر للاستعلاء، ونقص في المعرفة.
لم تسم الذرائعية الجديدة السياسة الأمريكية منذ عهد بوش الابن وحسب، بل تعدّتها، كنوع من التماهي، إلى سياسات دول المنطقة، خصوصاً في مجال العلاقات الخارجية، من دون أي تفكير جذري بخطورة مثل هذه السياسات، والتي عادت بنا، في حقل العلاقات الخارجية، ومتطلبات الأمن القومي للدول، إلى منطق الطبيعة، حيث بات صحيحاً ما طرحه توماس هوبز (1588-1679) حول "حرب الكلّ ضد الكل"، وعلى نطاق يتجاوز الحدود الوطنية، والتي تثبت يوماً بعد يوم أن تلك الحدود لم تكن على الدوام حدوداً وطنية نهائية، وأنه يمكن القفز عنها.
منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، راحت تظهر أكثر فأكثر السلوكيات الذرائعية في السياسات الخارجية لبعض دول المنطقة، فلم يعد مهماً السعي إلى تحقيق توازن في منظومة الأمن والاستقرار، بل أصبح السعي نحو تفتيتها سلوكاً يومياً، ونتحدث هنا بشكل محدد عن سلوك صنّاع القرار في طهران وأنقرة، فلئن تباينت السياسات المعلنة للدولتين الإيرانية والتركية، إلا أن الواقع الفعلي أظهر تطابقاً في المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الذرائعية، حتى لو تطلّب الأمر استعادة الصراع الهوياتي المذهبي، على كل ما يحمله مثل هذا الصراع من مخاطر كارثية.
 
إن جنون المصالح، محمولاً على غياب أي بعد أخلاقي في السياسة، أصبح العنوان العريض لما تشهده المنطقة من مواجهات، خلال السنوات التي تلت ما سمي "الربيع العربي"، إذ يكفي أن ننظر إلى دعم طهران وأنقرة للإسلام السياسي الراديكالي، لندرك حجم الانتهازية السياسية واللاعقلانية التي تمتعت بها سياستا العاصمتين، والتي تنمُّ عن فقر في العقل السياسي، لكن من دون أن ننسى المناخ العام الذي ولّدته توجهات المحافظين الجدد في أمريكا، ومن دون التغافل عن منطق أوباما في تعامله مع قضايا الشرق الأوسط، واستدارته نحو إيران، والتي أوحت بطبيعة الحال بأن أمريكا غير مهتمة بمنظومة أمن واستقرار في المنطقة تقوم على توازن المصالح واستقرار الدول.
إن طرح المسألة الأخلاقية في السياسة ليس ضرباً من اللاعقلانية، إذ لا يمكن الوصول إلى معايير مُحدِّدة للأمن والاستقرار بين الدول من دون قواعد أخلاقية، وإلا أصبح مسموحاً لأي طرف أن يقوم بالعبث بأمن منظومة إقليمية كاملة، خصوصاً إذا كانت المنظومة الإقليمية، كما في الشرق الأوسط، مصابة بهشاشة بنيوية، وتعاني فيها الكثير من البلدان من فوات تاريخي كبير، بحيث إن أي صراع في السياسات الخارجية يمكن تحويله بسهولة إلى صراعات داخل الدول الوطنية نفسها.
وفي سياق طرح العلاقة بين الأخلاق والسياسة في الشرق الأوسط، يترتب التفكير مليّاً في طبيعة النظم السياسية كافة الموجودة في المنطقة، ومدى إدراكها للعلاقات البنيوية التي لا يمكن فصلها بين الأمن الخارجي (الإقليمي) والأمن الداخلي (الوطني)، وللقضايا المحددة لكلا الأمنين، إذ إن قابلية الأمن الإقليمي للانفجار تعكس في الوقت نفسه استقراراً هشّاً في الأمن الوطني، وإن الهروب نحو إعطاء الأمن الإقليمي الأهمية الكبرى يعكس في بعض الأحايين مخاوف تفجّر الأمن الوطني لدى صنّاع القرار، وبالتالي فإن خوض الصراعات الإقليمية يصبح حالة هروب إلى الأمام، كذريعة لعدم مواجهة الاستحقاقات الداخلية/ الوطنية.
إن الأوضاع الكارثية الراهنة في الشرق الأوسط، وما تحمله من مخاطر مستقبلية، ينبغي له أن يستدعي النضال من أجل استعادة أخلاقيات العمل السياسي، ومن ضمنها اعتماد الحوار في العلاقات الديبلوماسية، فمن دون حوار استراتيجي سيبقى أفق الحلول مسدوداً إلى أجل غير معروف.