الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الآخر.. السوري

الآخر.. السوري

07.01.2019
سمير صالحة


سوريا تي في
الاحد 6/1/2019
رفعت مجموعة من الشباب السوريين ليلة احتفالات رأس السنة في ميدان " تقسيم " بإسطنبول علم الثورة السورية وهتفوا ضد النظام وهم يرقصون ويستقبلون العام الجديد، فأشعلوا نقاشا إعلاميا حادا بين مؤيد ورافض لما يجري.
على الفور انتشر مجددا وسم "لا نريد سوريين في بلدنا"، و"ليخرج السوريون من هنا" على مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب كتابات وتصريحات تصعيدية: لماذا هم في ميدان تقسيم؟
احتفالات رأس السنة الجديدة أرادها بعض الأتراك في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي احتفالات تعذيب لبعض السوريين "أنا لن أذهب إلى هناك بعد الآن“.
مغرد مؤيد: "هناك ملايين الأتراك في ألمانيا وحدها، وملايين آخرون حول العالم، يطالبون بالحقوق والجنسية والعمل والاحتفاظ بثقافتهم وعلم بلدهم الأصلي تركيا، ولكن عندما يتعلق الأمر باللاجئين السوريين في تركيا يتم الكيل بمكيالين".
مغرد سوري يرد “استفزازات لا طائل منها وتعود بنتائج سلبية على اللاجئين يقوم بها مجموعة من الصبية الجهلة“.
لي هذه المرة: ماذا كنتم تنتظرون منهم أن يرفعوا زجاجات الشامبانيا والكؤوس والأنخاب في قلب الميدان بدل علم الثورة؟
نقاش جديد حول موضوع اللجوء السوري إلى تركيا لكن الشق السياسي فيه بين أحزاب الحكم والمعارضة سيتفاعل كما يبدو في الأيام القادمة. "حزب الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة يقول تصرفات تتم “نتيجة السياسات الخاطئة لحزب العدالة والتنمية الحاكم"، وأنصار "حزب العدالة والتنمية" ترد بأنها محاولة استغلال من قبل المعارضة لأهداف سياسية داخلية "لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية.
دولة هي امتداد لإمبراطورية تفتخر دائما بأنها فتحت الأبواب والحدود أمام المظلومين والهاربين من قمع الدكتاتوريات والقتل والمجازر. هي فعلت ذلك مع اليهود الهاربين من إسبانيا وآلاف الألمان الذين أرادوا التخلص من قمع ديكتاتورية هتلر أو من أنظمتهم الاستبدادية وويلات الحروب أو الساعين وراء لقمة العيش من أرمن وعرب وبلغار. فلماذا تكون المشكلة مع السوريين الآن؟
بعض الأرقام والإحصاءات والمعلومات أولا:
أرقام إدارة الهجرة واللجوء تتحدث عن وجود 3 ملايين و600 ألف سوري فوق الأراضي التركية.
300 ألف عادوا إلى سوريا في العام المنصرم.
380 ألف مولود سوري فوق الأراضي التركية خلال السنوات السبع الأخيرة.
36 ألفا حصلوا على الجنسية التركية.
طلبات التجنيس تتجاوز عشرات الآلاف.
500 ألف لاجىء سوري في إسطنبول بينهم 110 آلاف في منطقة " فاتح " وحدها، بعاداتهم وتقاليدهم ونمط معيشتهم .
دراسة إحصائية تركية جديدة تقول إن 72 بالمئة من السوريين القادمين يرون أن لا مشكلة عندهم في الاندماج والتعايش مع المجتمع التركي بسبب تقارب العادات والتقاليد ونمط الحياة . بالمقابل 63 بالمئة من الأتراك يقولون إنهم يجدون صعوبة في التعايش مع الوافد السوري بسبب تباعد طريقة العيش والحياة والممارسات اليومية .
تركيا قبلت الشق الجغرافي في اتفاقية جنيف عام 1951 لذلك هي لا ترى في الوافد السوري من الناحية القانونية "لاجئا" مثله مثل الوافد من بلدان اتفاقية المجلس الأوروبي، بل هي تتعامل معه على أساس قانون "وضع الحماية المؤقتة" وبحسب قانون 5901 من يحصل على الجنسية التركية هو من يكون من أب أو أم تركية فقط . طبعا مع وجود الحالات الخاصة والاستثناءات .
أين استراتيجيات "ما وراء الحدود" التي أطلقها حزب العدالة والتنمية قبل 17 عاما باتجاه دول الجوار ؟ وهل سيسمح الذين أعلنوا قبل سنوات أن الحدود والأبواب والقلوب مشرعة أمام المظلومين في العالم لأصوات عدائية متطرفة تريد الاصطياد في المياه العكرة استغلال حادثة من هذا النوع بتحويلها إلى مواجهة بين الأتراك والسوريين ؟
نحن لم نسأل اللاجىء السوري لماذا أتى لأننا كنا نعرف الأسباب جيدا، لذلك لا يمكننا أن نسأله لماذا لا تغادر وأسباب قدومه ما زالت قائمة .
"الغيتو  السوري" في قلب المدن التركية الكبرى إلى جانب عمليات التعايش والاندماج في المجتمع التركي هو الذي يقلق البعض وهو من حقه إذا ما كان يعني فتح الطريق أمام إنشاء تجمعات سكنية في مواجهة تجمعات سكنية أخرى في حالة من الاصطفاف والمترسة الاجتماعية والثقافية ، لكن هناك حقيقة أخرى لا يمكن تجاهلها وهي أن الهجرة واللجوء إلى جانب الشق الإنساني والأخلاقي فيها ، تشكل  ثروة بشرية اقتصادية ثقافية تفاعلية مهمة بالنسبة للبلد المضيف، ولا يمكن الخوف منها خصوصا إذا ما أحسن الاستفادة من الخبرات والكفاءات المتوفرة في الوافدين ، لكن ذلك يتطلب أيضا القيام بواجب الضيافة وعدم تهميش أو تجاهل القادمين وأبسط حقوقهم في العيش الكريم وتأمين احتياجاتهم اليومية في التعليم والطبابة والعمل والتعبير .
مشكلة اللجوء قابلة طبعا للتحول إلى أزمة أكبر إذا لم تطرح الخطط العاجلة للتعامل مع الاحتياجات القانونية والخدماتية طالما أن تركيا هي البلد المضيف . هناك 300 ألف سوري عادوا إلى بلادهم في الأشهر الأخيرة لكن عدد اللاجئين المقيمين زاد مرة أخرى فهناك الولادات الجديدة ومتطلباتها. مع التذكير أن المعارضة التركية في حزبي "الشعب الجمهوري" اليساري و"ايي بارتي" اليميني القومي تصر على طرح هذا الموضوع في الحملات السياسية المرتقبة استعدادا للانتخابات المحلية المقررة في آخر شهر آذار المقبل .
العديد من العواصم الغربية اعتمدت سياسة الانغلاق أو الانتقائية في التعامل مع ملف اللجوء السوري لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية . تركيا اعتمدت سياسة الباب المفتوح لأسباب سياسية  واقتصادية واجتماعية ودينية أيضا .
قد تكون الحادثة رغم كل التضخيم والتهويل وسوء التقدير والموقف الذي أعلنه بعض الأتراك فرصة ليتذكر اللاجىء السوري أن أرضه ومكانه هو سوريا أولا وأخيرا لكنها لا بد أن تشكل في الجانب التركي كذلك ، فرصة لمراجعة مطالب واحتياجات اللاجىء السوري ولسد الفراغ القانوني وتسريع برامج وخطط المعالجة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية في حياة مئات آلاف السوريين الذين ينتظرون المزيد من تفهم لمعاناتهم بانتظار العودة .