الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استنهاضاً للتيار الوطني الديموقراطي في سورية

استنهاضاً للتيار الوطني الديموقراطي في سورية

05.02.2017
ماجد كيالي


الحياة
السبت   4/2/2017
تزايدت في الآونة الأخيرة، في أوساط سياسيين ومثقفين سوريين، الدعوات والتفاعلات لاستنهاض تيار وطني ديموقراطي، انطلاقاً من فرضيات أساسية مفادها: أولاً، إن هذا التيار موجود بالقوة، والمطلوب إيجاده بالفعل، بحكم وجود وطنيين ديموقراطيين كثيرين، إلا أن هؤلاء لم يستطيعوا التحول إلى كتلة أو إلى كتل وازنة، ولم يبلوروا بينهم أي شكل أو كيان سياسي، حزباً أو تياراً أو منبراً، للتعبير عن رأيهم وعن وجودهم، أو إنهم لم يبذلوا الجهود المناسبة لذلك، أو لم يفعلوا ذلك بالطريقة الصحيحة. ثانياً، افتقاد الثورة السورية لوجود هذا التيار، الذي كان يمكن أن يشكل إضافة نوعية فيها، وتعزيز صدقية مقاصدها إزاء شعبها وإزاء العالم، حتى لو كانت الظروف الخارجية ومعطيات الصراع لا تسمح بتغير موازين القوى. ثالثاً، إن المآلات التي وصلت إليها هذه الثورة، على صعيد انسداد الطريقين العسكري والتفاوضي، تتطلب اجراء مراجعة نقدية لمسارات الثورة، واستعادة أهدافها المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية، وبناء كياناتها السياسية، على أسس صحيحة، وانتهاج طرق عمل تتلاءم مع الإمكانيات والمعطيات المحيطة، وتضع مصالح شعبها على رأس أجندتها، بدل الارتهان لهذه الدولة أو تلك.
وكان مركز "حرمون" عقد ورشة نقاشية (إسطنبول 20ـ21/1)، شاركت فيها مجموعة من السياسيين والمثقفين، خصصها لهذا الموضوع، ولمطالعة المبادرات التي قدمت، اسهاماً منه في تعزيز هذا الحوار، وتحويله من مجرد نقاش نظري إلى خطوات عملية. هكذا تضمنت مداخلتي في تلك الورشة عديد النقاط، وكان أهمها:
أولاً، إن المشاريع السياسية الكبرى، وضمنها الوطني الديموقراطي، لا تتحدّد بناء على ما تعتزم القيام ضده أو بهدمه، أي بدلالة موقفها من النظام القائم فحسب، على أهمية ذلك، بقدر ما تتحدد، أيضاً، بناء على ما تنوي إقامته، أي بدلالة رؤيتها لحقوق شعبها، والمستقبل الذي تعده به.
ثانياً، لا تنبثق المشاريع السياسية من رؤى رغبوية أو ادعاءات أيديولوجية، وإنما من الواقع الموضوعي لمجتمع ونظام سياسي متعيّنين، في مرحلة تاريخية، أي نسبة إلى مستوى التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلد.
ثالثاً، في المشاريع السياسية لا يجوز لطرف إقصاء أطراف أخرى تجد نفسها معنيّة بالمشروع المطروح، مع تفهّم أن قوة معينة قد تفرض ذاتها، كطرف مهيمن، بحكم صدقيتها الفكرية والسياسية ومكانتها في المجتمع ودورها في عملية التغيير.
رابعاً، في الواقع السوري، وبالنظر إلى تجربة السنوات الماضية، يبدو أن الأمر يتطلب الاشتغال على جانبين: أولهما، بناء كيان سياسي جمعي – جبهوي، تعترف الكيانات المشكّلة له ببعضها، بمشتركاتها واختلافاتها، وتجتمع على الهدف الأساسي، بغضّ النظر عن الخلفيات الفكرية، وبعيدًا من العصبيات الأيديولوجية أو الهوياتية أو الدينية. والمعنى أن على هذه الكيانات أن تشتغل في الإطار الجمعي كجبهة، على أساس تكاملي وتعاضدي، لا على أساس تنافسي أو ضدي، على ما جرى في تجربة كيانات المعارضة، من "المجلس الوطني" إلى "الائتلاف الوطني".
وثانيهما، بلورة "تيار وطني ديموقراطي"، وفق طبيعة الثورة، بخاصة أن هذا التيار يكاد يكون غائبًا أو مفتقدًا، إذ على رغم وجوده كحالة، إلا أنه لم يستطع العمل بوصفه كتلة، أو بوصفه تياراً، بمعنى الكلمة، باستثناء وجود شخصيات ديموقراطية مؤثّرة، لها تاريخها ومكانتها، عبّرت عن مواقفها النقدية بصراحة في وسائل الإعلام، وحتى في بعض هيئات المعارضة.
خامساً، أخيراً، وفي ما يخصّ انشغال السياسيين والمثقفين السوريين باستنهاض وبلورة تيار وطني ديموقراطي، يجدر لفت الانتباه هنا إلى ملاحظات خمس: الأولى، إن مجرد وجود ديموقراطيين لا يكفي، لأن المسألة ليست هوياتية، إذ على هذا التيار، أن يؤكد طابعه من خلال أطروحاته ورؤاه ونمط علاقاته، بحيث يفرض ذاته من خلالها، التي تحوله من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، أي من حيّز النظرية إلى حيّز الممارسة. الثانية، كي يتمكّن هذا التيار من تعزيز وجوده، يفترض أن يتمثّل الديموقراطية في علاقاته الداخلية، ومع مجمل الكيانات السياسية القائمة، ومع مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، وإيلائه حقوقهم ومصالحهم الأولوية قبل أي شيء أخر. الثالثة، إدراك أن هذا التيار لا يقوم على أساس أيديولوجي، وإنما على أساس الأفكار التي تجيب عن أسئلة الواقع، وتأخذ في اعتبارها طابع الثورة الوطنية الديموقراطية والمعطيات الدولية والإقليمية المحيطة. الرابعة، حقيقة أن هذا التيار يقوم على الاعتراف بأن المنتمين إليه لديهم مشتركاتهم وأيضاً لديهم اختلافاتهم، التي تفرضها تعقيدات القضية والثورة والمعطيات المحيطة، مع اجتماعهم على الهدف الرئيس المشترك. الخامسة، أن عملية إقامة التيار الوطني الديموقراطي لا تتأسس على الاحتكار، أو الوصاية، أو ادعاء القيادة، أو الطليعية، إذ هي تحتاج إلى كل الجهود، والإخلاص للفكرة، بعيداً من الحسابات الفصائلية والشخصية والآنية، كما تحتاج إلى التدرّج وتوليد الديناميات التي من شأنها بلورة هذا الاتجاه وتعزيز مكانته في مجتمع السوريين وثورتهم.